جبهة حزبية في مصر لحماية النيل غالبية أعضائها من الناصريين

القاهرة - بدأت قوى معارضة مصرية تستعيد نشاطها السياسي على خلفية سد النهضة الإثيوبي، وتجد في أزمة المياه مدخلا جيدا للحركة في الشارع الذي يعاني من غياب القوى الحزبية عنه، من دون أن تغضب الحكومة أو تستفز قوات الأمن للاحتكاك بها.
وعقدت “الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل” التي تتشكل من غالبية يسارية مؤتمرها الأول بمقر حزب المحافظين المصري الخميس لدعم توجهات القاهرة في معركتها مع أديس أبابا في أزمة سد النهضة التي أخذت طابعا دوليا بعد تقديم مذكرات رسمية لمجلس الأمن قبل أيام من الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا.
ودخلت العديد من القوى المصرية على خط الأزمة من خلال تدشين حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم الموقف الرسمي بعد تصاعد حدة الخلافات مع إثيوبيا التي شكلت بشكل شبه رسمي ما يوصف بـ”الميليشيات الإلكترونية” للترويج لرؤيتها.

محمد أنور السادات: قضية سد النهضة فرصة لتوحيد القوى خلف القيادة المصرية
وزادت هذه الحملات من الأزمة بين البلدين بعد أن اتخذت مسارا تصعيديا، فلم تكتف الجبهات التي تشكلت في أغلبها من نخب سياسية بالدفاع عن المواقف الرسمية، بل أخذت منحى تحريضيا بضرورة عدم التراجع في الحالة الإثيوبية، والدفع نحو اللجوء إلى الخيار العسكري في الحالة المصرية.
ويقول مراقبون إن الجبهة المصرية الوليدة أول مشروع حزبي يتشكل خصيصا لمتابعة أزمة سد النهضة ودعم موقف الدولة سلما أو حربا، لكنه فشل في توسيع نطاق المنخرطين فيه، فلا يزال يقتصر على النخبة اليسارية مدعومة من أحزاب ليبرالية تسعى لإثبات ولائها للنظام الحاكم ومنها الباحث عن دور سياسي ويريد استعادة الروح التي غرسها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في الدفاع عن مياه النيل.
ويضيف المراقبون أن هذه النخبة وقعت في خطأ فادح، ففي الوقت الذي تبدو فيه ميولها “ناصرية” تميل نحو التحريض ضد إثيوبيا وحفز صانع القرار على التخلي عن الليونة، بينما عرف عن الرئيس المصري الراحل بتعزيز علاقات مصر مع جميع الدول الأفريقية.
وأكد رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات صاحب الميول الليبرالية أن قضية سد النهضة فرصة مناسبة لإعادة توحيد القوى الوطنية بمختلف توجهاتها خلف القيادة السياسية المصرية.
وأضاف لـ”العرب” أنه “من غير المستغرب أن تكون الأحزاب المعارضة متواجدة بجوار أحزاب الموالاة لتوصيل رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن جميع أطياف المجتمع في مصر يدعمون الدولة في قراراتها للحفاظ على الأمن المائي”.
ويتردد أن الجبهة الشعبية تتواصل عبر بعض الشخصيات المنتمية لها مع أطراف حكومية لتنسيق المواقف معا، وتتواصل أيضا مع جهات خارجية، تحديداً على مستوى الاتحاد الأوروبي، لتوصيل رؤية الموقف الشعبي المصري.
وأشار السادات لـ”العرب” إلى أن الدبلوماسية الشعبية عقب ثورة يناير 2011 تختلف عن الخطوات الحالية لأن الظروف السياسية والأوضاع في مصر اختلفت الآن، وقوة أيّ تحرك شعبي تنبع من قوة الدولة ومواقفها في تلك الأزمة.
ومع أن الجبهة التي أعلن عن تشكيلها في بداية شهر يونيو الجاري تأخذ منحى شعبيا فهي لم تحظ بالتأييد الكافي في الشارع المصري، وأخفقت في تفعيل ما يسمى بـ”الدبلوماسية الشعبية” على الأرض، وهي العبارة التي راج استخدامها مع بداية أزمة سد النهضة وباتت ذات “سمعة رديئة”.
وارتبطت العبارة السابقة بزيارة وفد حزبي مصري ضم شخصيات سياسية تحت مسمى “الدبلوماسية الشعبية” لأديس أبابا بعد ثورة يناير أملا في خلق قواسم مشتركة مع القاهرة للاستفادة من سد النهضة، لكنها جاءت بنتيجة عكسية ووفرت للقيادة الإثيوبية دعما للاستمرار في بناء السد بعد أن حظي بمباركة شعبية رمزية مصرية.
العديد من القوى المصرية دخلت على خط الأزمة من خلال تدشين حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم الموقف الرسمي بعد تصاعد حدة الخلافات مع إثيوبيا
وتتشكل الجبهة الجديدة من بعض الأحزاب السياسية والشخصيات العامة بهدف توفير الحشد للدولة في معركتها الوطنية مع إثيوبيا بسبب سد النهضة. وأطلقت حملتها للتأكيد على دور القوى الشعبية في هذه القضية الحيوية، ومحاولة تنظيم جهودها وتنسيقها لاتخاذ المواقف والتحركات لوقف استمرار التعنت الإثيوبي على مياه النيل بما فيه استخدام القوة العسكرية.
ووضعت الجبهة في بيانها التأسيسي مجموعة محددات تدعم الموقف الرسمي للدولة، وزادت عليه “الالتزام التام من قبل الدول الثلاث بعدم توصيل مياه نهر النيل مطلقًا ولا بأيّ كمية خارج حدود دول الحوض، وعلى وجه التحديد إلى إسرائيل”.
وتسبب رفع سقف المطالب في تحفظ جهات قريبة من الحكومة على أداء الجبهة والطريقة التي تعمل بها، فقد تنحرف عن مسارها وتدخل في مزايدات سياسية ومواقف أيديولوجية ربما تضر بالطريقة التي يعمل بها المفاوض المصري حاليا.
وتعتقد هذه الجهات أن الجبهة لن تستطيع التكيف مع المواقف الرسمية التي تسير في اتجاهات مختلفة من دون الإفصاح عن غالبيتها، ما يظهرها وكأنها متناقضة معها، فالإدارة المصرية أعلنت أن كل الخيارات مفتوحة، بينما الكثير من عناصر الجبهة تريد تسخيرها في اتجاه واحد يدعم الحل العسكري.
وتأتي هذه المستجدات في وقت أكدت فيه إثيوبيا استعدادها لحل أزمة سد النهضة عسكريا في تصريحات اعتبرتها القاهرة على لسان وزير الخارجية سامح شكري استفزازية.