تقنين عمليات "تصحيح جنس الأطفال" يقطع مع الفهم السائد لتغيير الجنس

تسعى الدول الغربية لمنع تصحيح جنس الأطفال ما يقطع مع نسبهم إلى المعايير التقليدية للذكورة والأنوثة. وترى دول على غرار ألمانيا وإسبانيا أن العمليات الجراحية غير الضرورية التي يتم إجراؤها دون موافقة الأطفال يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بهم نفسيا في وقت لاحق من حياتهم. بينما تدعو الدول العربية إلى تقنين عمليات تصحيح الجنس لأن مجتمعاتها لا تزال تخلط بين تصحيح الجنس وتغييره.
برلين- بادرت بعض الدول الأوروبية إلى منع تصحيح جنس الأطفال والحد من العمليات “غير المنضبطة” التي تتم دون موافقتهم.
ودعا مناصرو ثنائيي الجنس في تلك الدول إلى عدم الاكتفاء بالحظر وإقرار عقوبات في حال تجاهل الأطباء وأولياء الأمور القانون الجديد بسهولة، في حين يدعو الأطباء وجراحو التجميل في الدول العربية إلى ضرورة تقنين تلك العمليات والتفرقة بين التصحيح والتغيير.
ويشخص الأطباء ثنائية الجنس على أنها اضطرابات في النمو أو التطور الجنسي وهي مجموعة من الحالات النادرة. وإذا كان الفردُ مصابا بأحد هذه الاضطرابات، فقد يكون لديه خليطٌ من الصفات الجنسيَّة الذكريَّة والأنثويَّة.
ودعا الدكتور ياسر جمال استشاري جراحة الأطفال والتجميل، الرئيس السابق لمركز تحديد وتصحيح الجنس في مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، إلى تقنين تلك العمليات كاشفا أن عدد عمليات تصحيح الجنس بلغ الـ1600 عملية، في السعودية.

هاني الغامدي: تصحيح الجنس أمر يحتاج إلى فحصين طبي ونفسي
وبلغت عمليات تصحيح الجنس في مرحلة الطفولة 93 في المئة بين تصحيح الذكور إلى إناث أو العكس، وبين البالغين 7 في المئة أكثرها بتصحيح إناث إلى ذكور.
وأوضح جمال أن فئة الأشخاص الذين يقومون بتغيير الجنس يعانون من مرض يعرف بكراهية الجنس أو فقدان الهوية الجنسية، ويعتقد هؤلاء أنهم ضحية لعنة حيث حبسوا في أجساد غير أجسادهم، لذلك يقدم منهم بنسبة 60 في المئة على الانتحار إما قبل إجراء عملية التغير وإما بعدها.
وأكد جمال أن الإعلام مقصر في عملية التوعية بالتفريق بين عمليات تصحيح الجنس والتغيير، حيث إنه لا توجد برامج تثقيفية حول عمليات التصحيح، وتعريف المجتمع بالمعنى الصحيح لعمليات تصحيح الجنس الجائزة وعمليات تغيير الجنس المحرمة.
ولفت إلى أنه لا ينبغي أن تقبل المملكة بأي وثيقة قادمة من الخارج إلا بعد عرضها على جهات مختصة للتأكد ممّا إذا كانت الحالة المعنية تغييرا لجنس أم تصحيحا، مشيرا إلى أن بعض المصابين الذين يعانون من هذه المشكلات يذهبون إلى مستشفيات في شرق آسيا أو في أوروبا، ويقومون بإجراء عمليات، ويحضرون شهادات بأنهم قاموا بتصحيح الجنس. منوّها إلى أن تصحيح الجنس أمر مباح، أما التغيير الجنسي فحرام شرعا.
وأكد هاني الغامدي المحلل النفسي والمتخصص بالقضايا الأسرية والمجتمعية في السعودية على أن تصحيح الجنس أمر يحتاج أولا إلى فحص طبي وثانيا إلى فحص نفسي، مشيرا إلى أنه حينما يتم الإقرار بأن هذا الشخص مكونه الذاتي يختلف عما هو عليه في ظاهره أو بجسده، يتم تصنيفه ضمن من يستحسن له القيام بعملية التصحيح، من خلال عملية جراحية معينة أو أن يتم الأمر من خلال التعديل النفسي بشكل أو بآخر.
وقال الغامدي “في ما يخص تصحيح الجنس إلى ما هي عليه الخلقة الأساسية بمعنى أن هناك شخصا ليس من الإناث وذلك بحسب التكوين الجسدي بينما عرف بأنه ذكر ضمن الشكل الظاهري، ففي هذه الحالة يحتاج الشخص إلى عملية تصحيح للجنس.” وأشار إلى وجود قوانين صارمة تحدد صلاحية الطبيب أو المستشفى أو الجهة التي تقوم بهذه العمليات، إضافة إلى تعديل هوية الشخص من الصفر وإبلاغ الجهات الحكومية والخاصة لتصحيح معلومات الفرد بعد إجراء عملية التصحيح.
وأشار الدكتور محمد الصرمي الذي أجرى معظم هذه العمليات إلى أن انتشار هذه العمليات وظهورها لأول مرة في اليمن يعود إلى إدخال التقنيات الحديثة في التشخيص والكشف المبكر التي لم تكن موجودة من قبل، حيث كان أهل وذوو مثل هذه الحالات لا يلجأون إلى الكشف عنها أو معالجتها للتحرج المجتمعي والتحفظ على مثل هذه الحالات، أما اليوم فقد أصبح الأمر روتينيا اعتياديا وبدأ المجتمع يتقبل مثلها.
يولد حوالي 7.1 في المائة من الأطفال ثنائيي الجنس، وفقا للأمم المتحدة، وتخضع نسبة صغيرة منهم لعمليات جراحية لجعل مظهر أعضائهم التناسلية ووظيفتها متماشية مع ما هو متوقع من الذكور أو الإناث
وشدد الأطباء المختصون على أن تكون هذه العمليات تصحيحية لمسار الجنس وليس تغييرية. وقال الصرمي إنه لا بد من التفريق بين الحالتين. فالتصحيح يكون لحالة غلبت عليها صفة جنس معينة مثلا الحالة الظاهرة لطفل كانت علاماته الظاهرية أنثى لكن أجهزته التناسلية ذكورية غير أنها مخفية وهي غالبة على صفة الأنوثة فهذه الحالة يتم تصحيحها، والعكس عند التصحيح من صفات ذكورية إلى أنثى. أما عملية التحويل من جنس إلى جنس فهي عملية معقدة جدا، تتطلب زراعة أجهزة تناسلية للحالة التي يراد التحول إليها وهي التي لا تجوز.
وأوضح المختصون أن العمليات التي تجرى مبكرا تكون نتائجها أفضل؛ فالشخص يمكن أن يعطى بعض العلاج بالهرمونات، ما يحسن نتائج العملية الجراحية، أما من الناحية الاجتماعية فإن الحالات التي تشخص مبكرا لا تمر عادة بصعوبات التحول من جنس إلى آخر كما يحدث في الحالات التي تشخص في سن متأخر، إذ تعاني تلك الحالات من بعض المصاعب في تعاملها واندماجها مع المجتمع المحيط بها، والذي لم يتفهم بشكل واعٍ الفرق بين التصحيح والتغيير.
وأشاروا إلى أن هذه العمليات تجرى على مرحلتين؛ المرحلة الأولى هي تصحيح مسار الأجهزة التناسلية لتثبيت الجنس في سياقه الطبيعي، وفي المرحلة التالية تتم بعد فترة قد تصل إلى أربعة أشهر يتم فيها توصيل قناة البول بالمجرى الطبيعي، لأنه في حالة الخلط يتم التغيير من قناة إلى قناة.
وفي ألمانيا تم حظر إجراء العمليات الجراحية غير الضرورية للأطفال الذين يولدون ثنائيي الجنس. لكن المنتقدين حذروا من أن الأطباء وأولياء الأمور يمكن أن يتجاهلوا القانون بسهولة.
وصوت المشرعون في برلمان البوندستاغ على الانضمام إلى عدة دول أوروبية في حظر العمليات التي تهدف إلى ضمان أن ينسب الطفل إلى المعايير التقليدية للذكور والإناث.
وسيتعين على محكمة الأسرة، أن تأذن بإجراء مثل هذه العمليات الجراحية للأطفال الذين تم تشخيص إصابتهم بـ”اضطرابات التطور الجنسي”، وهو مصطلح طبي غالبا ما يستخدم للإشارة إلى الأشخاص ثنائيي الجنس.
ويولد حوالي 7.1 في المائة من الأطفال ثنائيي الجنس، وفقا للأمم المتحدة، وتخضع نسبة صغيرة منهم لعمليات جراحية لجعل مظهر أعضائهم التناسلية ووظيفتها متماشية مع ما هو متوقع من الذكور أو الإناث.
وتشير الأبحاث إلى أن العمليات الجراحية غير الضرورية التي يتم إجراؤها دون موافقة الأطفال يمكن أن تؤدي إلى أضرار نفسية في وقت لاحق من الحياة، ورحب نشطاء حقوق ثنائيي الجنس بالحظر في ألمانيا على نطاق واسع.
وقالت شارلوت وون رئيسة مجموعة حقوق ثنائيي الجنس في ألمانيا لمؤسسة تومسون رويترز “نحن سعداء للغاية لوجود قانون يتناول هذا الموضوع أخيرا، لكن بالحظر ثغرات وتترك العديد من الأسئلة دون إجابة”.
وذكرت وون وآخرون أن الآباء والأطباء يمكنهم الالتفاف على القانون الجديد والمضي قدما في الجراحة من خلال تجنب تشخيص ثنائيي الجنس، ولأن التشريع لا ينص على عقوبات.
فئة الأشخاص الذين يقومون بتغيير الجنس يعانون من مرض يعرف بكراهية الجنس أو فقدان الهوية الجنسية
وقال ينس براندنبيرغ النائب عن الحزب الديمقراطي الحر، إن التحايل على الحظر سهل للغاية. ووفقا لدراسة أجرتها جامعة بوخوم، خضع 1871 طفلا دون سن العاشرة لجراحة “تأنيث” أو “تذكير” بين عامي 2005 و2016 في ألمانيا، والتي تنضم اليوم إلى مالطا والبرتغال في حظر مثل هذه الإجراءات.
ويناقش البرلمان الإسباني حاليا إجراء مشابها للحظر الألماني، والذي قال أولاف هيورت، الأستاذ في المستشفى الجامعي في لوبيك، إنه يأمل في أن “يحد من العمليات غير المنضبطة”. لكنه أشار إلى أنه بينما يوجد حظر، “لا توجد عقوبة”.