تونس تفكك التأثير الناعم لحركة النهضة في المجال الديني

تونس – حمل إلغاء وزارة الشؤون الدينية لاتفاقيتين تم توقيعهما خلال فترة حكم الترويكا مع مركز الإسلام والديمقراطية واتحاد علماء المسلمين إشارة قوية على أن تونس شرعت في تفكيك التأثير الناعم لحركة النهضة الإسلامية التي وضعت يدها على القطاع الديني بشكل شبه كامل.
وتتيح الاتفاقيتان لمركز الإسلام والديمقراطية، الذي ترأسه لفترة طويلة القيادي في حركة النهضة رياض المصمودي، وكذلك لاتحاد علماء المسلمين الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إقامة دورات تدريبية للأئمة وإقامة محاضرات مختلفة بحرية تامة تحت مظلة الوزارة.

ناجي جلول: مركز الإسلام والديمقراطية يهدف إلى نشر إسلام وافد
وقال محللون محليون إن الإلغاء جاء متأخرا وقد سمح لهاتين المنظمتين بترويج أفكار الإسلام السياسي على المنابر التونسية من خلال شحن الأئمة والمهتمين بالشأن الديني عموما بأحكام وفتاوى بعيدة عن الإسلام التونسي التقليدي الذي يستمد أفكاره وفتاواه من مشايخ جامع الزيتونة وعلى رأسهم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور صاحب “تفسير التحرير والتنوير”.
ولاحظ المحللون أن حركة النهضة نجحت في اختراق المجال الديني بحرية تامة مستفيدة من سياسة التوافق التي اعتمدتها مع الحكومات السابقة، فضلا عن نفوذها القديم في وزارة الشؤون الدينية ومعاهد الجامعة الزيتونية، مشيرين إلى أن اتحاد علماء المسلمين نجح في فرض تعليم مواز في البلاد دون أن تقدر أي حكومة على منعه من ذلك بالرغم من الاحتجاجات والاعتصامات التي قام بها أنصار الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي.
وتقول أوساط من وزارة الشؤون الدينية إن أغلب أئمة الجمعة محسوبون على النهضة، وأنه تم انتدابهم وتكليفهم بالخطابة منذ فترة الوزير الأسبق المثير للجدل نورالدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية الذي فتحت سياسته الباب واسعا أمام خطاب ديني متشدد تَركّز على دعوات الجهاد في سوريا.
وقدم الدستوري الحر شكوى إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع تونس.
وقال إن “الاتحاد ساهم في ضرب أسس النموذج المجتمعي التونسي ونشر الفكر الظلامي وتغلغل الإرهاب وتأليب المرأة التونسية ضد أحكام مجلة الأحوال الشخصية والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوقها”.

نبيل الرابحي: عدة جمعيات عملت على ترويج الفكر المتطرف
واعتبر ناجي جلول، وزير التربية الأسبق، أن “مركز الإسلام والديمقراطية هو إحدى أذرع حركة النهضة والإسلام السياسي”، مضيفا أن “دور هذه الجمعية هو نشر إسلام وافد وتوظيف الدولة للأخونة واختراقها”.
وذكر جلول في تصريح لـ”العرب” أن “الأئمة في تونس لهم مؤسسة عريقة جدا وهي جامع الزيتونة”، محذرا من خطر حركة النهضة التي تسعى “للتمكن من الدولة وتفكيكها عبر نشر أجنداتها وأفكارها”.
وفي تعليق على إلغاء الاتفاقية اعتبر القيادي المستقيل من حركة النهضة عبداللطيف المكّي، في تدوينة له على فيسبوك، أن ذلك “يدخل في خانة تصفية الحسابات بالقانون”.
ونجحت جماعات إسلامية مختلفة في اختراق المساجد والسيطرة عليها وفرض أئمة على مقاسها، وهو ما ساعد على تغذية الفكر المتشدد في البلاد، ومهد لاستقطاب المئات من الشباب ودفعهم إلى اللحاق بجماعات إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة سواء في ليبيا أو في سوريا والعراق.
ويعتقد المحللون أن البلاد، التي تحررت الآن من ضغوط حركة النهضة، ستجد الفرصة مواتية لمراجعة التعيينات في المجال الديني ووضع مقاييس واضحة للتكليف ومتابعة المحتوى الذي يقدم للناس بعد أن تحولت المساجد إلى منابر سياسية عوض أن تكون دينية وتربوية، فضلا عن وجود جمعيات خيرية ترفع لواء تقديم المساعدات وهي تنفذ أجندة سياسية وحزبية.

عبداللطيف المكي: إلغاء الاتفاقية يدخل في خانة تصفية الحسابات بالقانون
ويراهن هؤلاء على أن الرئيس قيس سعيد، الذي خلق مناخا إيجابيا لمحاسبة من تورطوا في قضايا الفساد، لا شك أنه سيدعم فتح ملفات الشأن الديني والجمعيات الخيرية والمال السياسي القادم من الخارج، الذي شوه المشهد السياسي من جهة وأثر سلبا على صورة تونس كدولة تعتمد رؤية إسلامية وسطية معتدلة من جهة ثانية.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “عمل الجمعيات تحول إلى خزان انتخابي لتمويل الأحزاب، وبؤر لتفريخ الفكر المتطرف بالرغم من وجود مجتمع مدني يعارض هذا النشاط وهذه الجمعيات”.
وحث الرابحي في تصريح لـ”العرب” على “إعادة النظر في المنظومة الانتخابية من قانون الأحزاب وقانون الجمعيات والقانون الانتخابي، ومراجعة نشاط الجمعيات، وأن يتم الغلق أو التنبيه بطرق قانونية”. وشدد الرابحي على أن “الإشارات اليوم واضحة وإيجابية، وأن كل جمعية لا تلتزم بالقانون سيتم حلها”.
وتنشط هذه الجمعيات تحت مظلة العمل الخيري، وهو مفهوم واسع وفضفاض في غياب الرقابة، وهي تعمل على اختراق النسيج الاجتماعي وتقديم نفسها سندا للمواطنين، وتعتبر غطاء لكل التحويلات المالية المشبوهة.
ويبلغ عدد الجمعيات الناشطة في تونس 23676 جمعية، حسب إحصائيات نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات التابع لرئاسة الحكومة على موقعه الإلكتروني، فيما بلغ عدد الجمعيات الأجنبية الناشطة في تونس 200 جمعية.