تعاون مصري - ألماني للحفاظ على إرث أعظم الفراعنة

حفائر المشروع أسفرت خلال الـ25 سنة الماضية عن العثور على أعداد كبيرة من التماثيل والقطع الأثرية.
الاثنين 2024/02/26
ترميم يستعيد أهم فترات مصر القديمة

الأقصر (مصر)- على مدار 25 عاما مضت وحتى اليوم، تتواصل جهود فريق كبير من علماء المصريات والآثاريين والمرممين والعمال، الذين يعملون جميعا في مشروع ضخم يستهدف الحفاظ على إرث الملك أمنحتب الثالث في جبانة طيبة القديمة بالبر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر.

المشروع الذي تقوده عالمة المصريات الأكاديمية هوريج سوروزيان، يحمل اسم “مشروع ترميم تمثالي ممنون ومعبد أمنحتب الثالث”، ويجري تنفيذه في إطار التعاون بين وزارة السياحة والآثار المصرية والمعهد الألماني للآثار في القاهرة.

وبحسب وزارة السياحة والآثار المصرية، فإن حفائر “مشروع ترميم تمثالي ممنون ومعبد أمنحتب الثالث”، أسفرت خلال الـ25 سنة الماضية، عن العثور على أعداد كبيرة من التماثيل والقطع الأثرية مثل تماثيل الربة سخمت آلهة الحرب والضراوة في مصر القديمة، والتي تجسد كسيدة برأس لبؤة جالسة على العرش أو واقفة، وقطع من تماثيل ضخمة جرى تجميعها وإعادة تركيبها في المعبد الذي شهد مشاريع عدة لإعادة جمع وترميم وتركيب تماثيل تزن العشرات من الأطنان.

ويواصل العاملون بالمشروع أعمال الحفر والتنقيب الأثري، بجانب عمليات الترميم والحماية وإعادة التركيب لما يجري اكتشافه من تماثيل ولوحات وقطع أثرية في الموقع المحدد لها بالمعبد.

◙ عصر الملك أمنحتب الثالث يُعتبر واحدا من أعظم عصور الفن في مصر القديمة قاطبة وفي سجل تاريخ الفن العالمي

وتقول دراسة علمية للدكتورة هوریج سوروزیان، بعنوان “إرث أمنحتب الثالث في طيبة”، نوقشت أخيرا في مؤتمر أثري دولي استضافته مدينة الأقصر، إن عهد أمنحتب الثالث (حوالي 1390 – 1353 قبل الميلاد) يُمثل ذروة الإنتاج الفني للورش الملكية القديمة. وأن تلك الفترة من تاريخ مصر القديمة، كانت تواكب ذروة الحضارة المصرية القديمة، مع التوسع الإقليمي الكبير، والثروة الوفيرة، والأمن والسلام الذي شهدته مصر في عهد الملك أمنحتب الثالث.

وتشير سوروزیان في دراستها إلى أن معبد الملك أمنحتب الثالث في طيبة، عاصمة مصر القديمة على مدار قرون، هو الأكبر من نوعه بين مجموعة المقابر التي شيدها ملوك وملكات مصر القديمة على الضفة الغربية لنهر النيل والأكثر ثراء.

وأوضحت أن مكونات المعبد الذي ضربه زلزال عنيف في عام 1200 قبل الميلاد، بعد حوالي 150 عاما من إنشائه، استخدمت كمحجر لمواقع البناء المحيطة، بدءا من المعبد الجنائزي المجاور للملك مرنبتاح حتى العصر الروماني وما بعده.

وبينت أن التماثيل الضخمة لأمنحتب الثالث المعروفة اليوم باسم “تمثالي ممنون” هي الآثار الوحيدة المتبقية في مكانها الأصلي بمنطقة المعبد الشاسعة.

وبحسب الدراسة، فإن على الرغم من الدمار وأعمال النهب والتعديات واستخدام المعبد كمحجر، فقد كشفت أعمال الحفائر التي جرت في موقع المعبد المنهار عن مجموعة غير عادية من المنحوتات الملكية والإلهية الضخمة، حيث تم العثور على معظمها كقطع، وتمت إعادة تجميعها وترميمها خلال 25 عاما من العمل في مشروع ترميم تمثالي ممنون ومعبد أمنحتب الثالث.

◙ التماثيل الضخمة لأمنحتب الثالث هي الآثار الوحيدة المتبقية في مكانها الأصلي بمنطقة المعبد الشاسعة
التماثيل الضخمة لأمنحتب الثالث هي الآثار الوحيدة المتبقية في مكانها الأصلي بمنطقة المعبد الشاسعة

وأكدت الدراسة الحاجة الملحة إلى مواصلة العمل من أجل الحفاظ على الإرث الغني للملك أمنحتب الثالث والمواقع الأثرية المهددة بالزوال.

وقال المدير العام الأسبق لمنطقة آثار الأقصر ومصر العليا الأثري محمد يحيى عويضة إن عصر الملك أمنحتب الثالث يُعتبر واحدا من أعظم عصور الفن في مصر القديمة قاطبة، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، وواحدا من أعظم عصور الفن في تاريخ العالم القديم، وأيضا في سجل تاريخ الفن العالمي.

ولفت عويضة إلى أن الكثير مما سجلته لنا النقوش والرسوم التي تزين المعابد والمقابر التي شيدت في عهد أمنحتب الثالث تبين أن مصر عاشت في تلك الفترة حالة من الازدهار الكبير، وذلك بعد أن استتب الأمن في الإمبراطورية وتجمعت في مصر ثروات العالم القديم لإرضاء فرعونها، وبدأت مصر تجني ثمار حروبها التي خاضتها سواء في آسيا الصغرى أو في النوبة.

كل هذا نراه واضحا في الفن وفي العمارة. في العمارة الدينية عندما نشاهد معبد الأقصر سواء في تخطيطه أو في جمال نقوشه ومناظره. وفي مقابر الأفراد عندما نشاهد بعض المقابر التي ترجع لعصر أمنحتب الثالث مثل مقبرة الوزير رعمس ومقبرة “خرو – إف” وهو أحد كبار رجال الدولة في عهد أمنحتب الثالث، وكلها تشهد بجمال المناظر ورقتها، وتدل على براعة الفنان المصري الذي استطاع أن يسجل هذه الروائع من رسوم ونقوش ملونة أو غير ملونة على جدران مقابر هذا العصر.

وتدلنا المصادر التاريخية على أن الملك أمنحتب الثالث، هو أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة، وقد تزوج في السنة الثانية من حكمه من سيدة من عامة الشعب، ليست من السلالة الملكية، وكان لها أثرها الكبير في تاريخ الإمبراطورية سواء في حياة زوجها أو حياة الملك أمنحتب الرابع الذي عُرف باسم أخناتون.

وقد كان أمنحتب الثالث أشهر فراعنة مصر والعالم القديم، وواحدا من أعظم حكام مصر على مر التاريخ. وقد عُرف باهتمامه الكبير بالعمارة والتشييد والفن، وحرصه على ترميم ودراسة آثار أجداده من الملوك الأقدمين ملوك مصر السابقين، وكذلك تعديل المباني الدينية في طيبة، وشهد عهده رخاء وازدهارا كبيرين ليس لهما مثيل.

يُذكر أن مشروع ترميم تمثالي ممنون ومعبد الملك أمنحتب الثالث، كان قد بدأ العمل به في عام 1998 بهدف الحفاظ على بقايا المعبد وإعادة بنائه من جديد، وقد عثرت البعثة من قبل على العديد من التماثيل الضخمة للإلهة سخمت وللملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي. ومن المعروف أن الملك أمنحتب الثالث كان قد أقام معبده الجنائزي الذي أطلق عليه اسم معبد ملايين السنين بالبر الغربي بالأقصر، ولكنه تعرض للتدمير نتيجة لزلزال مدمر اجتاح البلاد خلال العصور المصرية القديمة.

12