تونس بلد عبور للتونسيين

يولد التونسيون في بلادهم ويولد معهم حلم الهجرة ويكبر، يدرسون أو يتعلمون حرفة ليسافروا، فهم يترصدون الفرصة حتى لو كانت في مركب خشبي متهالك.
يهاجر التونسيون غربا وشرقا منذ القديم حتى صارت لهم مدينة تونس في البرتغال، ومدينة قرطاج في إلينوي بالولايات المتحدة.
وهذا لا يعني أنهم لا يحبون بلادهم، فحتى الذين نجحوا في الهجرة يعودون في غسق العمر إلى تلك الرقعة المتجهة بعنقها إلى القارة الأوروبية.. التونسيون يحبّون الموت في تونس.
لا تعنيهم أيّ طريقة يهاجرون بها، فكلها مغامرة قد تنتهي بالنجاح أو الفشل وقد تنتهي بالموت، وفي ذلك قصص كثيرة بتفاصيل طويلة.
التوأم الفاهم وفهمي عاشا من أجل حلم المغادرة، لكن وحده الفاهم من نجح في الهجرة والإقامة في بلد أوروبي، وظل يعود كل صيف ليقضي عطلته كالسائح بين العائلة والأصدقاء.
في أحد العطلات الصيفية مات الفاهم فجأة بين أهله ليترك حسرة في قلوبهم وهو مورد رزقهم وسندهم.
دُفن الفاهم وكُتب على شاهد القبر اسم فهمي، وبعد مدة الحزن سافر فهمي بجواز سفر الفاهم وبطاقة إقامته، وظل فهمي ميّتا على الوثائق ملتحفا بالغربة يعود كل سنة إلى العائلة ويستمتع مع ناسه الذين ينادونه باسمه الحقيقي فهم يعرفون الحكاية.
يذهب إلى المقبرة يقف أمام قبره ليقرأ الفاتحة على روح أخيه، المدفون تحت اللحد والحي على الأوراق المدنية.
يجلس إليه يحدثه كيف تزوّج من شقراء فارعة على هويته، لكنها لا تنطق اسميهما بشكل جيد، وكيف نجح في استرداد ما له من رصيد في البنك، “ذلك ليس صعبا يا الفاهم فنحن نشترك في الإمضاء أيضا، لكنني غيّرت المدينة وهجرت أصدقاءك لأنني لم أحب أيّ أحدا منهم، كما أنني لا أعرف أسرارك معهم”.
يحكي له كيف أصبح طعم الغربة، ليس كما حلما به معا، كل شيء برائحة الرطوبة، يحس كمن يسكن عند عمته، مرتاح وشبعان، لكن ليس في بيته، “الغربة حضن ليس حضننا يا الفاهم، بارد لا تحس فيه بالدفء مهما تدثرت بالأصدقاء وأولاد البلد ومن يتحدث لغتك ومهما طبخت من الطعام الذي يفوح في بيت الأهل..”.
” أنا يا فاهم لا أعرف من أنا.. تونسي لا يعيش باسمه، يأتي زائرا إلى بلده.. غريب في بلد الناس”.
لا يلوم فهمي أخاه الذي لم يحك له عن مرارة الغربة وعذاباتها، صار يعرف أنه كان يؤلف حكايات من الجنة لا تتحقق في الواقع، ويمثل دور المرتاح حين يعود. فهمي الخاص يا الفاهم، أن يصلح الساسة والناس من أنفسهم حتى نُحوّل الأزمات إلى فرص ونصلح حال البلاد فيستطاب فيها العيش.