تونس توقظ قطاع الصناعة بجرعة من الحوافز الاستثنائية

وجهت الحكومة التونسية بوصلتها إلى قطاع الصناعة المنكمش بعد سنوات من التهميش واللامبالاة، في محاولة لبناء قواعده على أسس مستدامة وفي إطار محاولات شاقة لتخفيف الأزمات المتراكمة التي يعاني منها الاقتصاد الهش، عبر بوابة تعزيز الصادرات للسيطرة على العجز التجاري المتزايد.
تونس - تحاول تونس معالجة التصدعات في اقتصادها المتعثر جراء العجز التجاري المتفاقم وارتفاع النفقات الحكومية وتراجع قيمة العملة، بالتعويل على ترويج منتجاتها محليا وكذلك زيادة الصادرات.
ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت الحكومة مبادرة جديدة لإيقاظ الصناعات من سباتها بعد أن شهدت تراجعا قلّل من تنافسيّتها خصوصا في ظل اكتساح السلع الأجنبية للأسواق وخاصة تلك القادمة من الصين وتركيا.
وتنفذ الحكومة سلسلة من الإصلاحات مستغلة ظهور بعض المؤشرات الإيجابية لتشجيع الصناعات المحلية وطرد شبح اندثار أحد أهم مكونات القطاع وهو النسيج والجلود والأحذية المتراجع نتيجة إغلاق العديد من الشركات أبوابها.
ونظمت وكالة النهوض بالصناعة والتجديد الأربعاء الماضي ندوة في إطار صالون ”صنع في تونس، صنع للموضة” الذي يندرج ضمن خطط الحكومة لإنعاش قطاع النسيج والملابس والجلود والأحذية، الذي يمثل 90 بالمئة من صادرات البلاد.
وأكد وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة سليم الفرياني خلال افتتاح الندوة، أن صناعة النسيج والملابس تعد قطاعا استراتيجيا في الصناعات المعملية من حيث حجم الصادرات وفرص العمل والقيمة المضافة.
ووفق البيانات الرسمية، يضم القطاع نحو 1604 وحدات إنتاج من بينها 1320 مؤسسة مصدرة كليا، إذ يرتكز اقتصاد البلاد المفتوح على تصدير هذه الصناعات التي أخل تراجعها في السنوات الأخيرة بالميزان التجاري.
ويؤكد الفرياني أن هذا قطاع شهد انتعاشا مكّنه من تحقيق قيمة مضافة كبيرة في السوق المحلية والأجنبية حيث يشمل نحو 241 مؤسسة وتشغل كل وحدة فيه أكثر من عشرة أشخاص، أي ما يعادل نحو 73 بالمئة من هذه الشركات هي مصدرة كليا لإنتاجها.
ومن المنتظر تنظيم مجموعة من عروض الأزياء محلية الصنع تحت عنوان ”لبسني تونسي” خلال معرض بداية من 4 ديسمبر المقبل وعلى امتداد ثلاثة أيام بحضور مختلف ممثلي القطاع ووفود أجنبية.
ومن المتوقع أن تشهد هذه التظاهرة مشاركة أكثر من 150 عارضا وسيتم تنظيم ندوات وورشات ولقاءات شراكة بين المهنيين في هذه القطاعات مع تخصيص فضاءات للعرض ستكون قبلة للزائرين من تونس ومن الخارج.
ويعتمد اقتصاد البلاد على الصناعة كأحد القطاعات الاستراتيجية، التي توفر العملة الصعبة، كما أنها تساعد على امتصاص جزء من البطالة.
وتعتبر السوق الأوروبية أحد أهم الشركاء التقليديين لتونس علاوة على أن قطاع النسيج والملابس والجلود والأحذية يشغل حوالي 26 ألف شخص.
وقال مدير وكالة النهوض بالصناعة والتجديد عمر بوزوادة إن ”السلطات تسعى لتوفير كل الظروف المواتية لدعم قطاع النسيج والجلود ومعالجة الإشكاليات العالقة على غرار الديون المتراكمة”.
ويواجه القطاع مشكلات تتعلق بالديون الجبائية وتراكم الخسائر نظرا لتراجع تسويق المنتجات المحلية في الخارج خلال السنوات التسع الأخيرة وإغراق الأسواق بالسلع الأجنبية.
وتسجل تونس عجزا تجاريا قياسيا مع الصين وتركيا، إذ تفيد البيانات أن السلع التونسية بالأسواق لا تتجاوز نحو 20 بالمئة من إجمالي المنتجات، وهو ما يستدعي الإسراع في ردم هذه الفجوة.
ويعتقد الفرياني أن تونس لا يمكنها أن تلغي التوريد ولكن سياسة الحكومة ستتجه لدعم البضاعة المحلية من خلال الحملات التحسيسية “حيث سيكون عام 2020 عام الاستهلاك التونسي بامتياز”.
ولتجسيد هذه الرؤية واقعيا، أطلقت وكالة النهوض بالصناعة والتجديد قافلة ستجوب عددا من محافظات البلاد وتحمل رمز الصناعة التونسية لتحسيس المواطنين بضرورة المساهمة في إنقاذ الاقتصاد المحلي.
ويشكك خبراء في مدى قدرة السلطات على تجاوز عثراتها والتغلب على العجز التجاري دون محاربة التهريب والتوريد العشوائي الذي استفحل خلال السنوات الأخيرة مما جعل السوق الموازية تنتعش مقابل تراجع الاقتصاد المنظم.
وتقول السلطات إنها ستكثف من عمليات المراقبة وفرض الرسوم الجمركية والضريبية عبر الاقتداء بتجارب بلدان ناجحة لمواجهة نزيف التهرب الذي أضحى شبحا يغذي التحديات والتركة الاقتصادية الثقيلة التي تواجه البلاد.
وتعاني الأسواق التونسية من ظاهرة استفحال السلع المهربة التي تغيب فيها كل شروط السلامة ومعايير الجودة لكنها تجد إقبالا لافتا من المواطنين نظرا لأسعارها المنخفضة، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية وارتفاع في الأسعار ضرب القدرة الشرائيةّ.
وسبق ومنحت للبلاد علامة كبرى ”للصنع في تونس” على أساس الجودة والكفاءة في منتجاتها رغم عدم وصولها بعد إلى مرتبة تخوّل لها الأسبقية المريحة في المجال مقارنة بعمالقة الصناعة في العالم.
ودفعت الأوضاع الراهنة السلطات إلى توجيه جهودها نحو تحقيق التنمية على قاعدة دعم المنتجات المحلية للمساهمة في تعافي العملة المحلية والحد من العجز التجاري.
وتهدف تونس مضاعفة صادراتها خلال هطا العام لتصل إلى 4.84 مليار دولار وتوفير 10 آلاف وظيفة بالقطاع وترسيخ عقلية استهلاك المنتجات المحلية في ظل تعطل محركات النمو التقليدية.
وتأثرت تونس بتباطؤ الاقتصاد العالمي بنحو 2.9 بالمئة وبشكل خاص مع الاتحاد الأوروبي إضافة إلى تعثر مساعي الحكومات المتعاقبة في معالجة الاختلال بفرض إصلاحات ناجعة.
وتسعى الحكومة إلى جلب وتطوير التكنولوجيا لتكييف صناعات الجلود والأحذية ودمجها في الذكاء الاصطناعي.
وكانت تونس قد دشنت العام الماضي مشروعين لمكونات السيارات بولايتي صفاقس وسوسة لدعم الاستثمارات في المجال وخاصة من الصين، مستغلة بداية تعافي مناخ الأعمال بعد إبرام اتفاقية طريق الحرير الجديد مع بكين.