توسيع المشاركة "الشعبية" بالإمارات: ترشيح الوزراء واختيارهم

لا يمكننا النظر إلى مبادرة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “دعوة شباب الإمارات إلى الترشح أو ترشيح شاب أو شابة وزيرا للشباب” من جانب واحد؛ فالمبادرة تحمل الكثير من المضامين المهمة، والدلالات الرشيدة، والعوامل المؤثرة في دفع مجالات العمل السياسي والاجتماعي والتنموي والتربوي في الحاضر والمستقبل. وهي سابقة قد تتبعها مبادرات جديدة تشمل وزارات أخرى.
وترجع أهمية وزارة الشباب إلى الجهود المبذولة لتشجيع الشباب على المشاركة الفاعلة، والتعبير عن آرائهم، وتعزيز الهوية الوطنية والانتماء وروح القيادة لديهم؛ باعتبارهم أغلى ما تملك الدولة لبناء حاضر الوطن ومستقبله وتعزيز ريادته، ومن ثم تحرص على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، ويأتي منصب وزير الدولة للشباب دليلا حيًّا على الرعاية الكبرى التي توليها الحكومة للشباب.
ولا شك في أنّ التاريخ سَيُسجل هذه المبادرة “الفريدة” بأحرف من نور باعتبارها الأولى من نوعها التي تفتح باب المشاركة واسعًا أمام شعب الإمارات عامة، وشبابها خاصة؛ لترشيح أعضاء مجلس الوزراء المؤتمن على المصالح العليا للوطن، الحارس لمكاسبه، القائم على رعاية شؤونه، بعد أن ظلّ ذلك الاختيار مقصورا على الجهات العليا وحدها عقودا طويلة في العالم كله.
◙ مصدر الخوف عند البعض، ومن ثمّ عدم عرض أي مقترح على المسؤول، يرجع إلى "توقع" ألا يتوافق المقترح مع رؤية منْ يُعرض عليه الأمر، ولذلك يُحجب خوفا من غضبه. ولا يمنع هذا وجود الشخص ليس الخائف فقط وإنما "المرتعش" أيضا
إنّ هذه المبادرة تنطلق من تأكيد الشيخ محمد بن راشد أنّ “إشاعة الروح الإيجابية في الناس، وتعزيزها يحتاج إلى عمل وتجارب النجاح” وأنّ “التحفيز وقود تميز البشر”.
وتعكس هذه المبادرة ثقة كبيرة من القيادة الرشيدة للدولة في استجابة شباب الإمارات لدعوات البناء الوطني، وقدرتهم على الاختيار الصحيح، والحرص على تشجيعهم على المشاركة الفاعلة في صناعة المستقبل الأفضل لهم وللأجيال القادمة. ومبعث هذه الثقة إيمان الشيخ محمد بن راشد بأنّ “ثقة المرؤوسين بالقائد مهمة، لكن الأهم ثقة القائد بالمرؤوسين، ومثلها الاحترام والتقدير والولاء”.
لقد آتت المبادرة أولى ثمارها العاجلة، من خلال الاستجابة الفورية لآلاف الشباب والشابات الذين تواصلوا مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء بطلبات ترشح وترشيح لمنصب وزير الشباب في حكومة الإمارات. وتؤكد هذه الاستجابة وعي الشباب بالواقع، وقدرتهم على المشاركة في تحمل أعباء الحاضر، والعمل على النهوض به، والحرص على ممارسة دورهم في البناء والتطوير، سعيا إلى المستقبل الأفضل.
جاءت المبادرة في رسالة موجزة إلى “أبناء الإمارات” اختيرت كلماتها بعناية شديدة، وتضمنت من الصفات والشروط ما نحسب أنه سيصبح أساسا قويا لاختيار قيادات العمل الوطني في المستقبل بمختلف المجالات، فالمشاركة الشعبية، في إطار متطلبات الرسالة، لا تعرف العشوائية، ولا ترتكن إلى العاطفة دون العقل، ولا ينبغي أن تعرف المحاباة؛ ذلك أن مثل هذه القرارات المهمة تتعلق بمصائر الأجيال الحاضرة والمستقبلية، ومن هنا أحاطت الرسالة المشاركة الشعبية بما يضمن حماية المصالح العليا للوطن، وتغليبها على المصالح الضيقة والشخصية؛ فاشترطت الرسالة في المترشح لمنصب وزير الشباب:
- أن يكون شابا أو شابة.
- أن يكون من المتميزين.
- أن يمثل قضايا الشباب وينقل آراءهم.
- أن يتابع الملفات الحكومية التي تهم الشباب.
وتبدو هذه الشروط الأربعة خاصة بمن يرشح وزيرا للشباب، غير أن الرسالة نفسها أضافت شروطا ومعايير عامة ينبغي توافرها في كل من يشغل منصبا قياديا، وهي:
- أن يكون مُلما بقضايا وطنه.
- يتمتع بالوعي بواقع مجتمعه.
- أن يكون ميدانيا في عمله.
- أن يكون عقلانيا في طرحه.
- أن يتمتع بالشجاعة والقوة في تمثيل بلده.
◙ لا شك في أنّ التاريخ سَيُسجل هذه المبادرة "الفريدة" بأحرف من نور باعتبارها الأولى من نوعها التي تفتح باب المشاركة واسعًا أمام شعب الإمارات عامة، وشبابها خاصة
- أن يكون شغوفا بخدمة تراب وطنه.
تلك عشرة كاملة من السمات والضوابط الضامنة لنجاح أداء القيادات الشابة في مختلف المواقع، خاصة ضرورة “أن يكون ميدانيا في عمله” فالحقيقة التي لا خلاف عليها أن اختيار القيادات الميدانية الشابة نهج حضاري دائم للإمارات أرساه وأطلقه القائد المؤسّس الشّيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله.
ومن الحقائق التي لا تغيب أيضا أن مبادرات الشيخ محمد بن راشد في نشر الخير في ربوع دولة الإمارات بالتعاون مع أخيه الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، تتجلى في حب شعب الإمارات لهما، ولحكام الإمارات جميعا؛ إدراكا ووعيا وإجلالا للجهود الكبيرة المخلصة التي جعلت للإمارات مكانتها الكبرى ودورها المحوري إقليميا وعربيا وعالميا.
وأمام هذه الدعوة الكريمة لترشيح “وزير للشباب” أجد من الأهمية أن ألفت إلى بعض الملاحظات عسى أن تحظى بالاهتمام، حيث أنتمي إلى ذاك الجيل الذي يحنّ إلى اختيارات قادتنا المؤسسين زايد وراشد، ومعهما خليفة ومكتوم، عليهم من الله الرحمة ولهم المغفرة، في تشكيل الحكومات ومراعاتها للتمثيل المتنوع للإمارات.
وزارة تضم وجوها جديدة ولكنها تشبه وجوها كوجوه أحمد السويدي، ومانع العتيبة، وأحمد حميد الطاير، ومحمد حبروش، وعبدالله عمران تريم، وخلفان الرومي؛ بجانب عبدالرحمن العويس، وأنور قرقاش، ومحمد القرقاوي، ومدعومة بجيل الشباب ممن تتوفر فيهم القدرة والموهبة والكفاءة.
نؤمن بأنه، قبل أن يكون الوزير قياديا في إدارة وزارته أو فنيا، يجب أن يكون سياسيا تربّى على اكتساب الخبرات العملية، ومعايشة التجارب الديمقراطية الناجحة في بيت أهله قادة وساسة في جماعتهم ومحيطهم، وعرف أهمية وكيفية الجمع بين الأمور: التقنية والفنية والإدارية؛ بالإضافة إلى الجوانب السياسية والمجتمعية، وإن كانت السنوات الأخيرة قد شهدت التركيز على الشق الأول (التقني والفني والإداري) وغياب الشق الثاني (السياسي والمجتمعي) وهو الأهم.
إن منصب الوزير، ليس مرهونا بالشهادة والخبرة والكفاءة رغم أهميتها؛ وإنما ينبغي أن يتميز بالحس السياسي والقيادي، وهذا لا يُدرس في الجامعات والمعاهد، وإنما يتربى عليه الإنسان في بيته وأسرته ومحيطه، وهو ما يجب أن يوضع في الاعتبار عند اختيار الوزراء وكبار المسؤولين.
فالناس عندما يذهبون للقاء وزير لا يقصدون موظفا إداريّا أو تقنيّا، بل يشعرون بأنهم ذاهبون لمقابلة شخصية قيادية تتسم بالحنكة والدراية السياسية، والذي يذهب لمقابلة وزير بهذه الصفات لا يرجع خالي الوفاض. والمؤسف أنه غابت عن بعض وزرائنا الجوانب السياسية، وتركّز الحال على الأمور الإدارية التي بمقدور من هو أقل درجة القيام بها.
ومن أعظم ما جاد به فكر الشيخ محمد بن راشد وفاضت به تجربته الثرية في كتابه القيم “رؤيتي” قوله “القيادة خاصية يملكها البعض، ولا يملكها البعض الآخر. هناك ملكات وعواطف وطاقات في القائد لا يمكن قياسها أو تعريفها أو تحديدها بسهولة. يسميها البعض الروح القيادية؛ والروح شيء لا يُزرع ولا يُنزع؛ ففي الروح القيادية أصالة عميقة تصقلها مؤثرات عدة، مثل: الزمن والحكمة والعلم والخبرة والتجربة والمهارة والاحتكاك بالآخرين، والاطلاع على تجاربهم وحكمتهم ومهارتهم”.
◙ أهمية وزارة الشباب ترجع إلى الجهود المبذولة لتشجيع الشباب على المشاركة الفاعلة، والتعبير عن آرائهم، وتعزيز الهوية الوطنية والانتماء وروح القيادة لديهم؛ باعتبارهم أغلى ما تملك الدولة لبناء حاضر الوطن ومستقبله
وربما كان البعض يملك مبررا حين يتطلع إلى أن تصل رؤاه ورسائله وأفكاره إلى المسؤول ومتخذ القرار، ويتخوف من أن تُحجب بواسطة بعض مساعديه لأسباب لا تقوى على الصمود عند مناقشتها، فقد ابتلينا بآفة “الخوف” عند بعض المساعدين، ولو بحسن نية، والخائف ضرره أكبر على البلاد والعباد من نفعه.
ومصدر الخوف عند البعض، ومن ثمّ عدم عرض أي مقترح على المسؤول، يرجع إلى “توقع” ألا يتوافق المقترح مع رؤية منْ يُعرض عليه الأمر، ولذلك يُحجب خوفا من غضبه. ولا يمنع هذا وجود الشخص ليس الخائف فقط وإنما “المرتعش” أيضا الذي لا يريد أن يصل صوت الناس إلى صاحب القرار. ولا جدال في أن الخائف والمرتعش لا يصلحان لتحمل المسؤولية، أو لتحمل أعباء القيادة والريادة.
وقد أشار الشيخ محمد بن راشد إلى جانب من الأمراض التي تعوق أداء بعض الإداريين بقوله “بعض القياديين والمدراء لا يريد ولا يحبذ وجود شخص ثان كفء ومؤهل في دائرته، لأنه يخشى أن ينافسه ويأخذ مكانه! نحن نخالف ذلك تماما، عليه أن يفوض، وإلا سينهمك في الجزئيات، ولا يجد الوقت الكافي للقيام بالعمل الأساس، وهو تطوير العمل والعاملين وابتكار الحلول”.
وأداءً لواجبي الوطني، واستجابةً لهذه المبادرة الكريمة، حرصتُ على ترشيح اسمين كريمين (شاب وامرأة) من خيرة أبناء الإمارات، يصلحان لشغل منصب وزير الشباب في مجلس وزراء دولة الإمارات، توسمت فيهما الخير، وأثنيت على طموحهما لما يمتلكان من الخبرة السياسية والقدرة الإدارية والتقنية والفنية والشبابية والرياضية، واعتبرت ذلك تكليفًا واجب النفاذ، شاركت فيه برسالة أثق في أنها ستنال عناية صاحب المبادرة وفريق معاونيه، شأن كل أصحاب الرسائل الذين استشعروا المسؤولية الوطنية، وبادروا لدعم هذه المبادرة الرائدة التي يسجلها التاريخ بكل الفخر والإعزاز للشيخ محمد بن راشد، صاحب مبادرات الخير التي تستهدف تعميق المصالح العليا للوطن، ولا يشك أحد داخل الإمارات أو خارجها في صدقيتها ونبل مقاصدها، وسمو أهدافها، فما هذه المبادرات إلا قليل من كثير بذله قادة الإمارات على مدى تاريخها المشرق منذ عهد القادة المؤسسين، وصولا إلى حاضرها الحضاري الذي تتعاون في بنائه وتعظيمه قيادات رشيدة لا تتوانى عن الارتقاء بأحوال المواطن في شتى المجالات، برا وبحرا وفضاء؛ سعيا إلى بناء “المستقبل الأفضل” للأجيال الجديدة.