تطمينات أميركية لمصر في أزمتي السد وليبيا تعيد التوازن إلى العلاقات

زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي إلى مصر وضعت النقاط أعلى وأسفل الحروف في علاقة الولايات المتحدة بمصر.
الخميس 2021/09/30
مساع لإعادة بناء الثقة

القاهرة - تحرص الإدارة الأميركية وهي تلملم بعض أوراقها في منطقة الشرق الأوسط على ضبط علاقاتها بحلفائها الرئيسيين، في مقدمتهم مصر التي بدت متوجسة من تصورات واشنطن الإقليمية ولم تتلق منها الدعم الذي كانت تنتظره في أزمتي سد النهضة وليبيا، بينما حافظ التعاون العسكري والأمني على وتيرة جيدة.

وقرأت القاهرة جولة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى كل من مصر والسعودية والإمارات على أنها تهدف إلى ضبط التوازن بين واشنطن وهؤلاء الشركاء المهمين، ورسم الخطوط العريضة لشكل العلاقة في المستقبل.

ويمكن أن تؤرخ زيارة سوليفان للقاهرة الأربعاء لشكل جديد في العلاقة التي بدأت ملامحها تظهر بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومنحت خلالها واشنطن لمصر هامشا للحركة في القضية الفلسطينية، حاولت القاهرة توظيفه لمنع تدهور الأمن في المنطقة، وهو الهدف الذي يلقى قبولا مشتركا من الجانبين.

وأكد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي أن الولايات المتحدة تشعر بحالة من التعثر الاستراتيجي بعد الخروج من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان عليها، وتبحث بجدية في إعادة مصداقيتها مع دولة محورية في الشرق الأوسط، ووجدت في علاقتها بمصر حلا مثاليا لأن تكون حليفا قويا لها في الإقليم.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن لقاء الرئيس السيسي ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أكد أن العلاقة بين البلدين فيها قدر كبير من المكاشفة، في ظل نظام دولي يميل إلى توصيل الرسائل بقوة ووضوح، وهو ما فعلته مصر، حيث استثمرت اللقاء في توصيل رسائل صارمة عن الأزمة في ليبيا وملف سد النهضة، لوضع الولايات المتحدة أمام مسؤولياتها الدولية فيهما.

ولفت إلى أن خطاب القاهرة كان حاسما هذه المرة مع المسؤول الأميركي، وأبلغته بأنها مارست الصبر الطويل في ليبيا ومع إثيوبيا، وإذا أرادت واشنطن بناء علاقة قوية معها عليها أن تتعامل مع الملفين بنفس القدر من الحسم، لا الاستنتاجات الخاطئة.

وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” أن مصر التقطت مبكرا الخيط منذ حرب غزة وواصلت تحركاتها لتثبيت التهدئة وعودة القضية الفلسطينية لمسار التفاوض، غير أن الدعم الأميركي بدا شحيحا، وهو ما اعتبر إشارة سلبية وأنها غير مستعدة لتوفير الدعم الكافي، واتضحت معالم ذلك في عدم ذهاب مصر إلى أبعد من وقف النار في غزة.

محمد العرابي: واشنطن في حاجة إلى دولة محورية في الشرق الأوسط

وأكدت المصادر ذاتها أن زيارة سوليفان وضعت النقاط أعلى وأسفل الحروف في علاقة الولايات المتحدة بمصر، ورسمت المحددات الرئيسية التي سوف تسير عليها لاحقا، إذ تحتاج الأولى ما يشبه “الوكيل الإقليمي” الموثوق به للحفاظ على مصالحها، مقابل توفير درجة مناسبة من الدعم في القضايا التي تمثل إزعاجا لمصر.

وألمحت المصادر إلى أن أطر التعاون الجديدة تتطلب زيادة التنسيق مع إسرائيل في بعض الملفات الإقليمية، وضرورة أن تتخذ القاهرة موقفا أكثر صرامة من طهران.

وأجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأربعاء مباحثات مع مستشار سوليفان بالقاهرة، تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وحضر اللقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ومنسق الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكجورك، وكبيرة مستشاري مستشار الأمن القومي الأميركي أريانا برينجورت، ورئيس إدارة شمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأميركي جوشوا هاريس، ونائبة سفير الولايات المتحدة بالقاهرة نيكول شامبين.

وأجرى الوفد الأميركي مباحثات مفصلة في مقر وزارة الخارجية المصرية، ستظهر نتائجها الفترة المقبلة في القضايا محل الاهتمام.

وأكد السيسي حرص بلاده على تعزيز وتدعيم الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لاسيما على الصعيدين الأمني والعسكري، وهي شراكة أسهمت على مدى أربعة عقود في جهود الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط.

ولا تريد الحكومة المصرية أن يكون ملف الحريات وحقوق الإنسان وما يدور حوله من انتقادات من جهات أميركية متعددة منغصا للعلاقة بين البلدين، ويحاول كلاهما تخفيف وطأته السياسية، وتتعامل معه واشنطن بقدر من المرونة، بينما تسعى القاهرة إلى اتخاذ خطوات تجعلها أكثر تجاوبا مع المطالب الرامية إلى إدخال إصلاحات عليه.

وأشار سوليفان إلى تطلع واشنطن إلى تعزيز التنسيق والتعاون الاستراتيجي القائم مع القاهرة وتطويره في المرحلة المقبلة، “في ضوء الدور المصري المحوري والمتزن في المنطقة الذي بات عاملا أساسيا لنجاح جهود تحقيق الأمن والاستقرار والسلام”.

وجدد مستشار الأمن القومي الأميركي التزام إدارة جو بايدن ببذل الجهود لضمان الأمن المائي المصري على نحو يحفظ الحقوق المائية والتنموية لكافة الأطراف، وذلك عقب تأكيد السيسي بحسم خلال المباحثات أن القاهرة “لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بها، وعلى المجتمع الدولي القيام بدوره في هذه القضية”.

وتم التوافق على تكثيف التنسيق بين الجانبين ومع الشركاء الدوليين بشأن الترتيبات المتعلقة بالانتخابات المقبلة في ليبيا، وسحب القوات الأجنبية والمرتزقة، وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية.

وتولي القاهرة أهمية لنجاح المسار السياسي وسحب جميع القوات الأجنبية من ليبيا، وتدعم التحرك سريعا نحو توحيد المؤسسة العسكرية، وتشدد على ضرورة إجراء الانتخابات العامة في موعدها المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل.

وذكر بيان للبيت الأبيض في وقت سابق أن سوليفان يزور القاهرة لبحث دعم الانتخابات الليبية، والأمن الإقليمي، بما في ذلك القرن الأفريقي، وذكر أنه سيناقش دور مصر في تعزيز الأمن والرخاء لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وتقدر الولايات المتحدة الجهود المصرية في وقف الحرب على غزة في مايو الماضي، ومنع تفاقم الموقف العسكري بين إسرائيل وحماس، وتحرص على دعم القاهرة لضمان استمرار تثبيت التهدئة وتحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية لسكان القطاع.

وشدد السيسي على أن حل القضية الفلسطينية وفق المرجعيات الدولية واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، سيكون لهما مردود كبير ينعكس على تطور وتغيير واقع المنطقة بأسرها إلى الأفضل، ويفتح آفاق السلام والتعاون والتنمية.

2