تقلص الأغلبية البرلمانية للمحافظين يدفع نحو مراجعة إستراتيجية بريكست

مع تقلص الأغلبية البرلمانية لحزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، يجد رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون نفسه أمام نفس البرلمان الذي رفض خطة تيريزا ماي في الانفصال ورفضه في ذات الوقت بريكست من دون اتفاق. ويضع البرلمان المنقسم بشدة حيال بريكست رئيس الوزراء، المتشدد حيال بريكست، أمام خيارين؛ أما المضي قدما في تعهداته بالانسحاب بحلول 31 أكتوبر وتقديم صفقته إلى برلمان يستعد أعضاؤه الآن لعرقلة الانسحاب من دون اتفاق وإما المقامرة بالدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة قد تعيد إلى حكومته الأغلبية الضرورية لتمرير الاتفاق.
لندن- خسر رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون أول اختبار في صناديق الاقتراع في انتخابات فرعية الخميس، أدت إلى حصر غالبيته البرلمانية الصغيرة بصوت واحد فقط، ما سيعقد تنفيذ إستراتيجيته في خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
ومن شأن هذه الخسارة تقليص الأغلبية الفعلية لجونسون في البرلمان إلى مقعد واحد قبل مواجهة متوقعة حول خطته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المقرر له يوم 31 أكتوبر دون اتفاق مع التكتل الأوروبي إذا فرضت الضرورة ذلك.
ومن قبل كانت حكومة جونسون تعتمد على تأييد حزب صغير من أيرلندا الشمالية لتحقيق الأغلبية الضئيلة التي تتمتع بها في البرلمان. وفاز الديمقراطيون الأحرار بالمقعد في دائرة بريكون ورادنورشير في إقليم ويلز بأغلبية 1452 صوتا.
وفاز أيضا حزب “بريكست” الجديد للسياسي المخضرم نايجل فاراج، على حزب العمال وحل في المركز الثالث، في صفعة لثاني أكبر الأحزاب في بريطانيا. وقالت زعيمة الديمقراطيين الأحرار جو سوينسون في بيان الجمعة “أغلبية بوريس جونسون الآخذة في التقلص توضح أنه ليس لديه تفويض كي يخرجنا من الاتحاد الأوروبي”، فيما يشغل الديمقراطيون الأحرار 13 مقعدا في البرلمان.
وأضافت سوينسون “سأفعل كل ما يمكنني لوقف الخروج وطرح بديل، رؤية إيجابية، لدينا الآن عضو إضافي في البرلمان سيصوت ضد الخروج في البرلمان”.
وكان الناخبون في إقليم ويلز، ومن بينه منطقة بريكون، قد صوتوا بالموافقة على الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي أجري في عام 2016 لكن الإقليم الذي يزيد فيه عدد الأغنام على عدد السكان ثار فيه القلق على نطاق واسع بين المزارعين بسبب احتمال فرض رسوم جمركية باهظة على واردات الأغنام من ويلز إذا خرجت بريطانيا من التكتل دون اتفاق.
ويريد جونسون إعادة التفاوض بشأن اتفاق الانسحاب الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي وبروكسل، الأمر الذي يستبعده الاتحاد الأوروبي.
وفي حال الفشل، قال إنه لن يطلب تأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأن المملكة المتحدة ستغادر هذا التكتل باتفاق أو من دونه في 31 أكتوبر. وسيؤدي ذلك إلى إضعاف الحكومة الجديدة التي أعلنت زيادة ميزانيتها للإعداد لبريكست دون اتفاق، عبر تخصيص مبلغ 2.1 مليار جنيه إضافي هذا العام.
وقال جون ماكدونل وزير المالية في حكومة الظل التابعة لحزب العمال المعارض “كان بإمكان هذه الحكومة أن تستبعد لا اتفاق حول بريكست وتنفق هذه المليارات على مدارسنا ومستشفياتنا ومواطنينا”.
ولكن الاعتراضات على ذلك ليست محصورة في صفوف حزب العمال فقط، فقد حذر فيليب هاموند، وزير المالية في حكومة المحافظين السابقة، من أنه سيبذل كل ما في وسعه لمنع “لا اتفاق”.
و تأتي الهزيمة الانتخابية في وقت يتكهن فيه مراقبون بأن جونسون سيسعى للدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة، على أمل استعادة الغالبية المحافظة التي خسرتها ماي في انتخابات 2017، فيما استبعد الأخير الدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل أن تغادر بريطانيا التكتل الأوروبي.
وخلال زيارة لمدينة برمنغهام وسط إنكلترا قال إن “الشعب البريطاني صوت في 2015 و2016 و2017”. وأضاف “ما يريدوننا أن نفعله هو تحقيق المهمة التي أوكلوها إلينا، وهي الخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر”.
وقال “لا يريدون انتخابات أخرى، لا يريدون استفتاء آخر، ولا يريدون انتخابات عامة”. ولكن يمكن للبريطانيين أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع في حال أسقط النواب حكومة جونسون الجديدة في تصويت بسحب الثقة، سعيا لتجنب بريكست من دون اتفاق.
وتبقى الانتخابات القادمة في بريطانيا مقررة بعد ثلاث سنوات، لكن الدلائل تشير إلى أن جونسون يستعد لتنظيم استفتاء مفاجئ في غضون أسابيع أو أشهر لتجنّب مأزق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أطاح بسلفه تيريزا ماي التي استقالت بعد فشلها ثلاث مرات في الحصول على دعم البرلمان لصفقتها مع الاتحاد الأوروبي.
ويقول الباحث البريطاني، تيم دورانت، إن جونسون سيواجه نفس البرلمان الذي تعاملت معه ماي، ويشمل أغلبية مجلس العموم والمشرعين الذين رفضوا كل محاولات ماي لترك الاتحاد الأوروبي إما بصفقة وإما دونها.
ويضيف دورانت أن جونسون يصور نفسه كالشخص الوحيد القادر على إتمام عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد يعمل على تغيير التشكيلة البرلمانية لضمان نجاحه، ويتطلب ذلك إجراء انتخابات. وقال جونسون إن الانتخابات ليست من أولوياته، وهو ما يدل على أنها تبقى احتمالا واردا لم يستبعده.
وقال أستاذ التاريخ السياسي في جامعة نوتنغهام، ستيفن فيلدينغ، إن رئيس الوزراء يستعد لإلقاء اللوم على بروكسل إذا فشلت محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتهت العملية بطلاق دون صفقة.
وتابع فيلدينغ “يتمثّل السيناريو الأكثر احتمالا في توجه بوريس إلى بروكسل التي سترفض ما سيعرضه، سيقول حينها إنه أراد إبرام صفقة لكنهم لم يسمحوا له بذلك، وقد يستغل ذلك ليطلب من الشعب مساندته في إخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي عبر الدعوة إلى إجراء انتخابات”.
ويتوقع أستاذ التاريخ السياسي أن يتبع جونسون هذه الخطة قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بسبب الاضطرابات التي يمكن أن تتبع خروجا دون صفقة.
تبقى الانتخابات القادمة في بريطانيا مقررة بعد ثلاث سنوات، لكن الدلائل تشير إلى أن جونسون يستعد لتنظيم استفتاء مفاجئ في غضون أسابيع أو أشهر لتجنّب مأزق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
وحذر الاقتصاديون من أن ترك الكتلة دون اتفاق يهدد بتعطيل التجارة بسبب فرض الرسوم الجمركية بين بريطانيا والكتلة. وتقول الهيئة الرقابية البريطانية للخدمات المالية إن ذلك قد يتسبب في خفض قيمة الجنيه الإسترليني مما يدفع المملكة المتحدة نحو انتكاسة اقتصادية كبرى.
تشير أول أعمال جونسون في منصبه إلى أنه يمهد الطريق لتصويت وطني، فقد ساعد كبير مستشاريه دومينيك كامينغز في قيادة حملة التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي سنة 2016. وصمم المحافظون العشرات من الإعلانات التي انتشرت على موقع فيسبوك بطريقة بدت وكأنها حملة لانتخابات قادمة.
ويمكن أن تؤدي الانتخابات المبكرة إلى نتائج عكسية، كما اكتشفت ماي سنة 2017 عندما دعت إلى استفتاء مفاجئ لتعزيز موقفها في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. حينها فقدَ حزب المحافظين الأغلبية المطلقة في البرلمان.
ولكن جونسون يتمتع ببعض المزايا التي يمكن أن تغير هذه الحسابات، حيث تعد قدرته على الإقناع والتأثير أفضل من قدرة ماي. كما يعاني حزب العمال المعارض من الانقسام داخله، إذ لا يعلم ما إذا كان عليه مساندة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أم دعم بقائها في الكتلة. ويبدو جونسون أكثر استعدادا من ماي الحذرة فيما يتعلق بتقديم وعود قوية وبارزة.