تودد حماس للحلف الإيراني السوري يباعد بينها وبين تركيا

كشفت الأحداث الأخيرة عن توجه حركة حماس لإعادة التموضع ضمن الحلف الإيراني السوري، بعد أن اقتربت على نحو كبير من المحور التركي، ويرى كثيرون أن هذا التغير ليس مفاجئا في ظل العقلية البراغماتية التي تتحلى بها قيادات الحركة والتي تذهب حد الانتهازية السياسية.
غزة – لا تخفي تركيا استياءها من حركة حماس التي لم تكتف فقط بجعل أنقرة على هامش الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، رغم مساعي الرئيس رجب طيب أردوغان ركوب موجتها
من خلال تصريحاته النارية ضد إسرائيل والإدارة الأميركية، بل إن الحركة الفلسطينية عمدت إلى التودد للحلف الإيراني -السوري خاصة إياه بالشكر والثناء للدعم الذي قدمه لها هذا الحلف.
ولطالما راهن المسؤولون في أنقرة على أن تكون الحركة الإسلامية حصان طروادة لدخول تركيا كلاعب أساسي في المسرح الفلسطيني، لكن حماس تعاطت خلال الجولة الأخيرة من التصعيد مع إسرائيل بنوع من التجاهل لأنقرة في ظل قناعتها بأن دوافع الأخيرة ليست سوى محاولة البروز والتسويق لتزعمها العالم الإسلامي من بوابة الدفاع عن القضية الأم.
وخصت قيادات من حماس طهران ودمشق بالثناء لدعمهما الحركة متجاهلين في ذلك تركيا، وقال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في خطاب ألقاه الجمعة الماضي “نتوجه بالشكر لإيران التي قدمت المال والسلاح والدعم الكبير للشعب الفلسطيني في مقاومته الباسلة ضد الكيان الصهيوني المحتل”.
وأشاد القيادي بحماس أسامة حمدان، بموقف الرئيس السوري بشار الأسد، وقال في مقابلة له على قناة “الميادين” اللبنانية، الخميس الماضي، إن “موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريبًا ولا مفاجئًا، ومن يحيّينا بتحية نرد بخير منها، ومن الطبيعي أن تعود العلاقات مع دمشق إلى وضعها السابق”.
وكان الأسد استقبل، الأسبوع الماضي وفدًا من ممثلي الفصائل الفلسطينية، من بينهم الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد نخالة. ونقل نائب الأمين العام لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، أبوأحمد فؤاد، عن الأسد قوله خلال اللقاء، إن “أبواب سوريا مفتوحة لكل فصائل المقاومة بغض النظر عن تسمياتها”. ووجّه الرئيس السوري تحية إلى “المقاومين” من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
وعكس موقف دمشق تغيرا حيال حماس ومؤشرا عن قبوله بإنهاء القطيعة التي حصلت بين الطرفين خلال السنوات الماضية نتيجة موقف الحركة الفلسطينية من الأزمة السورية والذي بدا متماهيا إلى حد بعيد مع موقف الحلف التركي القطري المناوئ لدمشق.
ويرى مراقبون أن تركيا تتجرع اليوم مرارة الخذلان من حماس، كما سبق وأن تجرعها النظام السوري قبل أعوام، لافتين إلى أن ذلك ليس بغريب عن حماس المعروف عنها تقلباتها الكثيرة بين الأضداد، حيث أن لا صديق “دائما وثابتا” لها.
يقول أيمن ضراغمة، النائب عن حماس في المجلس التشريعي الذي تم حلّه، إن “شعبًا تحت الاحتلال، بما فيه حركات التحرر الوطني سواء كانت حماس أو غيرها، من مصلحتها أن تستعين وتفتح علاقات مع جميع الدول والقوى والحركات والأحزاب”.
ويتابع ضراغمة “العلاقة ممكنة حتى مع الغرب وأميركا، فلا يوجد أي قيد أو مانع من العلاقة، لكن الأميركيين والأوروبيين يضعون شروطا على ذلك”. ويرى أن علاقة حماس مع إيران “تأتي في سياق طلب النصرة والمعونة، وهذا مشروع إسلامي ووطني ويتناسب وينسجم مع طبيعة المرحلة”.
وشدد على أن “سوريا مهمة لحركة حماس، من جهة الجغرافيا السياسية والإستراتيجية كدولة جارة، أسوة بمصر والأردن ولبنان لأنها من البوابات للانفتاح على العالم”، مشيرا إلى “تاريخ سوريا في احتضان فصائل المقاومة”.
ولا يرى النائب السابق تناقضًا بين “ترميم” العلاقة مع سوريا والموقف من الأحداث الداخلية فيها. في المقابل، يوضح أن حماس مهتمة بإيجاد عواصم مستعدة لفتح بواباتها والتعامل معها.

وكان النظام السوري فتح أبوابه أمام حماس قبل سنوات، بعد أن رفض الأردن استقبال قياداتها، ومكنت دمشق قيادات الحركة من الاستقرار وحرية التحرك، قبل أن تنقلب الأخيرة مع تفجر الأزمة في العام 2011، من خلال تبنيها لأجندة المحور القطري التركي.
وكانت حماس تراهن على سقوط سريع للأسد لتمكين التنظيمات الإسلامية في سوريا، بيد أنه ومع استشعارها أن هذا الهدف بعيد المنال عدلت من مواقفها وسعت إلى التودد إليه عبر بوابة إيران وحزب الله اللبناني، اللذين تربطهما علاقات وثيقة بالحركة ولاسيما بجناحها العسكري كتائب عزالدين القسام.
يقول الكاتب المقدسي راسم عبيدات، إن قيادة حماس تتجه نحو تطبيع العلاقة مع محور إيران – سوريا – حزب الله “نظرا للدعم المباشر لها خلال العدوان الأخير على قطاع غزة”. ويضيف أن على “حماس” إذا أرادت أن تكون قوية أن تستند لهذا المحور “فمعظم السلاح الذي تستخدمه جاء عن طريق هذا المحور، أو جرى تطويره من خبراء ومهنيين فيه”.
ويشير عبيدات إلى أن تصريحات الرئيس السوري التي قال فيها إن سوريا مفتوحة للفصائل الفلسطينية، إشارة إلى أن النظام مستعد لإعادة العلاقات مع حماس إلى سابق عهدها.
ويستبعد المحلل الفلسطيني أن يؤثر التقارب المسجل مع المحور الإيراني السوري “على علاقة حماس مع دول سنية مثل قطر وتركيا، فحماس تحاول المناورة في هذه العلاقة والموازنة بين المحاور، لكسب جميع الأطراف”.
ومكنت إيران الفصائل الفلسطينية ولاسيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي من اكتساب خبرات واسعة في تصنيع الصواريخ، وسبق وأن أمدتهما بمكونات صنعها قبل أن تتوقف عن ذلك نتيجة تشديد الخناق من قبل إسرائيل ومصر.
ويعتقد كثيرون أن تغيير الأسد لموقفه من الحركة قد يكون تحت ضغط إيران التي تنظر إلى العلاقة مع الحركة على أنها إحدى الأوراق القوية في المواجهة مع إسرائيل.