توثيق حي لملامح مدينة لم تعد كما كانت

المصور السوري علاء حسن يتحدث عن كتابه الذي ضم عددا من الصور لسوريا ما قبل سنة 2011، مقدما رؤيته البصرية لسوريا في سنوات سبقت الثورة التي أعادت تكوين البلاد ووعي الناس بأنفسهم.
الاثنين 2018/05/28
الجدران تحكي سيرة البلاد

إن الصورة قد تتجاوز الكلمة في إبلاغ رسالتها الفنية، حيث لا حواجز أمام الصورة التي تمثل مادة فنية للجميع مهما اختلفت شرائحهم أو لغاتهم أو ثقافاتهم، ولعل تفطن الكثير من الأنظمة القمعية لخطر الصورة جعل التصوير الفوتوغرافي ملاحقا ومقيدا بشكل كبير في البلدان التي تتحكم بها مثل هذه الأنظمة. “العرب” التقت المصور السوري علاء حسن في حديث عن كتابه الذي ضم عددا من الصور لسوريا ما قبل سنة 2011، مقدما رؤيته البصرية لسوريا في سنوات سبقت الثورة التي أعادت تكوين البلاد ووعي الناس بأنفسهم.

باريس - صدر مؤخرا للمصور السوري علاء حسن كتابه الفوتوغرافي الأول بعنوان قلعة الكرتون، وفيه سلسلة من الصور التي التقطها  بين عامي 2006 و2011 في سوريا، وفيه يحاول التوثيق جماليا لطبيعة الحياة في العشوائيات المحيطة بدمشق، بوصفها نتاج سياسات النظام السوري، وأوهام التحديث والتطوير تحت قبضة الأسد، الرقيب والطاغية، الحاضر في قلب المدينة، وصوره المنتشرة في أنحاء المدينة كالطاعون.

ضحايا صامتون

 عن سبب تسمية الكتاب “قلعة الكرتون”، يجيبنا حسن بأنه يرى فيه رمزيّة تصف سوريا بشكل خاص، وأوهاما تبدأ من الدولة، وتنتهي في مخيلتنا وأفكارنا عن أنفسنا، كمجتمع وكأفراد. ويضيف “أعتقد أنّ هدف أي دولة هو رفاه مواطنيها، أو على الأقل، تأمين احتياجاتهم الأساسية، بما فيها الأمان الشخصي. أمّا الحزب الحاكم فيهدف إلى استمرار حكمه بغض النظر عن التكاليف، تعاني الدولة السورية ككل من انهيار هائل، نصف الشعب السوري خسر بيوته أو اضطر إلى مغادرتها. البطالة والفقر في أسوأ مستوياتهما. عدا عن أنّ القتل والاعتقال والهجرة، فرّغت المجتمع من الجيل الذي من المفترض أن يبني المستقبل. توجد اليوم أجيال لا تعرف سوريا دون حرب. قد ينجح النظام في الحفاظ على ‘سوريا المفيدة‘ لكنّ هذا لا يعني أنّ الدولة لم تنهر على رؤوسنا”. يحاول حسن في القسم الأول من الكتاب التقاط الجوانب المختلفة لحياة العشوائيات في دمشق، وتوثيق مساحات أهملتها الدولة، وخلقتها منهجيا لممارسة العنف فيها بصورة ارتجاليّة، وكأن مساحات الهوامش هذه تخضع لسياسات النفي المتعمّدة، ما يجعلها خارج الخطاب البصري الرسمي للدولة.

علاقات  الناس في العشوائيات قوية، وأكثر ترابطا من المناطق المنظمة، وربما السبب هو أسلوب البناء وحركة الحياة فيها

 يعقب حسن أن العشوائيات مصطلح معماري خاص بتنظيم المدينة، ولهذا السبب استخدمه في الكتاب، لكن الكثير من سكان تلك الأحياء  يفضلون تسمية ”أحياء شعبية“، ويرى أن العلاقات الاجتماعية في العشوائيات قويّة، وأكثر ترابطا من المناطق المنظمة، وربّما السبب هو أسلوب البناء وحركة الحياة فيها، لكنّ هناك اتفاقا ضمنيّا على أنّ سكان العشوائيات ضحايا في المجتمع، بالتالي هناك تضامن خاص بتلك المناطق لا يوجد خارجها.

 ويضيف “هناك صور نمطية عن العشوائيات تشبه أي صور نمطية تجاه ضواحي الفقراء في أغلب مدن العالم. أسباب  هذه الصور دائما اقتصادية واجتماعية، لكن السياسة في سوريا تتدخل في كل شيء، ولا يمكن نقاش موضوع كهذا، أو أي موضوع عام في سوريا دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ حريّة التعبير منعدمة في معظم المحاولات القديمة لمعالجة مسائل كالفقر أو البطالة، هي كمحاولات الرقص على حبل تتحكم به السلطة، قد تحتاج مهارات ‘أكروباتية‘ فقط للحديث عن الشأن العام”.

عند تولي الأسد الابن السلطة، بدأت مسيرة “التحديث والتطوير” والتي يتجلى فشلها وفشل سياسات الأسد الأب في مجمع “يلبغى” في وسط دمشق، بوصفه صرحا للفساد وسوء التخطيط، وكأن سوريا الأسد ليست إلا انعكاسا لبنى الفساد وبيروقراطيته، مع ذلك سألنا حسن عن مساحات حاول التقاطها تقع خارج منظومة الفساد هذه ومنتجاتها، فيعقب بقوله إنه  في تجربته الخاصّة كانت المساحات البعيدة عن الفساد دائما موجودة، لكنّها تنحصر في إطار اجتماعي إنساني، كالطفلة التي تساعد أخاها الصغير أثناء العاصفة، أو الأب الذي يحمل مظلّة لابنته، لكن عندما تقترب من السياسة أو الاقتصاد لا يمكن تجاهل الفساد الهائل الموجود في كل زوايا المجتمع. كما يرى أن مسألة الفساد وغيابه هي مجرد تصرفات وليست طبيعة بشرية. من هذه الزاوية، كلّنا “جلّاد” بشكل أو بآخر وكلّنا ”مظلوم“ كما في الصورة.

لقطات الخفاء

في سوريا وحتى قبل الثورة لم يكن من السهل التصوير في الأماكن العامة، فلافتات منع الاقتراب والتصوير منتشرة في الكثير من الأماكن، وما لاحظناه أن صورة حسن لا تبرز خطورة فعل التصوير في سوريا، وكأنه يتحرك في مساحات الأمان التي خلقها النظام السوري لسكان سوريا، متفاديا المواجهة مع السلطة، حتى ولو بصورة مسروقة.

التصوير في دمشق دون ترخيص أو إذن يشبه النشل من مدير السجن، له متعة خاصّة جدا ويولد إحساسا بالإنجاز

يعقب على ذلك بقوله “التصوير في دمشق دون ترخيص أو إذن يشبه النشل من مدير السجن، له متعة خاصة جدا ويولّد إحساسا بالإنجاز بعد كل رحلة ‘سليمة‘. لكن الموضوع أيضا مرتبط بمادّة التصوير، عند تصوير حملة استفتاء 2007 حاولت قدر الإمكان إخفاء نواياي بالذات في المظاهرات المؤيدة أو أمام اللافتات الكبيرة. لقد تعرضت لبعض المضايقات، لكنّها لا تقترب من الإجرام الذي ارتكب بحقّ المصورين السوريين بعد الثورة وفي الحرب، أو حتّى من ما جرى لأصدقائي من المصورين قبل تلك الفترة”.

يقول علاء حسن إن الكتاب لا يتحدث عن سوريا اليوم، فسوريا الموجودة في الكتاب لم تعد موجودة، وبالذات المناطق العشوائية، ما يكسب الكتاب قيمة متحفية، كذلك السياق العام تغيّر بعد الثورة، وبالتالي النقاشات الخاصة بالأسباب ربما تبدو ”منتهية الصلاحية“ اليوم، ويضيف “أعتقد أنّ توثيق السنوات السابقة للكارثة سيساعدنا كثيرا على فهم الكارثة ومنع تكرارها. جميل أنّ بعض معالم دمشق لم تتغير. فما زالت حديقة الجلاء في مكانها. المؤسف هو أنّ العقلية التي تدير البلد ما زالت كما هي وسنرى حملات دعائية جديدة لـ’انتخابات’ معروفة النتائج سلفا”.

14