تقارب سعودي - روسي يهدّد امتيازات الشريك الأميركي

سعي السعودية في هذه الفترة بالذات إلى تنويع شركائها الدوليين خصوصا في المجال الدفاعي ذي الأهمية الاستثنائية لا يخلو من رسائل للشريك الأميركي المتجه نحو الانكفاء وتقليص دوره في المنطقة بأن امتيازاته ومكاسبه ليست مضمونة إلى ما لا نهاية، وأنّ تلك المكاسب والامتيازات هي استحقاق لمن يحترم التزاماته تجاه المنطقة واستقرارها.
موسكو – قطعت المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية خطوة إضافية باتّجاه تنمية تعاونهما في المجال الدفاعي وذلك بتوقيعهما اتفاقية في هذا المجال، في وقت يكتسي فيه تنويع الشركاء الدوليين أهمية متزايدة للمملكة في ظلّ توجّه شريكتها التاريخية الولايات المتّحدة الأميركية نحو الانكفاء وتقليص دورها في المنطقة وتراجعها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه شركائها.
وتهدف الاتفاقية التي تمّ توقيعها على هامش لقاء جمع في العاصمة الروسية موسكو نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ووزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو “إلى تطوير مجالات التعاون العسكرية المشترك بين البلدين”، وفقا لما ذكره الأمير خالد في تغريدات له على تويتر.
وبحسب متابعين للشأن السعودي فإنّ تحرّك المملكة صوب روسيا وغيرها من القوى العالمية، في هذا التوقيت بالذات، وتوقيع مثل تلك الاتفاقية بغض النظر عن نتائجها العملية وتأثيرها في مستوى التعاون الدفاعي بين المملكة وتلك القوى، يحملان رسالة واضحة إلى الشريك الأميركي المتراجع مفادها أنّ قوى أخرى مستعدة لملء الفراغ بشكل فوري، وأن المكاسب والامتيازات الكبيرة التي حصّلتها واشنطن عبر عقود من الشراكة مع دول المنطقة ليست أبدية ولا يمكن أن تتواصل من دون مقابل.
ومن الفوائد المباشرة التي تجنيها الولايات المتّحدة من شراكتها في مجال الدفاع مع السعودية ما يتأتى لها من مبالغ مالية ضخمة من صفقات بيع الأسلحة للمملكة، التي تعدّ أكبر مستورد للسلاح الأميركي بنسبة أربع وعشرين في المئة من مجموع صادرات الأسلحة الأميركية، وفقا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وقال الأمير خالد بن سلمان خلال زيارته إلى روسيا إنه بحث مع شويجو سبل تعزيز التعاون العسكري والدفاعي. وكتب على تويتر “التقيت معالي وزير الدفاع في روسيا الاتحادية سيرجي شويجو. ناقشنا في مباحثاتنا سُبل تعزيز التعاون العسكري والدفاعي وسعينا المشترك لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، وأبرز التحديات المشتركة التي تواجه البلدين”.
وجاءت زيارة نائب وزير الدفاع السعودي إلى موسكو في إطار مشاركته في المنتدى العسكري التقني الدولي “آرميا 2021”.
وأضاف “وقّعت مع معالي نائب وزير الدفاع الروسي الفريق أول ألكسندر فومين اتفاقية بين المملكة وروسيا الاتحادية تهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين الصديقين”.

وخلال الاجتماع مع شويجو نقل الأمير خالد عن قيادة المملكة استعدادها “لمواصلة تعزيز العلاقات التي تطورت تاريخيا بين بلدينا”، مضيفا وفقا لما أوردته وكالة سبوتنيك الروسية، “أنا على ثقة من أننا سنواصل في المستقبل تطوير وتعزيز هذه العلاقات وتحقيق تطلعات شعبينا. وسيؤدي ذلك بدوره إلى تحسين الوضع، فضلا عن الاستقرار وتعزيز الأمن”.
وبحسب نائب وزير الدفاع السعودي فإن التعاون القائم بين بلاده وروسيا “سيسهم في استجابة مشتركة لجميع التحديات الحديثة والتي سنقوم بها معا”، مشيرا إلى أن “التحديات القائمة ستتطلب تعاونا ومجهودا أكبر من جانبنا”. كما شكر الأمير خالد شويجو على دعوته إلى المنتدى العسكري التقني الدولي آرميا 2021 واصفا إياه بأنه “حدث رائع”.
ويعقد المنتدى المذكور خلال الفترة ما بين 22 و28 أغسطس الجاري في مدينة كوبينكا بضواحي العاصمة الروسية موسكو وسط مشاركة دولية واسعة.
والسعودية وروسيا شريكان كبيران في مجال النفط وكان لهما دور حاسم في إعادة التوازن إلى أسواقه وتعديل أسعاره، عندما شهدت العام الماضي اضطرابا كبيرا أدى إلى تهاوي الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
رسالة سعوية إلى الولايات المتّحدة بأن الامتيازات والمكاسب تظل استحقاقا لمن يحترم التزاماته إزاء المملكة واستقرارها
وفي ظلّ سياسة سعودية خارجية تتضّح معالمها بالتدريج وتقوم على ربط علاقات أوثق مع أكبر عدد ممكن من القوى العالمية بهدف تبادل المنافع الاقتصادية والعلمية والخبرات الدفاعية والأمنية معها، شهدت علاقات المملكة مع روسيا قفزات نوعية خلال السنوات الأخيرة توّجت بقيام الملك سلمان بن عبدالعزيز بأول زيارة له إلى موسكو في خريف سنة 2017.
وتبدو دوافع السعودية لتنويع شركائها الدوليين اليوم أقوى مما كانت عليه سابقا بعد أن تلقت مثل أغلب دول المنطقة إشارات سلبية من واشنطن تجلّت في سلسلة السياسات والمواقف الصادرة عن الإدارة الديمقراطية بقيادة الرئيس جو بايدن، والتي انطوت على قدر كبير من التساهل والمرونة إزاء إيران ووصلت في بعض الأحيان حدّ التضارب مع المصلحة السعودية، وهو ما تجسّد قبل أشهر في قرار إدارة بايدن سحب معدّات دفاعية بينها بطاريات صواريخ باتريوت من المملكة ودول أخرى في المنطقة، الأمر الذي قرأ فيه البعض تراجعا عن التزام الولايات المتّحدة بأمن حليفتها السعودية خصوصا وأنّ القرار جاء في وقت تتعرّض فيه المملكة لتهديدات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي تزوّد بها إيران وكلاءها الحوثيين في اليمن.
ويقول خبراء الشؤون العسكرية والدفاعية إنّ خطوة سحب بطاريات الباتريوت قد تكون حفّزت السعوديين أكثر من أي وقت مضى للبحث عن بديل لمنظومات الدفاع الأميركية، وهو ما يتوفّر تحديدا في السوق الروسية.
ويرى هؤلاء أنّ الصرامة التي أظهرتها الولايات المتّحدة إزاء شركائها الذين يتّجهون نحو الاستعاضة عن معدّاتها الدفاعية بمنظومات روسية، على غرار ما أقدمت عليه تركيا العضو في حلف الناتو لا تمنع الرياض من إعادة إحياء صفقة منظومة أس 400 التي دار الحديث عنها في فترات سابقة قبل أن يتراجع ويخفت، وذلك بالاستناد إلى التهديدات الحقيقية التي تتعرض لها المملكة من قبل أذرع إيران في المنطقة وتحديدا الحوثيين الذين يشنون هجمات مستمرة على أراضيها باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية.
ولا يمكن للسعودية، بحسب هؤلاء، أن تبقي مسألة الدفاع عن أراضيها وحماية مجالها رهن مزاجية الإدارات الأميركية المتعاقبة، معتبرين أنه من المنطقي أن تُخضع صفقات التسلّح التي تكلّفها أموالا طائلة لمعيار الحاجات الدفاعية والرغبة في الحصول على أحدث التقنيات وأكثرها فاعلية بغض النظر عن أي اعتبارات وارتباطات أخرى.
وسبق لمصادر سعودية وروسية أن كشفت في فبراير 2018 عن وجود مفاوضات بين الجانبين وصفت بالمتقدّمة لبيع منظومات الدفاع الجوي الروسية أس 400 إلى المملكة.