جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة تحتفل بعامها الـ25 في القاهرة

نجحت جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في استعادة مكانة أدب الرحلات سواء في التأليف أو البحث والتحقيق والترجمة، نظرا إلى أهميته البالغة في ترسيخ التنوير والتثاقف وربط جسور بين التواريخ والجغرافيات المختلفة، ورفدت الجائزة المكتبة العربية بعدد هام من المؤلفات التي تمثل علامة فارقة في الثقافة العربية اليوم.
شهد عام 2003، انطلاقة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة التي ترعاها دارة السويدي الثقافية بأبوظبي، والممثلة في شخص الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وذلك بعد تحضيرات استمرت على مدار ثلاث سنوات، خرجت بعدها تلك الجائزة إلى النور لتسهم في إحياء نمط أدبي عربي مهم، وليتزامن معها قيام دار السويدي للنشر بإصدار أعداد هامة من الكتب التي صارت متاحة للقراء العرب بسهولة ويسر، وباتت متوفرة بكل معارض الكتب بشتى العواصم العربية.
وبمناسبة الاحتفال بمرور ربع قرن على انطلاق تلك الجائزة، استضافت مكتبة البلد بالعاصمة المصرية القاهرة مساء الأحد، ندوة بعنوان “مصر وجغرافيتها الحضارية منطلقا ومعبرا وموئلا للرحلة”، تحدث فيها الشاعر السوري نوري الجراح، مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي ومدير عام جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، الروائية والكاتبة منصورة عزالدين، والأكاديميون: نهى عبدالرازق الحفناوي الباحثة في مجال تحقيق التراث، وعمار علي حسن، وأحمد جمعة عبدالحميد، الباحث بالمعهد الفرنسي للآثار بالقاهرة، ويحيى زكريا السودة المختص بالدراسات الحضارية وعلوم الكتاب المخطوط.
تاريخ الرحلات
الجائزة ساهمت في إثراء المكتبة العربية على مدار السنوات الـ25 الماضية بمئات الكتب في مجال أدب الرحلة العربي
سلطت الندوة الضوء على حضور مصر وجغرافيتها الحضارية في أدب الرحلة العربي من خلال المساهمة البارزة لأسماء وعلامات أثرت بمنجزاتها خزانة أدب الرحلة، وذلك بحضور نُخبة من ممثلي جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة.
وتأتي ندوة “مصر وجغرافيتها الحضارية منطلقا ومعبرا وموئلا للرحلة”، لتؤكد على اهتمام الكتاب والمثقفين العرب بهذا الفرع المهم من الأدب العربي، الذي لم ينل اهتماما يتناسب والأهمية المعطاة له في مختلف الثقافات، إلى أن جاء مشروع الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، الهادف لإحياء ذلك الأدب، وذلك عبر إطلاق جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، من خلال دارة السويدي الثقافية، والمركز العربي للأدب الجغرافي “ارتياد الآفاق”، وتوفير كل الدعم لدار السويدي للنشر والتوزيع، لتقوم بتقديم مئات الكتب التي تدور في فلك أدب الرحلة، وإتاحتها للقراء العرب في كل مكان.
وتقودنا ذكرى مرور 25 عاما على تأسيس جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، وجهود الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، لإحياء أدب الرحلة العربي، إلى الحديث عن توق الإنسان على الدوام إلى السفر والترحال، وشغفه باستكشاف كل ما هو غريب وعجيب. وربما كان ذلك الشغف للتعرف على العوالم المحيطة به، من مدن وبلدان، وبحار وصحاري، ومن بشر متعددي الثقافات واللغات، هو ما دفع الإنسان منذ القدم للقيام بالسفر والترحال من بلد لآخر.
وتدلنا المصادر التاريخية، على أن أول رحلات كان يقوم بها البشر كانت تجرى لدوافع دينية، مثل الحج لأماكن كانوا يرونها مقدسة آنذاك. وفي عصور ما قبل التاريخ، ترك لنا قدماء المصريين العديد من المعابد التي تدلنا على قيام سكان مصر القديمة برحلات للحج إلى معابد ومدن كانت قبلة للآلاف من الحجاج الذين يفدون للاحتفال والتبرك. وكانت معابد الكرنك، معبد الأقصر، ومعبد أبيدوس، ومدينة بوباسطة، أماكن لتجمعات هائلة من البشر، الذين كانوا يحجون لتلك المعابد في موعد محدد من كل عام.
ومن الطريف أن الأساطير المصرية القديمة، تروي لنا أن الحج إلى معبد ومدينة أبيدوس، لم يكن قاصرا على الأحياء، بل أن الأموات كانوا يقومون أيضا بالحج إليها، وكانت أرواح الموتى تمنح مراكب خاصة لتمكينها من الحج إلى أبيدوس.
وكان موسم الحج إلى مدينة بوباسطة القديمة – في دلتا مصر – تمثل موسما رائجا لأصحاب السفن والفنادق، وتحقق رواجا تجاريا كبيرا.
وتتفرد الرحلة بأهمية كبيرة لدى المسلمين، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ”. وعلى هذا فالسفر في الأرض هو تنفيذ لأمر إلهي، والسفر – أيضا – وسيلة للظفر، ويحفل القرآن الكريم بالآيات الدالة على قيام الأنبياء – عليهم السلام – بالعديد من الرحلات، وقد اختار سيدنا إبراهيم السفر برا في وسط الصحراء، وصار المكان المقدس الذي استقر به نبي الله إبراهيم عليه السلام، مكانا مقدسا، ومقصدا لملايين الحجاج، فيما اعتبرت هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، نوعا من السفر ونمطا من أنماط الرحلات، وقد انتشر الإسلام بسبب هجرة المسلمين في سائر أرجاء الأرض.. ويُعد الحج أحد أهم بواعث الرحلة وأعظمها شأنا عند المسلمين، حيث كان الحج ولا يزال أهم رحلة يتشوق إلى آدائها جموع المسلمين.. وذلك بجانب السعي لطلب العلم.
وتذكر لنا كتب التاريخ، أن الكثير من الملوك والحكام علموا على تأمين طريق الحج وحماية سالكيه، من خلال نشر الجنود بطول الطريق، كما أقاموا الكثير من المنشآت على الطريق لخدمة الحجاج.
ويحفل تراثنا العربي والإسلامي، بالكثير من المؤلفات والنصوص والروايات، حول الرحلة والسفر والترحال، ويُعرِف العرب كلمة السفر في معاجمهم، بأن معناها “السياحة والترحال والرحيل”.. والرحلة لغة من “يرحل رحلا ورحيلا وترحالا”.
وتذخر المكتبة العربية، بالكثير من الكتب والمؤلفات، التي توثق تفاصيل العديد من أسفار الرحالة، الذين كانوا يطوفون الأرض، لتدوين تاريخ وعادات البلدان والشعوب، والتعرف على معالمها وآثارها وعلمائها وأدبائها وحكامها.. وهي الكتب والمؤلفات التي نقلت لنا الكثير من تاريخ وتراث وثقافة الأقدمين، وجعلتنا أكثر معرفة بالكثير من الشعوب والحضارات الآفلة، والمدن الزائلة.
تشجيع التحقيق والتأليف
كما أسلفنا، فإن جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة هي جائزة أدبية، تمنح سنويا منذ سنة 2003 ويقدم الجائزة سنويا (المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق) في أبوظبي ولندن، لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة، وذلك بهدف تشجيع أعمال التحقيق والتأليف والبحث في أدب السفر والرحلات.
وتحمل هذه الجائزة اسم ابن بَطُوطَة وهو الرحالة الشهير والمؤرخ والقاضي والفقيه المغربي الذي لقب بأمير الرحالين المسلمين. وجاءت تحمل اسمه تكريما وتخليدا له. وقد تأسست عام 2003 برعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد خليفة السويدي، ويشرف الشاعر السوري نوري الجراح – مدير المركز العربي للأدب الجغرافي – على تنظيم وتوزيع هذه الجوائز السنوية، باعتبارها شكلا من أشكال تشجيع الكتاب والمهتمين بهذا النوع من الكتابة على إنجاز مشاريع التحقيق والبحث والتأليف في الأدب الجغرافي، أو في أدب السفر والرحلات، وتُمنح الجائزة في أكثر من فرع منها: الدراسات، والرحلة المحققة، والرحلة المترجمة، والرحلة المعاصرة.
وتهدف جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة إلى تشجيع أعمال التحقيق والتأليف والبحث في أدب السفر والرحلات واليوميات، ونبش المخبوء والمجهول من المخطوطات العربية والإسلامية الموجود في كنف المكتبات العربية والعالمية، وإخراجه إلى النور، إضافة إلى الرحلات المعاصرة للكتاب العرب.
وقد أسهمت الجائزة ممثلة في دارة السويدي الثقافية، والمركز العربي للأدب الجغرافي “ارتياد الآفاق”، في إثراء المكتبة العربية على مدار السنوات الـ25 الماضية، بمئات الكتب في مجال أدب الرحلة العربي.
وكما يقول مؤسس الجائزة وراعيها، الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، فإن من بين ما تهدف له الجائزة، هو أن تكون مشروعا تنويريا عربيا يستهدف إحياء الاهتمام بالأدب الجغرافي من تحقيق المخطوطات العربية والإسلامية التي تنتمي إلى أدب الرحلة والأدب الجغرافي بصورة عامة من جهة، وتشجيع الأدباء والكتاب العرب على تدوين يومياتهم المعاصرة في السفر وحض الدارسين على الإسهام في تقديم أبحاث ودراسات رفيعة المستوى في أدب الرحلة.
ووفقا للسويدي أيضا، فإن سلسلة ارتياد الآفاق، التي تضم المؤلفات الخاصة بأدب الرحلة، والتي تقدم في كل عام مجموعة الكتب الفائزة بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، تهدف لبعث واحد من أعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا العربية من خلال تقديم كلاسيكيات أدب الرحلة، إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودونوا يومياتهم وانطباعاتهم ونقلوا صورا لما شاهدوه وخَبِرُوهُ في أقاليمه قريبة وبعيدة، لاسيما في القرنين الماضيين اللذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربية لدى النُخب العربية المثقفة، ومحاولة التعرف على المجتمعات والنَاس في الغرب.