تواصل انسداد الأفق يسرّع موجات الهجرة غير النظامية من الجزائر

الجزائر - سرع استمرار انسداد الأفق في الجزائر وتيرة الهجرة غير النظامية من الجزائر إلى إسبانيا وإيطاليا خلال الأسابيع الماضية، خاصة مع تحسن الحالة المناخية في عرض البحر واقتراب موسم الصيف.
ولم يعد يلجأ الشباب المحبط فقط إلى الهجرة غير النظامية، حيث انضم جزائريون من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية وأسر بكاملها وقصر إلى هؤلاء بعد الانتكاسة التي خلفها فشل الحراك الشعبي في إحداث التغيير المنشود.
ونقلت تقارير صحافية إسبانية وصول أعداد من الجزائريين إلى السواحل الإسبانية خلال الأسابيع الأخيرة، في إطار موجة جديدة من الهجرة غير الشرعية، وفيهم مختلف الفئات والأعمار والقصر والنسوة.
وتحدثت تلك التقارير عن وصول نحو 400 “حراق (مهاجر غير نظامي)” جزائري إلى إسبانيا خلال يومين فقط، مما يفتح المجال أمام موجة هجرة جديدة، خاصة في ظل غياب مقاربة فعالة من طرف السلطات في الجزائر لاحتواء الظاهرة.
السلطات الجزائرية أوقفت أكثر من 250 مهاجرا حاولوا ركوب قوارب تتراوح تكلفة الرحلة على متنها بين 2000 و10 آلاف دولار أميركي
ويأتي ذلك رغم جهود السلطات المختصة في محاصرة الظاهرة عبر الحلول الأمنية، حيث تم الإعلان عن إجهاض عدة محاولات للهجرة في مختلف السواحل الجزائرية.
وبحسب أرقام رسمية، تم توقيف أكثر من 250 مهاجرا، حاولوا ركوب قوارب تتراوح تكلفة الرحلة على متنها بين 2000 و10 آلاف دولار أميركي.
ومازالت السلطات تلجأ للمقاربة الأمنية كحل لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية، حيث تتم غالبا إحالة أصحاب المحاولات على الأمن للتحقيق ثم القضاء لإدانتهم، إذ تتراوح العقوبة بين الستة أشهر والعامين حبسا نافذا.
ورغم هذه العقوبات، إلا أن هناك من كرر المحاولة لعدة مرات بسبب حالة اليأس التي تهيمن على الجزائريين.
وذكرت التقارير الإسبانية بأنه وصل إلى سواحل مدينة ألميريا 107 مهاجرين غير نظاميين على متن أكثر من 12 قاربا، غالبيتهم من الجنسية الجزائرية، فيما وصل 120 شخصا إلى سواحل مورسيا، وقد توزعوا ما بين جزائريين ومغاربة. كما استقبلت سواحل إيبيزا ومايوركا الإسبانيتين 40 مهاجرا من جنسية جزائرية على متن ثلاثة قوارب، بحسب تلك التقارير.
وأضافت “لقد وصل تسعة مهاجرين جزائريين في قارب كان يقل 14 آخرين إلى سواحل أليكانتي الإسبانية، واعترضت شرطة السواحل الإسبانية ما مجموعه 115 مهاجرا غير نظامي كانوا متجهين إلى جزر الكناري”.
ويأتي هذا فيما لا يزال أهالي ضاحية فوكة بمحافظة تيبازة غربي العاصمة يتجرعون حرقة وآلام فقدان 11 شابا انقلب بهم القارب وسط البحر الذي لفظ جثثهم إلى الساحل خلال الأسبوع الأخير، إلى جانب سبعة آخرين لقوا نفس المصير بسواحل مدينة عنابة في أقصى شرق البلاد.

وفيما فشلت كل المحاولات التحسيسية التي نظمتها الحكومة للحد من الظاهرة، عبر تعبئة المجتمع المدني والمساجد لتفكيك فكرة الهجرة على “قوارب الموت”، يتم الحديث عن “مافيا” تتحكم في النشاط الذي يدر أموالا طائلة على أصحابه، فرحلة من النوع الراقي تختصر الوقت إلى ساعتين من الزمن، لأن القارب من النوع المتطور يمكن أن يحقق لصاحبه 100 ألف دولار، بحسب تقارير محلية.
ولم تعد الهجرة غير النظامية في الجزائر تقتصر على الفئات الشبابية التي فقدت الأمل في فرص الحياة الكريمة من شغل وسكن وخدمات، بل تعدتها إلى ناشطين سياسيين وحتى فنانين، حيث سبق للناشطين السياسيين إبراهيم دواجي وإبراهيم لعلامي أن ركبا قوارب الحرقة للإفلات من ملاحقات السلطة، كما كانت قاضية سابقة، والفنانة الشابة خيرة، قد اختارتا نفس الطريق للإفلات أيضا من متاعب قضائية ومشاكل اجتماعية.
ونقل شهود عيان حمل قوارب الموت لفئات المسنين والقصر وعائلات، وحتى مرضى كانوا يأملون في العلاج بالمستشفيات الإسبانية، بعدما فقدوا الأمل في الخدمات المقدمة في القطاع الصحي ببلادهم.
وعادة ما يكون تحسن الأحوال المناخية محفزا لهؤلاء المهاجرين لتنظيم رحلاتهم، عكس فصل الشتاء الذي تتصاعد فيه المخاطر.
وكانت سلطات محافظة وهران الساحلية قد أمرت ببناء جدار إسمنتي يفصل مدينة عين الترك بالساحل منذ عدة أشهر، أملا في الحد من الظاهرة، لكنها اضطرت إلى نزعه مؤخرا بسبب الانتقادات باعتبار أنه شوه منظر المدينة التي تستعد لاحتضان ألعاب البحر المتوسط بداية من نهاية شهر يونيو القادم.

وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد نقلت تجربة امرأة جزائرية من العاصمة تبلغ من العمر 65 عاما، لكنها تفكر بجدية في الهجرة إلى إسبانيا بعدما فقدت كل الأمل والثقة في البلد الذي تنحدر وتعيش فيه.
وعبرت عن رغبتها في الهجرة بالقول “لا أستطيع العيش هنا أكثر وأفكر جديا الآن في ركوب القوارب التي تحمل المهاجرين، فقد فقدت الأمل الصغير الذي كان عندي بهذا البلد”.
وكانت المتحدثة التي رفضت الكشف عن هويتها خشية المتابعة الأمنية، قد فجعت بوفاة زوجها فضيل نتيجة الإصابة بكوفيد – 19 في العام 2020. وكان زوجها فضيل واحدا من بين 6.800 جزائري ماتوا نتيجة فايروس كورونا، ورغم التقدم في العمر، إلا أنه كان في حالة صحية جيدة، ومات بعد أسبوعين نتيجة نقص حاد في مادة الأوكسجين في المستشفيات الحكومية.
وتعيش المرأة وضعا ماديا صعبا حيث تقول بحسب ما نقلت عنها الصحيفة “قام أولاد زوجي بقطع راتبه التقاعدي عني وأنا أعيش اليوم على الفتات، ولو رفض طلب التأشيرة إلى فرنسا فسأبيع هذه الشقة وأركب زورقا سريعا.. أعرف أنه غير قانوني وغير آمن، ولكنني أبحث عن مكان مناسب أقضي فيه ما تبقى من عمري بكرامة”.