تصريحات قرداحي تسرّع خطوات فكّ السيطرة اللبنانية على الإعلام السعودي

ارتدادات تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي هاجم فيها السعودية، تعجّل خطوات توطين الإعلام السعودي وتسلط الضوء على السيطرة اللبنانية على وسائل الإعلام السعودية، خاصة أن قرداحي “صناعة إعلامية سعودية بامتياز”.
الرياض – استنكر رئيس مجلس إدارة مجموعة “أم.بي.سي” الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم المواقف الأخيرة التي أطلقها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في مقابلات تلفزيونية، معتبرا أن المواقف الصادرة عن قرداحي مستغربة جدا وغير مقبولة بتاتا.
وأضاف “وهي لا تُعبّر إلا عن الآراء السياسية المنحازة والمنحرفة لمطلقيها، والمجحفة بحق ثوابتنا وتضحياتنا ومواجهتنا شبه اليومية للاعتداءات الإرهابية على أهلنا وأراضينا في السعودية، والعابرة للحدود والقيود، في لبنان واليمن والعراق وغيرها من الدول العربية التي تخضع لمنطق الإرهاب وسطوة السلاح”.
وأثار تصريح قرداحي الذي وصف فيه الحرب الدائرة في اليمن منذ سبع سنوات بـ”العبثية”، أزمة دبلوماسية بين بيروت ودول خليجية، وما زالت تداعياته السياسية مستمرة. وكان قرداحي الذي يعود الفضل لأم.بي.سي في صناعة نجوميّته، قال في برنامج تنتجه شبكة الجزيرة القطرية تمّ تسجيله قبل توليه منصبه، إن ما يفعله الحوثيون “دفاع عن النفس في مواجهة اعتداء خارجي تنفّذه السعودية والإمارات”.
وتعرّض قرداحي لانتقادات سعودية لاذعة، لكنه ردّ بأنه لا يحق لأحد أن يملي عليه شيئا، سواء في ما يخص الاعتذار أو الاستقالة، وقال إنه “وزير في حكومة بلد مستقل وله سيادة”. وأكّدت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان أن الكلام الصادر عن قرداحي لا يعكس موقف الحكومة اللبنانية المتمسّك بروابط الأخوة مع الدول العربية.
ولا يستبعد مراقبون التحاق قرداحي بمعسكر الإعلام القطري إذا تمت إقالته من منصبه أو أجبر على الاستقالة، مثلما حدث مع بعض الإعلاميين السابقين الذين كانوا محسوبين على الإعلام السعودي.
ويقول مراقبون إن البعض من الإعلام السعودي الخارجي مخترق اختراقا ممنهجا من قبل أناس لهم أجندات مستقبلية. ويطالبون بفك السيطرة اللبنانية على الإعلام السعودي خصوصا والإعلام الخليجي عموما. وضرب بعضهم أمثلة تتجسّد في سيطرة كوادر لبنانية على مؤسسات إعلامية ضخمة في الخليج.
ويطالب سعوديون على تويتر، الموقع الأكثر استخداما في البلاد والذي يتشكّل فيه الرأي العام السعودي ككل، بإنهاء عقود الإعلاميين اللبنانيين في مؤسسات الإعلام السعودية، معتبرين أن تلك القنوات صنعت منهم نجوما، فيما هم يكنّون العداء للسعودية.
ويعتبر مغردون أن “توطين الإعلام المحسوب على السعودية أصبح ضرورة قصوى، في ضوء التحديّات التي تواجه بلادهم”.
من جانبها، قالت صحيفة “عكاظ” السعودية إن إدارة مجموعة “أم.بي.سي” الإعلامية المملوكة للحكومة السعودية تتجه إلى إغلاق مكاتبها في لبنان نهائيا، ونقل معداتها إلى الرياض.
وانتشرت أخبار تفيد بأنّ شركة وتلفزيون العرب “أم.بي.سي” أغلقت مكاتبها في لبنان نهائيا، وستُغادر بمعداتها وموظفيها إلى السعودية، الأمر الذي دفع إلى ربط عملية الإغلاق بالمواقف التي أطلقها قرداحي، ولم يصدُر أي توضيح من الجهة المعنية بعد انتشار هذا الخبر على نحو واسع، إلّا أنّه من المعلوم أنّ عمليّة الانتقال إلى الرياض قرار قديم وقد تمّت المباشرة بتنفيذه منذ فترة، إذ بدأ العمل على التحضير لعدد من البرامج الترفيهية والفنيّة التي كانت تُصوَّر في لبنان ليتمّ تصويرها في الرياض.
ولفتت المصادر إلى أنّ “الإقفال النهائي لمكاتب أم.بي.سي في لبنان لم يُستكمَل بعد، أقلّه حتى هذه اللحظة”، مشيرة إلى أنّ “هناك عددا من البرامج الفنيّة تجري الاستعدادات لتصويرها في لبنان كبرنامج ‘عراق أيدول”، ولكنّ المصادر تعود وتلفت إلى أنّ “لا شيء ثابتا والتغيير وارد في أي لحظة”.
وكانت مصادر قالت قبل تصريحات قرداحي إن جدلا يسود مكتب بيروت، المحرك الأساسي لمجموعة “أم.بي.سي”، بعد عدد من الرسائل الإلكترونية وصلت إلى بعض العاملين من إدارة الموظفين، تخيّرهم فيها بين السفر إلى الرياض لمتابعة أعمالهم أو الاستقالة.
وتعتبر مجموعة “أم.بي.سي” حجر الزاوية في القوة الناعمة السعودية. وقد سعت الرياض إلى استخدام قوتها المالية في وسائل الإعلام العربية لتشكيل الحوار السياسي في المنطقة المضطربة.
وبدأت قناة “أم.بي.سي” بثّها للمرة الأولى في عام 1991، وأطلقت منذ ذلك الحين 20 محطة تلفزيونية ومحطتي راديو.
وفي السنوات القليلة الماضية، أطلقت عدة قنوات متفرّعة موجهّة تحديدا إلى بلدان عربية على غرار “أم.بي.سي مصر” و”أم.بي.سي العراق” و”أم بي.سي 5″ (المغرب)، الغرض منها ترفيهي بالأساس وليس سياسيا، لكنها تهدف إلى كسب القلوب والعقول.
كما حققت مجموعة “أم.بي.سي” إنجازا عالميا العام الماضي، حيث حلّت ضمن قائمة الشركات الإعلامية الـ20 الأكثر مشاهدة حول العالم لمحتوى الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت مجموعة “أم.بي.سي” في بيان إن المجموعة وصلت إلى هذا التصنيف العالمي بعد أن حققت 2.5 مليار مشاهدة عبر المنصّات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي خلال أبريل 2020، وفقا لأحدث النتائج الصادرة عن Tubular Labs العالمية.
وفي يونيو 2020، أعلنت أكاديمية “أم.بي.سي” عن بدء استقبال طلبات الشباب والشابات السعوديين والسعوديات، ممن لديهم رغبة بالعمل في التلفزيون والأفلام والراديو والمسرح والإنتاج والتصوير والموسيقى والإضاءة والتحرير والمحتوى والكوميديا، وذلك بهدف إعداد وتطوير جيل من المبدعين ليكون خير ممثّل للسعودية في قطاعات الإنتاج والإعلام والترفيه.
وقال الشيخ وليد بن إبراهيم رئيس مجلس إدارة مجموعة “أم.بي.سي”، “إن كتابة قصصنا الخاصة التي تُعنى بمنطقتنا وثقافتنا وإرثنا الحضاري القيّم، وروايتها للعالم بطريقتنا هي إحدى أبرز مهامنا كمجموعة إعلامية رائدة في المنطقة”.
يذكر أنه مع بداية عام 2022، تبدأ بشكل رسمي معظم المؤسسات الإعلامية السعودية العمل من الرياض. والواضح أن الخطة الخاصة بنقل مراكز هذه المؤسسات إلى الرياض تسابق الزمن لتبدأ نشاطها الفعلي.
يذكر أنّ وكالة “بلومبيرغ” الأميركية سبق وكشفت منذ فترة أن قنوات الأخبار السعودية، بالإضافة إلى مجموعة “أم.بي.سي”، بدأت بنقل عملياتها من مدينة دبي إلى العاصمة السعودية الرياض.
ونقلت عن عاملين في قناتي “العربية” و”الحدث” قولهم إنّهم أبلغوا بخطط الانتقال إلى الرياض من دبي، وإنّ هذه الخطوة ستتم على ثلاث مراحل؛ الأولى بربط أستوديوهات الرياض بتلك الموجودة في مدينة الإنتاج الإعلامي في دبي، أما الثانية فزيادة البث من الرياض ليصل إلى 12 ساعة يوميا بحلول أوائل يناير، وأخيرا الانتقال والبث الكامل من السعودية.
ونقلت “بلومبيرغ” عن سام بارنيت، الرئيس التنفيذي لمجموعة “أم.بي.سي” قوله إن خطط الشبكة السعودية لإنشاء مقرّ جديد في الرياض، التي أعلن عنها العام الماضي، “تسير في طريقها الصحيح”.
وقبل عام تقريبا، اتخذت شركة “روتانا” للصوتيات والمرئيات قرارا نهائيا بالانتقال إلى الرياض، وذلك بعد سنوات طويلة من محاولة الشركة تثبيت جهودها داخل المملكة، حتى حُسم الأمر بعد تولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زمام الأمور في البلاد، وأوكل إلى مستشاره الفني تركي آل الشيخ المهمة، وفي اعتقاد الجميع أن “الخطة” نجحت، وأصبحت الشركات التي حملت لعقود “الهوية” السعودية في موطنها الأصلي بعد هجرة استمرت ثلاثة عقود.