جان بول بلموندو آخر عمالقة الموجة الجديدة في السينما

مقياس الوسامة لم يمنع الممثل الفرنسي من الارتقاء إلى مصاف النجوم.
الأربعاء 2021/09/08
صاحب كاريزما عالية وأدوار فارقة

فقدت السينما الفرنسية أحد أبرز أعلامها إثر وفاة الممثل جان بول بلموندو عن ثمانية وثمانين عاما، بعد مسيرة طويلة استمرت أكثر من نصف قرن أثرى خلالها المكتبة السينمائية بالعشرات من الأدوار المتنوّعة في أفلام لا تزال محفورة في ذاكرة الملايين من متابعي الأشرطة السينمائية.

باريس - حاول البعض إحباط عزيمة الممثل الفرنسي جان بول بلموندو في بداية مسيرته عبر القول إنه لن ينجح أبدا في مجال التمثيل بتقاسيم وجهه الحادة وملامحه الخشنة، غير أن هذا الحكم لم يحل دون تحوّل الممثّل الذي توفي مساء الاثنين عن ثمانية وثمانين عاما إلى أحد عمالقة السينما الفرنسية. وبات في رصيده حوالي ثمانين فيلما وأكثر من أربعين عملا مسرحيا خلال مسيرة فنية طويلة امتدّت أكثر من نصف قرن.

وتعدّدت أدواره على الشاشة من مساهماته في أعمال الموجة الجديدة إلى تأديته دور الشرطي أو الشرير في الأفلام الموجّهة إلى عامة الناس.

مسيرة حافلة

مسيرة غير عادية

ولد جان بول بلموندو في التاسع من أبريل عام 1933 في كنف عائلة من الفنانين في نويي - سور - سين قرب باريس. وكان والده نحّاتا معروفا. أما الابن فكان يهوى إطلاق النكات ويحلم بخوض غمار التمثيل.

والتحق بمعهد الكونسرفاتوار في خمسينات القرن العشرين وشكّل مجموعة من الأصدقاء “مدى الحياة” مع جان روشفور وكلود ريش وبرونو كريمير وجان بيار مارييل.

وانطلق بلموندو، صاحب الكاريزما العالية والابتسامة المشرقة، في مسيرته التمثيلية على خشبة المسرح قبل أن تحمله عطاءاته على مرّ العقود إلى قمة شباك التذاكر الفرنسي، مع حصيلة تراكمية لأعماله بلغت مئة وثلاثين مليون مشاهد في صالات السينما.

وبعد أدوار صغيرة في المسرح والسينما التقى بجان لوك غودار في لقاء حسم مصيره؛ فقد كشف بلموندو في 2001 أن جان لوك غودار "هو الذي جعلني أحبّ السينما. قبل دوري في فيلم 'أبو دو سوفل' قيل لي عديد المرات إنني لم أكن جيّدا إلى درجة جعلتني أشكّك في قدراتي".

وسطع نجمه بفضل هذا الدور الرئيسي الأوّل له سنة 1960 إلى جانب جين سيبيرغ. وسرعان ما بات من أبرز نجوم السينما التي كان في السابق يتردّد في خوضها. وأصبح كما آلان دولون عملاقا في السينما.

على امتداد نصف قرن قدّم جان بول بلموندو أفلاما كثيرة لا تزال محفورة في الذاكرة السينمائية الفرنسية

وتتالت الأدوار والنجاحات، وصار من أبرز وجوه التيّار السينمائي المعروف بالموجة الجديدة عبر فيلمي “موديراتو كانتابيليه” و”بييرو المجنون”. كما لا تزال أعمال كثيرة قدّمها محفورة في الذاكرة السينمائية الفرنسية، من بينها مشاهده في فيلم “لو غينيولو” التي ظهر فيها معلقا بطوافة كانت تحلق فوق أجواء مدينة فينيسيا الإيطالية.

ثمّ ركّز على أفلام الكوميديا والمغامرات متشاركا البطولة مع أجمل نجمات السينما، من كاترين دونوف إلى صوفيا لورين مرورا بكلوديا كاردينالي وفرنسواز دورلياك. وربطته علاقات غرامية بالبعض منهنّ، كأورسولا أندريس ولورا أنتونيلي.

وانتقل في فترة لاحقة إلى الأدوار التي تتطلّب أداء بدنيا، هو الذي كان يهوى الملاكمة في شبابه، مؤدّيا مشاهد مخاطرة وعراك بالأيدي دون أيّ ممثّل رديف له.

ولعب دور الشرطي القوي وزير النساء المشاكس والشرير في "بورسالينو" و"لو مانيفيك" و"فليك أو فوايو" و"لو بروفيسيونيل" و"لاس ديزاس".

وخلال أكثر من عشرين سنة تخطّت ثمانية وأربعون فيلما من أفلامه مليون مشاهدة إلى أن عُرض “سوليتير” في عام 1987 وشكّل له أوّل فشل تجاري كبير. وعنه قال “كان فيلما بوليسيا زائدا عن اللزوم. وقد سئمت الأمر وكذلك الجمهور”.

لكنّه تألّق مجدّدا في الدور الذي أدّاه في “إيتينيرير دان انفان غاتيه” لكلود لولوش في عام 1988 والذي شكّل أحد أهم أدواره ونال عنه "سيزار" أفضل ممثل، وهي جائزة امتنع عن تسلمها.

وبعد ذلك عاد بلموندو إلى شغفه الأول، أي المسرح، إذ أدّى بطولة مسرحيتي "كين" و"سيرانو" وأصبح مالكا لمسرح "تياتر دي فارييتيه".

لكنّ جلطة دماغية تعرّض لها سنة 2001 أثناء تصوير أحد الأعمال تسبّبت له في مشكلات صحية كبيرة وأبعدته عن الأستوديوهات بشكل شبه تام، باستثناء إطلالة يتيمة له في فيلم "رجل وكلبه" لفرانسيس هوستر في عام 2008، ولعب فيه دور رجل مسن ووحيد.

وقد احتلت أخبار حياته الخاصة عناوين المجلات الفنية؛ فبعد طلاقه من ناتي عادت مغامراته العاطفية إلى الواجهة إثر علاقته مع عارضة أزياء بلجيكية سابقة تصغره بعدة عقود، قبل أن ينفصلا سنة 2012.

ونال بلموندو جائزة السعفة الذهبية الشرفية في مهرجان كان السينمائي عام 2011، والأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي عام 2016، ثم حصل على جائزة “سيزار” شرفية عن مجمل مسيرته عام 2017 على وقع تصفيق حار من الحاضرين في الحفلة.

وللممثل المعروف بمغامراته العاطفية الكثيرة أربعة أولاد: باتريسيا (متوفاة)، وفلورانس وبول وستيلا. والأخيرة تعدّ أصغر أولاده، وقد ولدت سنة 2003 حين كان بلموندو في سن السبعين.

تكريم وطني

أستاذ الوسامة

قالت الرئاسة الفرنسية الثلاثاء إن فرنسا ستقيم الخميس مراسم تأبين وطنية لممثلها الراحل الملقّب بـ”الوحش المقدّس” في فندق ناسيونال ديز انفاليد في باريس.

واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر تويتر أن جان بول بلموندو "كنز وطني"، وقال "سيظل دائما الشخص الرائع"، في إشارة إلى فيلم "لو مانيفيك" الذي أدّى فيه بلموندو دور مؤلف سيتحوّل إلى عميل سري.

وقالت وزيرة الثقافة روزلين باشيلوت "لقد فقدنا عملاقا.. ما تبقى هو المشاعر التي أثارها فينا مرارا طوال حياته كفنان، شهيته للحياة هي قدوة لنا جميعا".

وجاء في بيان حكومي أن “رئيس الجمهورية وزوجته ينحنيان أمام الرجل الذي يشكّل وجهه جزءا من تراثنا”.

ونقل البيان الصادر عن قصر الإليزيه تعازي ماكرون وزوجته لأسرة وأصدقاء الفنان الراحل وكذلك جميع الفرنسيين.

وأشاد الرئيس الفرنسي بذكرى "بطل رائع وشخصية مألوفة"، قائلا عنه إنه كان "دون منازع الأقرب إلى قلب الجمهور بين ممثّلينا الكبار".

وكان ماكرون منح بلموندو وسام جوقة الشرف برتبة ضابط كبير خلال مراسم أقيمت في الإليزيه في نوفمبر 2019.

وفي مايو 2017 منحه الرئيس السابق فرنسوا هولاند خلال الأسبوع الأخير من ولايته وسام الاستحقاق الوطني.

وتطوي وفاة جان بول بلموندو صفحة أساسية في تاريخ السينما الفرنسية، لينضم إلى كوكبة من زملاء المهنة الذين جمعته بهم صداقة منذ أيام الدراسة في معهد الكونسرفاتوار، من أمثال جان روشفور وجان بيار مارييل وبرونو كريمير وكلو ريش.

ممثل الأجيال

 

16