"تنسيقية الأحزاب" المصرية تفشل في التحول إلى معارضة

الإشراف الحكومي على التحركات السياسية يدعم تحويلها إلى منصة للبحث عن وظائف.
الأحد 2020/11/08
مشاركة شكلية للشباب المصري في الانتخابات البرلمانية

القاهرة – برز اسم “تنسيقية شباب الأحزاب” في مصر مع الانتخابات البرلمانية، التي تجرى جولتها الأخيرة، يومي السبت والأحد (7 و8 نوفمبر)، وحجز أعضاؤها من المنتمين إلى قوى حزبية مختلفة أماكن تنفيذية وسياسية مهمة في عدد من مؤسسات الدولة بعد عامين من تدشينها، ما طرح أسئلة عديدة حول مستقبلها السياسي والأدوار التي تقوم بها، في ظل ما يشبّه بالقطيعة بين عموم الشباب والحكومة المصرية.

وكثف الكيان الجديد ضجيجه مع انطلاق انتخابات مجلس النواب، للإيحاء بأن هناك أصواتا مغايرة للتأييد السائد لغالبية المرشحين للحكومة، دون أن يعبر عن تيار حقيقي للمعارضة أو توجه سياسي واضح، قادر على تحمل المسؤولية.

تقترب التنسيقية من حجز 28 مقعداً في البرلمان المقبل، باعتبارها من أكثر القوى تمثيلاً داخل “القائمة الوطنية من أجل مصر” التي يقودها حزب “مستقبل وطن” القريب من الحكومة، وحجزت 12 مقعدا من قبل في مجلس الشيوخ، وتم اختيار 6 من أعضائها في منصب نائب محافظ، و6 آخرين انضموا إلى مجلس تنظيم الإعلام.

ونظمت التنسيقية صالونا سياسيا قبل أيام، شهد حضورا لافتا  من دوائر حكومية عديدة، بهدف توضيح الصورة المشوشة عن هذا الكيان، وتعزيز فكرة أن هناك حراكا سياسيا حقيقيا للمعارضة.

وبدلا من أن تكون التنسيقية، التي ظهرت نواتها الأولى عام 2018 في أحد مؤتمرات الشباب التي عقدها الرئيس عبدالفتاح السيسي، صوتا لوجهات نظر الشباب، أضحت نموذجا معلبا يخرج من عباءة أحزاب الموالاة ولا يعمل في صفوف المعارضة.

ولم ينجح الكيان المعلّب في إحداث حراك أثناء مناقشة قوانين انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، ولم يمرر رؤيته بشأن إجراء الانتخابات وفقاً للقائمة النسبية وليس القائمة المطلقة التي أقرها البرلمان لاحقا، كما أن نزوله إلى الشارع في استفتاء تعديل الدستور العام الماضي لدفع الناخبين نحو الاقتراع، جرى تفسيره على أنه محاولة حكومية لجذب المواطنين الذين عزفوا عن المشاركة.

ونظر محمد إبراهيم، الشاب المصري صاحب الخمسة والعشرين عاما، إلى التنسيقية كأحد أوجه التنفيس السياسي الذي يبحث عنه الشباب، لكنه وجد صعوبة في التعرف على توجهاتها التي تميل ناحية دعم سياسات الحكومة، ويعتقد أنها “كيان مفصل لمجموعة بعينها من الشباب الذين يحظون بعلاقات ومتابعة قوية من دوائر قريبة إلى الحكومة”.

شباب يبحث من خلال "تنسيقية الأحزاب" على تنفس سياسي
شباب يبحث عن متنفس من خلال "تنسيقية الأحزاب" 

وأضاف لـ”العرب” أن الصورة الذهنية التي تحاول رسمها في أذهان الناس أنها تعبر عن النموذج الأمثل للشباب الذين يحظون بحضور سياسي ومهني في المستقبل، ولا مكان مجددا لعمل ينطلق من الشارع، وأن الانضمام إلى الأحزاب التي لا يُعرف عنها شيء والعمل داخل غرفها المغلقة هما الأساس نحو الانفتاح على العمل السياسي.

وتواجه التنسيقية انتقادات عديدة، لأن هيكلها التنظيمي غير محدد المعالم السياسية، ولائحة عملها الداخلية مختلفة عن الأحزاب بمعناها التقليدي، والتي لها برنامج تأسيسي ومؤتمر عام يختار القيادات، بجانب رئيس حزب وجمعية عمومية.

ويأتي الرد على هذه الانتقادات بإجابات أكثر غموضا، من قبيل ما أشارت إليه العضوة أميرة العايدي في المؤتمر الأخير: “منصة حوارية تجمع شباب الأحزاب والسياسيين، وأن مصطلح الكيان مجرد مسمى من دون أن يكون هناك هدف لإنشاء كيان رسمي”.

وقال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عمرو الشوبكي، إن المشكلة الأبرز التي تلاحق التنسيقية ترتبط بالولاءات، ما يؤدي إلى ازدواجية واضحة بين دورها ككيان جامع لتيارات مختلفة، وبين الأحزاب السياسية، وهو أمر يمكن فهمه إذا لعبت دورا انتقاليا لحين تقوية الأحزاب وتمكينها من الوصول إلى الشارع.

وأشار لـ”العرب”، إلى” غلبة الجوانب الإصلاحية بإشراف مؤسسات الدولة، والتي تقوم بأدوار تثقيفية تتعلق بحماية الأمن القومي، وهي عملية يجب تداركها، بحيث تكون بعيدة عن التداخل الحكومي الظاهر حاليا في أدوارها، وعلى الأحزاب الانخراط في التنسيق، وتكتفي أجهزة الدولة الرسمية بوضع الإطار الذي تعمل من خلاله”.

ويقارن الكثير من المتابعين بين هذه التجربة الوليدة وتجربتيْ الشباب الطليعي والاتحاد الاشتراكي خلال حقبة الستينات من القرن الماضي، وهي مقارنة لا تأتي في صالح التنسيقية بالمرة، فالتجربة التي سادت خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كانت ممنهجة سياسيا، واعتمدت على التدريب والتثقيف وليس التلقين.

عمرو الشوبكي : المشكلة الأبرز التي تلاحق التنسيقية ترتبط بالولاءات
عمرو الشوبكي : المشكلة الأبرز التي تلاحق التنسيقية ترتبط بالولاءات

وأوضح الشوبكي أن هناك فرقا شاسعا بين تكتل الشباب الحالي، وبين منظمة الشباب الطليعي، لأن الثانية كانت أكثر تحررا وتمكنت من تقديم جيل ناضج استطاع معارضة النظام الحاكم من داخل أركانه، وكانت لدى الكثير من الأعضاء أفكار ثرية تماشيًا مع موجة اشتراكية تحررية.

ويرى مراقبون أن نفوذ الحكومة داخل التنسيقية يذهب باتجاه تحويلها إلى ما يمكن تسميته “كيان مصالح”، فمن يسعى إلى الوظائف المرموقة عليه اختصار الطريق عبر الانضمام إليها، ما يُفرغها من رؤى سياسية جديرة بالاهتمام.

ويتفق هؤلاء على أن تقديم الدعم الحكومي لكيان بعينه لدفعه نحو الحصول على مناصب إدارية وسياسية لا يصب في صالح تقوية الحياة الحزبية، والأمر بحاجة إلى إفساح المجال لمختلف القوى التي تعمل على أرضية وطنية لتشكيل ظهير سياسي يخرج من نبض الشارع، وليس من الغرف المغلقة، ولديه قدرة على مواجهة أي تهديدات تمثلها تنظيمات إسلامية تستفيد من الفراغ السياسي الراهن.

ومن غير المستبعد أن تتمدد التنسيقية بشكل أكبر لتضم طيفا واسعا من الشباب في ظل ارتباك النظام الحزبي، وعدم وجود قانون فاعل يعيد تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وقد تكون بمثابة ظهير سياسي رسمي تبحث عنه الحكومة، يضم وجوها شبابية مختلفة عن الشخصيات التي تملك إرثا سياسيا ملطخا بالفساد.

وأكد السياسي المصري جورج إسحاق أن الشباب المهمومين بالسياسة لا بد أن يجدوا أمامهم منافذ عديدة للتواصل مع الشارع قبل أن يجري تسكينهم في مواقع جاهزة، والتعامل بشكل أفقي مع شباب التنسيقية من نتائجه خسارة كوادر يمكن أن يكون لها بعض الرصيد الشعبي في الشارع.

ولفت لـ”العرب”، إلى أن” مشاركة شباب من أحزاب المعارضة في التنسيقية عملية شكلية، لأن الأطراف المهيمنة عليها محسوبة على أحزاب الموالاة للحكومة، بالتالي تندرج المشاركة ضمن القوالب سابقة التجهيز، والتي ثبت فشلها عبر التاريخ الحزبي في مصر، ما يجعل المستقبل الحزبي والإصلاحات السياسية غامضيْن”.

4