"ثمار المحبة" مسرحية تونسية للأطفال تخضع الخيال لقوانين الزمان والمكان

سوسة (تونس) – ينظم مركز الفنون الدرامية والركحية بمحافظة سوسة السبت السادس عشر من أكتوبر 2021 العروض الأولى لباكورة إنتاجاته المسرحية، عملين مسرحيين الأول موجه للكهول وهو عمل ذاتي ينتجه المركز تحت عنوان “الزنقة” للمخرج حافظ الجديدي ويعرض صباحا في فضاء دار الثقافة حمام سوسة، أما العمل الثاني الموجه للأطفال وهو إنتاج ذاتي أيضا ويحمل عنوان “ثمار المحبة” للمخرج محمد دغمان فسيقع عرضه في المسرح البلدي بسوسة.
وتعالج مسرحية “ثمار المحبة” لمحمد دغمان قضية الصراع بين قيمة الخير المتمثلة في ثمار المحبة والشر العابث بالطبيعة.
وتظل المحبة ثمرة عذبة المذاق من شأنها أن تعدّل سلوك الإنسان نحو الإيجابية وتعيد الألفة والمحبة بين الناس فيسود بفضلها التسامح والحب أرجاء المدينة، ويبقى “صانع المحبة” صاحب تلك الثمار الحلوة.
المسرحية تجمع العديد من فنون الفرجة والأداء الركحي تجميعا مدروسا حسب الحاجة ونوعية التوظيف التربوي والجمالي
من خلال الصراع بين الشخوص بحثا عن شجرة “ثمرة المحبة”، تدور أحداث المسرحية في إطار رمزي “داخل غابة” بحثا عن هذه الثمرة العجيبة التي ستكون منتصرة للخير على الشر.
أحداث يجسمها ركحيا فريق متكامل من الممثلين المحترفين على غرار محمد الجلاصي، مليكة الحبلاني، منير المخينيني، سنية غزال، آية الهرمي، نضال فرج، سالم بتبوت، رجاء عطية، وكذلك مجموعة هامة من التقنيين المتمرسين.
واقتبس دغمان عمله المسرحي الجديد عن نص لإسكندر اللجمي باللغة العربية الفصحى، فيما ألف مقطوعاته الموسيقية الفنان عبدالستار عبيد بتوزيع من الفنان خالد الكلبوسي، وهي من أولى إنتاجات مركز الفنون الدرامية والركحية بسوسة لسنة 2021 بإدارة ابن الثقافة وأحد إطاراتها بجهة سوسة السيد سامي عبداللطيف.
وبالعودة إلى أصل النص لمسرحية “ثمار المحبة” نجد أنفسنا مجددا أمام العالم الرحب وهو الحكايات الشعبية والقصص العالمية. وكأن في العرض إجابة عن أسئلة محورية في الانتقال من النص الخيالي إلى العمل البصري المتكامل، منها كيف لنا أن نجسد مثل هكذا نصوص على الركح في حين أنّ أصولها خيالية لا تخضع لقوانين الزمان والمكان؟ وإلى أي مدى يمكننا النجاح في ذلك وإدراك غاية النص ذاته خاصة وأنّ المتقبل لدينا هو الطفل الذي لا يعرف المجاملة؟

من هذا المنطلق انتهج المخرج مسارا متحررا من كل قيود سابقة، كما يقول، مضيفا “جمعنا في العرض العديد من فنون الفرجة والأداء الركحي تجميعا مدروسا حسب الحاجة ونوعية التوظيف، فاللجوء إلى خيال الظل مثلا كان ضروريا لتشخيص مشاهد يصعب إنجازها، مثل مشاهد تجسيد الفيلة والأرانب والجراد وكذلك تجسيم بعض الديكورات حتى لا تكون عبئا ثقيلا على المشاهد”.
وبالتالي كانت السينوغرافيا في مرجعيتها المرئية كتابا مفتوحا أساسها تربوي لما للكتاب من رمزية ولما له من أثر في تنمية الزاد المعرفي للطفل، وبالتالي كل المشاهد هي عبارة عن صفحات بها مشاهد تقرأ قراءة مرئية وحركية بجمالية جذّابة تحترم الطفل في ذاته ومخيلته الخصبة وتحقق التواصل بينه وبينها بصفة مباشرة.
ويتفاعل الطفل مع فنون الفرجة المتاحة في العمل انطلاقا من أداء تمثيلي لشخصيات واقعية مألوفة ومميزة بملابسها المميزة لكل شخصية ليتطور إلى تقنيات خيال الظل ومسرح العرائس. دون أن نسيان العنصر الموسيقي الغنائي الملحن خصيصا للمسرحية، فهو عنصر أساسي في العمل حرص المخرج على أن يمس وجدان الطفل ويجعل هذا الأخير يتغنى بقيمته ويرافقه من البداية إلى النهاية مع وظيفية اللحن في الأحداث وحركة الشخوص من خلال التوزيع المحكم لهذه الموسيقى. وبهذا التنوع التقني والفنّي تكتمل عناصر الفرجة ويحصل الإبهار تلقائيا.
ومما يلاحظ هو استعادة مسرح الطفل في تونس لمكانته كمجال للبحث والإبداع، وخاصة من خلال الأعمال التي باتت تنتجها مراكز الفنون الدرامية والركحية، التي كرس بعضها الطفل رهانا له، كمتلقّ وكفاعل في الفعل المسرحي.
وتحاول الإنتاجات المسرحية التونسية الجديدة الموجهة إلى الطفل تجاوز النمطية السابقة التي شابت مسرحيات الطفل وحولتها إلى مجرد دروس أو وسائل ترفيهية، إلى تقديم مادة فنية يتكامل فيها جمال المتعة وتنشر من خلالها القيم الأخلاقية والتربوية علاوة على الوظيفة التعليمية، كل ذلك في بيئة من التساؤل تخرج بالطفل من التلقي السلبي إلى الفاعل، الذي يقوم على الفهم والإدراك من خلال السؤال والمشاركة.
ويبقى الطفل رهانا مسرحيا محوريا في تونس يحاول المسرحيون الوصول إليه عبر نصوص متنوعة، حيث ما عادوا يكتفون بأعمال عالمية قديمة وسابقة، بل هناك اتجاه إلى النصوص المحلية أكثر.
