ثورة وعجول

ينسب كثيرون للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي تعريف الثورة بأنها “أنثى الثور”، قصدا أو سهوا مثلما نسبت إليه أقوال أخرى كثيرة.
والحقيقة أن لا دليل على أن القذافي هو صاحب المقولة التي أصبحت “خالدة” عربيا، لكن من مصادفات القدر أن المقولة أثبتت صحتها مع الأيام، خاصة في تونس.
في تونس لا تكمن المشكلة في الثورة لكن في من قاموا بالثورة.
استعدت العبارة ونحن نحتفل بعيد الثورة الثامن أمس 14 يناير. وأعادت الإذاعات والتلفزيونات بث صراخ محام أمام وزارة الداخلية، تحدّى حظر التجوّل حينها، “بن علي هرب”!
بدأت الثورة في بداياتها حالمة وجميلة وحّدت صفوف التونسيين، تغيّرت الوجوه يومها. أتذكر جيدا إحساسنا العميق بالوطنية، إحساس لم نجرّبه يوما في بلد الفرح الدائم.
فجأة، تحول حب الوطن إلى حب أحزاب بعينها، تراجع حب تونس إلى مرتبة ثانية ثم اختفى وغلبت لغة التخوين وانقسم التونسيون.. تشظّت الوحدة وتطايرت قطعًا.
لا مشكلة في الثورة بل في أبنائها. وعى التونسيون فجأة أنهم تخلصوا من عائلة حاكمة، وهي عائلة زوجة بن علي حصرا، لينصبوا مكانها عائلات حاكمة كثيرة.
كان التونسيون يتحمّلون عائلة حاكمة واحدة يقولون إنها عائلة “جائعة” فقدت السيطرة على جوعها ربما ستشبع يوما.
على فكرة، لا يعني الجوع في تونس الإحساس بالحاجة إلى الطعام، فله تفسير آخر يختلف عن أي مكان في العالم، فأن تصف أحدهم بأنه “جائع” يعني أنه “ميّت على الدنيا” لا يرضى بما لديه أبدا ولو ملك العالم، يريد كل شيء.
فلا جائعين في تونس، بالمعنى المتعارف عليه، لأن الخبزة بـ200 مليم. ووفق المعهد الوطني للاستهلاك، فإن مليون خبزة يوميا لا يتم استهلاكها ويرمى أغلبها في القمامة.
المهم، استقبلت تونس جائعين كثر عادوا من كل أصقاع العالم لتقاسم كعكة البلاد.
لقد أنجبت الثورة التونسية، التي تحولت حقيقة إلى أنثى الثور، عجولا كثيرة عاثت في الأرض فسادا وأهلكت الأرض والنسل. والمصيبة الأكبر أن الثورة حبلى وستلد عجولا كثيرة أخرى ستحول تونس إلى حلبة مصارعة للثيران، أين يحكم قانون الغاب، الهمجية والفوضى.
الجميع في تونس ينتظرون سائسا يدخل الحلبة ويكبح الثيران الهائجة والجائعة، أو فإنهم سيطردونها قريبا من أين جاءت فلم يعد في تونس تبنا وبرسيما يكفي نهم العجول.