جائزة نوبل للآداب.. ما هو الجديد

انسحاب الروائي الياباني هاروكي موراكامي ومنح جائزة نوبل البديلة كانا من أبرز نتائج الفضيحة الأخلاقية التي هزت جائزة نوبل للآداب مؤخرا وتسببت في توقفها.
السبت 2019/06/22
هل ستعود نوبل للآداب إلى ألقها

بعد الذي حدث في العام الماضي، من ارتباك وفوضى في محيط الأكاديمية الملكية السويدية وفي أدائها، وهي التي تمنح جائزة نوبل، وبسبب ما كان من ذلك الارتباك والفوضى، تأجل منح جائزة الآداب للعام 2018 ولم يحدث في تاريخ هذه الجائزة العريقة، التي كانت ومازالت من أهم الجوائز في العالم، مع ما يقال بشأن ضعف اختياراتها، أشخاصا وإنجازا، في السنين الأخيرة.

أقول، لم يحدث في تاريخ هذه الجائزة أن تأجل منحها، منذ تأسيسها في العام 1901 إلا مرات قليلة، كان آخرها في العام 1949 يومها كان مسوغ التأجيل، إن المرشحين لنيل الجائزة لم يتوفر في منجزهم ما يناسب المستوى المطلوب، كما اقترحه وحدده مؤسس الجائزة الفريد نوبل، والتزمت به الأكاديمية الملكية السويدية في منح الجائزة.

غير أن هذا المسوغ الذي تأجل منح الجائزة بسببه في العام 1949 هل التزمت به الأكاديمية الملكية السويدية في منح الجائزة وبخاصة في الأعوام الأخيرة حيث شرط المستوى الذي حدده مؤسس الجائزة، إذ منحتها إلى أشخاص كان الاختلاف بشأنهم أكثر بكثير من الاتفاق، والاعتراض عليهم أكثر بكثير من الموافقة، ويظهر هذا الاختلاف والاعتراض في ما تكتبه الصحف والمجلات العالمية وما يدلي به كبار الأدباء والنقاد في معظم أنحاء العالم من آراء وشهادات.

وكانت ذروة عدم الالتزام بالمستوى المطلوب توفره في من يمنح الجائزة، بل وذروة الاختلاف والاعتراض على منحها، يوم منحت للمغني الأميركي بوب ديلان في العام 2016 وكانت المسوغات التي منحت جائزة نوبل للآداب بموجبها، قد جاءت بأغطية ضعيفة ومرتبكة وغير مقنعة، وكل ذلك انعكس على ما تابعناه من تغطيات إعلامية وثقافية، ناقدة ومعترضة.

غير أن سبب تأجيلها في العام 2018 يختلف اختلافا جذريا عن السبب الذي توقفنا عنده، وهو سبب غير ثقافي ولا يتعلق بوجهات نظر نقدية، فكرية كانت أم جمالية، بل هو سبب أخلاقي، وتحول في ما قيل وما كتب عنه، إلى حالة فضائحية، تتعلق بالمدعو جان كلود آرنو وهو زوج السيدة كاتارينا فروستنسن عضو الأكاديمية الملكية السويدية، وهي مؤثرة في نشاطات الأكاديمية، وبخاصة في منح جائزة نوبل للآداب، ولست بحاجة إلى ذكر السلوك المنحرف لجان كلود آرنو.

 إذ لم تبق صحيفة أو مجلة أو موقع إعلامي إلا وتناول هذا الجانب في شخصيته مقترنة بشهادات كثيرة وموثقة، وما يلفت النظر في الحالة الفضائحية التي نحن بصددها، وبخاصة في ما يتعلق يسلوك – بطلها – والتي أدت إلى تأجيل منح الجائزة في العام 2018، أن انحرافاته الأخلاقية لم تكن وليدة العام المذكور، بل تمتد إلى زمن بعيد، ولا أدري لم التفتوا إلى هذا السلوك المنحرف، في العام المذكور، وما التفتوا إليه من قبل وقد تناولته صحف معروفة بأقلام اشتهرت بموضوعيتها، ومن حق المرء، وبخاصة حين يكون من المهتمين بالشأن الثقافي الحريصين على أن تظل جائزة نوبل بمستوى تاريخها ومستوى الكبار الذين اقترنت بأسمائهم، أن يسأل، كيف يمكن أن يكون لهذا الشخص، وكل ما يربطه بالأكاديمية السويدية أن زوجته عضو بارز فيها، كل هذا التأثير؟

ولو صح هذا، أليس من حق أي متابع في جميع القارات، ممن يتابعون نشاطات الأكاديمية السويدية ويتأثرون بمن تمنحهم جائزتها، أن يشككوا بالنتائج التي سبقت سنة الفضيحة، مع أن ضعف كثيرين من الحاصلين عليها، جعلهم غير مقنعين، وحين قرأنا بعضهم لم نجد في ما قرأنا لهم ما هو استثنائي وما يشكل إضافة مهمة لقراءاتنا، بل من حقنا وانسياقا مع ما كتب في منابر ثقافية مهمة، عن تأثيره في محيط جائزة نوبل، هل كان هذا التأثير من أسباب ضعف بعض من منحوا الجائزة؟

هنا أود أن أتوقف عند قضيتين، وهما من نتائج الحالة الفضائحية التي تحدثنا عنها، الأولى انسحاب الروائي الياباني هاروكي موراكامي من الجائزة وكان المرشح للفوز بها، ولماذا الانسحاب؟ ولم أجد إجابة حاسمة ومقنعة عن هذا السؤال، وهل سيظل مرشحا للعام الحالي أو للأعوام القادمة، ومع أنني لم أقرأ له سوى روايته “كافكا على الشاطئ” ووجدتها موزعة بين السريالية وما هو غرائبي، بحيث قال أحد النقاد اليابانيين إن رواياته وقعت باستمرار تحت تأثيرات الرواية الغربية، بينما وصفته مجلة الغارديان بالقول “موراكامي واحد من أعظم روائيي عصرنا”.

أما القضية الثانية فهي “جائزة نوبل البديلة” التي منحتها الأكاديمية المؤقتة، التي بادر إلى تأسيسها عدد من كبار المثقفين والأكاديميين السويديين، إلى ماريسكوندي، وكان ذلك بعد اعتذار موراكامي، وكانت كوندي واحدة من أربعة مرشحين للجائزة فتم اختيارها من بينهم، وماريسكوندي كاتبة وروائية من جزر غوادالوب، المستعمرة الفرنسية – ما وراء البحار – وتقيم في الولايات المتحدة الأميركية، وكتبت بعض رواياتها باللغة الإنكليزية، ولم أقرأ لها إلا بعض فصول مترجمة إلى اللغة العربية.

ولم أطلع على الوضع القانوني لجائزة نوبل البديلة، وهل هي بديل كامل للجائزة الأم، ماديا ومعنويا؟ أم أنها مجرد ترقيع للخرق الذي سببته فضيحة جان كلود آرنو؟

بعد كل ما تقدم، وأعتقد أن الكثير منه معروف لدى كثيرين من المتابعين، أسأل ونحن نقترب من إطلالة شهر نوفمبر، من عامنا هذا، وهو الموعد السنوي لإعلان جائزة نوبل، بعد كل ما كان من ضجيج إعلامي وما رافقه من استقالات بعض أعضاء الأكاديمية الملكية السويدية، وما صدر عنهم من اعترافات وانتقادات، وبعد ما كان من اضطرار لتأجيل منح الجائزة، وبعد التعديلات التي أجريت على قانون الأكاديمية، وبعد أن حكم لمدة سنتين على من عُدَّ السبب في جملة الانحرافات والتجاوزات والأخطاء، وأقصد جان كلود آرنو.

أتساءل، بل تساءل كثيرون، هل من جديد، وهل سيتم تجاوز التردي الذي عرفته الجائزة في السنين الأخيرة، وهل ستعود إلى ألقها، وهل يمكن أن تعود إلى زمن الكبار أمثال طاغور وبيرتراند رسل وبرناردشو وفوغنر ونيرودا وماركيز وأمثالهم؟

14