جبانة الخوخة الأثرية.. سجل حقيقي لتاريخ مصر القديمة

مدينة الأموات تحكي تفاصيل العبادات والعادات بين الأزواج.
الاثنين 2023/05/08
جدران المقابر وثائق تاريخية وفنية

تعتبر المقابر المصرية القديمة أهم الأدوات لكشف خفايا التاريخ المصري القديم بما تقدمه من معلومات عن الحضارة الفرعونية وناسها وعاداتهم وإبداعاتهم وأفكارهم، وما تحمله من معالم فنية ودقة معمارية، ما يجعلها أهم العناصر لفهم التاريخ والاطلاع على تفاصيله وحكاياته.

الأقصر (مصر)- اختار قدماء المصريين منطقة البر الغربي بمدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر، لتكون موقعا لإقامة جبانة طيبة القديمة التي تضم بين جنباتها المئات من مقابر ملوك وملكات وحكام مصر القديمة، إضافة إلى الأشراف والأفراد، وعدد كبير من المعابد الجنائزية.

وتنقسم جبانة طيبة القديمة إلى جبانات عدة، بينها جبانة “الخوخة” التي تنقسم بدورها إلى منطقتين: “الخوخة العليا”، والواقعة في أعلى الجبل، و”الخوخة السفلى”، الواقعة في أسفل الجبل، وتضم المنطقتان قرابة 50 مقبرة أثرية ترجع لعصر الأسرات 18 و19 و20، بجانب بعض المقابر التي تعود إلى عصر الاضمحلال الأول والفترة المتأخرة.

رجل وزوجته

جبانة الخوخة ومقابرها المختلفة، هي جزء من البر الغربي للأقصر الذي كان يعرف قديما باسم “مدينة الأموات”، لاحتوائه على المقابر والمعابد الجنائزية التي شيدها قدماء المصريين بالمنطقة قبل الآلاف من السنين.

هنا نتجول داخل ثلاث مقابر من بين المقابر المهمة التي شُيّدت في جبانة الخوخة، ونتعرف على تاريخها ونطلع على ما احتوت عليه من معالم تمثل مع بقية المقابر سجلا حقيقيا لتاريخ مصر القديمة، ولعل العامل المشترك بين تلك المقابر الثلاث التي سنتعرف عليها من خلال جولتنا في جبانة الخوخة، هو أنها اكتشفت على يد روبرت لودفيج موند، وهو عالم آثار بريطاني، توصل إلى العديد من الاكتشافات الأثرية خلال الحفريات التي قام بها في جبانة طيبة القديمة خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي، كما أن المقابر الثلاث اكتشفت في عام واحد وهو عام 1915.

◙ لقب صاحب المقبرة نفر رنبت بـ"كثرو"، وقد عاش في عهد حكم الملك رمسيس الثاني، وكان يعمل كاتبا للمخازن في ضيعة آمون رع، وتعد تلك المقبرة من أكبر مقابر الأسرة التاسعة عشرة، من حيث الحفظ، حيث احتفظت بمناظرها التي بقيت كاملة حتى اليوم
لقب صاحب المقبرة نفر رنبت بـ"كثرو"، وقد عاش في عهد حكم الملك رمسيس الثاني، وكان يعمل كاتبا للمخازن في ضيعة آمون رع، وتعد تلك المقبرة من أكبر مقابر الأسرة التاسعة عشرة، من حيث الحفظ، حيث احتفظت بمناظرها التي بقيت كاملة حتى اليوم

ونبدأ جولتنا في مقابر جبانة الخوخة الأثرية، بزيارة لمقبرة نفر رنبت التي تحمل الرقم 178، بمعرفة روبرت موند في عام 1915، أي قبل قرابة 108 أعوام.

وقد لقب صاحب المقبرة نفر رنبت بـ”كثرو”، وقد عاش في عهد حكم الملك رمسيس الثاني، وكان يعمل كاتبا للمخازن في ضيعة آمون رع، وتعد تلك المقبرة من أكبر مقابر الأسرة التاسعة عشرة، من حيث الحفظ، حيث احتفظت بمناظرها التي بقيت كاملة حتى اليوم.

يقول الأثري المصري محمد يحيي عويضة، المدير العام الأسبق لمنطقة آثار الأقصر ومصر العليا، إن “من أهم مناظر المقبرة تلك التي تمثل نفر رنبت وزوجته موت مويا وهما جالسان في حضرة الإله أزوريس، وصاحب المقبرة وزوجته وهما يتعبدان الشمس وينشدان الأناشيد الدينية، ومناظر تمثل صاحب المقبرة وزوجته في مواضع مختلفة وهما يتعبدان، وتارة وهما يصحبان أنوبيس أو يشهدان محكمة أزوريس أو يشربان من حوض للماء، فيما تلتهم قطة قابعة أسفل كرسي الزوجة بعض العظام”.

ويشاهد زائر المقبرة بحسب عويضة “نفر” وزوجته “موت” وهما يستمتعان بالموسيقى أو يحرقان البخور، كما يشاهد الزائر منظرا لبعض الرجال وهم يتعبدون للعمود جد رمز أزوريس وقرص الشمس مرفوعا في الأفق بين ذراعي المعبودة نوت ثم مناظر لبعض الآلهة، ومنظر لموكب الجنازة، ونائحات وخدم يحملون المؤن وموائد الأطعمة.

ويجول بنا الأثري المصري علي رضا، في مقبرة “نفر سخرو”، إحدى مقابر جبانة الخوخة، والتي تحمل الرقم 296، واكتشفها روبرت موند في عام 1915 أيضا.

ويقول رضا إن “نفر سخرو صاحب تلك المقبرة كان يعمل رئيسا للمخازن في المدينة الجنوبية (مدينة الأقصر حاليا) وكان متزوجا من ثلاث زوجات، هن ماعت موت وسخموي ونفرتاري.

ووفقا للأثري علي رضا، فإن المقبرة تضم مناظر لصاحب المقبرة وإحدى زوجاته وهما يتعبدان للشمس وبجوارهما نشيد لتمجيد الإله آمون رع حور أختي، وتمجيد أوزوريس، ومناظر لصاحب المقبرة وإحدى زوجاته وهما يتعبدان، ويقدمان القرابين للآلهة، وهما يشربان من بركة مياه تسبح فيها الأسماك وتحفها الأشجار وتطير فوقها الطيور، بجانب الموكب الجنائزي، ومنظر للبقرة حتحور (ربة الغرب) وهي ترتاد الجبال.

وأشار رضا إلى أن المقبرة تحتوي أيضا على مناظر للتعبد للمعبودات المختلفة، ومنظر لإشعال الشموع، فيما تزين الزهور والأشكال الهندسية سقف المقبرة.

حافظ الأسرار

◙ جبانة طيبة أرض الأسرار
جبانة طيبة أرض الأسرار

 يصحبنا المرشد السياحي حجاج أمين في جولة بين معالم مقبرة “جحوتي مس” التي تحمل الرقم 295، والتي اكتشفها روبرت موند في عام 1915.

ويقول أمين إن “صاحب المقبرة عاش في عهد الملكين تحتمس الرابع، وأمنحتب الثالث، وكان يحمل لقب ‘باروي’، وعمل كاهنا في دار التحنيط، ومشرفا على الأسرار في خزينة أنوبيس، وتضم المقبرة مناظر تظهر صاحب المقبرة وزوجته نفرتاري وأبناءه وأقاربه وهم يحملون باقات الزهور ويتعبدون لرننوت ربة الحصاد لدى المصري القديم، وأوزوريس وغيرهما من الأرباب والآلهة.

كما تضم المقبرة بين الرسوم التي تغطي جدرانها، مناظر للكهنة وهم يؤدون طقوس التطهير لصاحب المقبرة وزوجته، بينما تزين سقف المقبرة أشكال هندسية وزهور بديعة.

ووفقا لعلماء المصريات، فإن المقابر الثلاث لـ”نفر رنبت”، و”نفر سخرو”، و”جحوتي مس”، تعبر وبدقة عن الطراز المعماري والفني لمقابر كل عصر من عصور الدولة الحديثة في مصر القديمة.

يذكر أن جبانة طيبة القديمة بالبر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، شُيّدت لتكون مدينة للأموات وضمت مقابر لملوك مصر القديمة وأتباعهم، ومركزا للمعابد الجنائزية التي عُرفت أيضا باسم “معابد تخليد الذكرى”، حيث ضمت بين جنباتها معابد أثرية مشهورة وتحظى بزيارة الآلاف من السياح في كل يوم، ومن بين تلك المعابد هناك معبد الرامسيوم، ومعابد مدينة هابو، ومعبد الملك سيتي الأول، ومعبد الملكة حتشبسوت، ومعبد الملك أمنحتب الثالث، وغير ذلك من المعابد، إضافة إلى المئات من المقابر للملوك والملكات والأشراف، حيث توجد منطقة وادي الملوك الغنية بمقابر ملوك الفراعنة، ومنطقة وادي الملوك الغنية بمقابر ملكات الفراعنة، إضافة إلى مقابر كبار رجال الدولة التي تنتشر في جبانات الخوخة والعساسيف وذراع أبوالنجا ودير المدينة وقرنة مرعي والشيخ عابد القرنة والطارف.

 

12