ثلاث شخصيات في أرذل العمر: جنرال وصحافية ورئيس مريض

مسرحية "خاطيني" كوميديا ساخرة تنقل حراك الشارع الجزائري إلى الخشبة، أبطالها رجال طاعنون في السن وشاب ضائع بين الهجرة والبقاء.
الاثنين 2020/02/24
تجسيد للحراك على الخشبة بلغة مسرحية مباشرة

في تسع لوحات متصلة ينقل المخرج المسرحي الجزائري أحمد رزاق عبر مسرحيته الجديدة “خاطيني” محبي الفن الرابع من معايشة الحراك الشعبي الذي تدور أحداثه منذ عام في الشارع الجزائري، إلى مشاهدة حراك ثان على خشبة المسرح عبر محاكاة متكاملة الأركان للواقع الاجتماعي والسياسي في قالب ساخر.

الجزائر - يواصل المخرج الجزائري أحمد رزاق عرض مسرحيته الجديدة “خاطيني” بمسارح البلاد وسط تفاعل الجمهور مع عمله الذي يجسد عبر الكوميديا الساخرة، الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة قبل أشهر.

وتدور أحداث المسرحية الكوميدية “خاطيني” حول شاب يدعى “خاطيني” (وهي كلمة باللهجة المحلية تعني لست أنا)، يعيش في بلد ما يحكمه شيوخ وكل شبابه هاجروا، ليجد نفسه وحيدا بها.

يقرّر خاطيني الهجرة، لكن يعارضه بشدة مسؤولون كبار في السن بحجة أنّ شرف الوطن مرهون ببقائه. فيقرّر ثانية الهجرة بأي طريقة، لكنه يصطدم أيضا برأي صديقته إيمان التي أقنعته بالبقاء والنضال ضد مسؤولين طاعنين في السن بالخروج في مسيرة شعارها “انتهى زمن الهجرة”.

وتقدّم المسرحية في 80 دقيقة إسقاطا للوضع الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فبراير 2019، حيث تستعيد صور المظاهرات والحراك الشعبي على خشبة المسرح. ومنذ الثاني والعشرين من فبراير 2019، تشهد الجزائر حراكا شعبيا أجبر الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة (1999 – 2019) على تقديم استقالته في الثاني من أبريل الماضي.

صراع نفسي بين الهجرة وحب الوطن
صراع نفسي بين الهجرة وحب الوطن

العمل الذي تفاعل معه الجمهور في مختلف عروضه رسم في قالب كوميدي ساخر أحداثا أبطالها رئيس مسن وجنرال نافذ، وصحافية موالية للنظام وشيوخ طاعنون في السن وشاب ضائع بين الهجرة أو البقاء.

وشارك في أداء المسرحية الممثلون: بوحجر بوتشيش، سميرة صحراوي، بن دبّابة فؤاد، حورية بهلول، ربيع وجاوت، عيسى شوّاط، قريشي
صبرينة، بشير بوجمعة، شهرزاد خليفة، نسرين بلحاج، دراوي فتحي، بصغير عبدالله، قطّاري محمّد وبن أحمد حمزة. وتبدأ أحداث مسرحية “خاطيني” بلوحة لشيخ وعجوز هرمين، يرغب ابنهما في الهجرة وهو آخر الشباب في ذاك البلد الذي لم يبق فيه سوى الشيوخ، وغادره كل الشبان. إلّا أن أبويه يرفضان فكرة هجرته خوفا من المصير المجهول، تلاحقه سلطات بلده لتمنعه من السفر رغم حصوله على “التأشيرة” تفاديا للإحراج الذي سيسبّبه رحيله مع الدول الأخرى.

وتركّز المسرحية على دور المرأة في البيت كأم، وفي السلطة كزوجة رئيس، وفي الحمام كعامة الناس. مع إبراز الفوارق الاجتماعية والمعرفية وتقاسم التراكمات المزرية للمجتمع، وهو الأمر ذاته بالنسبة للرجال سواء في المقهى والشارع أو كموظفين لدى الدولة.

يجد الشاب خاطيني، نفسه بين سندان الواقع المرير، ومطرقة الرّفض لفكرة هجرته، وبعد أن انجرف لعاطفته المتمثلة في حبّه لصديقته إيمان، فاختار التظاهر في وجه النظام السياسي القائم في بلده، بهدف تغيير الأوضاع نحو مستقبل أفضل. تتمكن السلطات من إلقاء القبض عليه ما يولّد حالة من الحسرة والأسى لدى أمه وأبيه وصديقته.

تقرّر الأم الخروج إلى الشارع من أجل ابنها، لتنتهي المسرحية بصرخة إيمان، قائلة “خلاص”، فيسقط أفراد النظام في صورة الممثلين بعد أن انقلبوا على بعضهم.

المسرحية عالجت واقعا في قالب هزلي ساخر
المسرحية عالجت واقعا في قالب هزلي ساخر 

وحول “خاطيني” قال مخرج المسرحية أحمد رزاق إن “قصة المسرحية تجسد الحراك في العالم وليس الحراك الجزائري فقط، حيث يطالب متظاهرون في فرنسا، ولبنان، ومصر، وسوريا والعراق، بحرية التعبير وتحسين نوعية المعيشة والمساواة الثقافية”.

وأشار إلى أن “الحراك في الجزائر من بدايته كان ثقافيا، لم يطالب بحقوق اجتماعية أبدا، بل طالب بتغيير سياسي جذري في مناهج الحكم وبحرية التعبير والرأي”.

كما أكّد أن “خاطيني” هي قصة آخر شاب في مجتمع كله شيوخ يصارعون الموت، بينما هو يصارع الحياة. وكشف أنه حوّل القصة التي كتبها كسيناريو لفيلم سينمائي بعنوان “مدينة الشيوخ” إلى سينوغرافيا مسرحية تحاكي ما تشهده الجزائر ودول أخرى من حراك شعبي يطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية.

وتأتي مسرحية “خاطيني” بعد نجاح المخرج أحمد رزاق في تقديم “طرشاقة” سنة 2017، و”دكتاتور” سنة 2018، وهي من فئة مسرح الممثل الواحد (وان مان شو).

ومن جهته قال الممثل عيسى شوّاط إنه جسّد دور رئيس طاعن في السن يحكم بلدا ما، حيث هجر الشباب البلاد، إلاّ واحد، منحت له التأشيرة، ثم تحركت السلطات لمنعه بهدف الحفاظ على الأجيال.

وأضاف شوّاط أن “العمل يصوّر الواقع على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية… والجمهور أحس بذلك وتفاعل معه إيجابيا”. وتابع “عملنا على تبسيط العمل وقدمناه بطريقة مباشرة دون رمزية حتى يفهمه الناس، فبعد الحراك أصبح كل شيء مكشوفا”.

وحول تجسيد الحراك في المسرحية أشار إلى أنّه “بفضله تحرّرت العقليات وأصبح كل شيء على المكشوف والحراك ساعد الفن والإعلام، وجعل الشعب يهتم بالسياسة التي قاطعها في الماضي”.

تتخطى الرمزية وتمتع الجمهور
تتخطى الرمزية وتمتع الجمهور

وأكدّ الممثل الجزائري أن “المسرحية عالجت واقعا في قالب هزلي ساخر في ضوء الحراك، بلغة جديدة ومباشرة بعيدا عن الرمزية”.

رأى المخرج المسرحي الجزائري عبدالرؤوف دادي أن “خاطيني جسدت رؤوس السلطة في العالم الثالث: الرئيس، قائد أركان الجيش، وزراء، وصحافية، كلهم جاوزوا أرذل العمر بعد أن هجر الجميع البلاد وبقي شاب واحد”.

وقال دادي “السلطة عبر أحداث العمل تحاول حفظ ماء الوجه أمام الرأي الدولي بالإبقاء على الشاب بعد هجرة أقرانه، فقرّرت استعمال أساليب أخرى لم تظهر على خشبة العرض، ولم تأخذ قسطها من الأحداث”.

ويرى عبدالرؤوف أن النص افتقد إلى بعض المعالجة الدرامية وسيطر عليه الخطاب الشعبوي المباشر، رغم التفاعل الجماهيري الجيد معه، وعلّق قائلا “العرض يقول ما يعرفه الجمهور، وكأننا نعيد مشهدا رأيناه وننتجه لنعجب الجمهور فقط”.

وهو يعتبر أن ما حدث في المسرحية شاهده الجزائريون في الواقع، “فلا بأس أن نضحك على مآسينا، فالمسرح يحرضنا على الوعي بما هو قادم، حتى لا نعيد نحن خطأ الخطاب الشعبوي الذي وقع فيه أسلافنا في المسرح، وأدّى بنا إلى متلق ينفر من المسرحيات الراقية”.

15