تسريب قصة الانقلاب: انزعاج قطر من عداء قيس سعيد للنهضة

تونس - نشر موقع بريطاني مقرب من قطر تسريبا عن مزاعم “انقلاب” تدبره الرئاسة التونسية ضد الحكومة الحالية، في حركة اعتبر مراقبون أنها تظهر انزعاجا قطريا من الرئيس قيس سعيد بعد زيارته الأخيرة إلى مصر وتصريحاته القوية ضد الإسلام السياسي، ثم زيارته إلى باريس التي قال فيها إن الظروف غير ملائمة في تونس للاستثمارات، ما عدّ استهدافا مباشرا للحكومة التي يسيطر عليها الإسلاميون.
وفيما نفى مصدر من رئاسة الجمهورية وجود هذه الوثيقة اعتبرت أوساط تونسية أن الأمر لا يحتاج إلى نفي رسمي أو تعليق من أي دائرة داخل مؤسسة الرئاسة، مشيرة إلى أن الإسلاميين يريدون جر قيس سعيد إلى جدل التصريحات والتصريحات المضادة ليستعملوه في معركة الضغط عليه ودفعه إلى الزاوية.
وأضافت هذه الأوساط أن الرسالة المسربة لا تحمل توقيع الرئيس سعيد ولا تعبر عن أسلوبه في الكتابة أو الكلام، وهي أقرب إلى بالون اختبار جديد شبيه بالتسريبات السابقة بشأن حملته الانتخابية. لكن الجديد أن التسريب ليس في وسيلة إعلام محلية أو في شريط فيديو موجه للتونسيين، بل في موقع بريطاني محسوب على قطر، وهو ما يعني أن الإسلاميين يستندون إلى علاقتهم بالدوحة لتصعيد الحملة على قيس سعيد.
ونشر موقع “ميدل إيست آي”، الذي يديره الصحافي البريطاني ديفيد هيرست أحد أهم المدافعين عن سياسة قطر، وثيقة قال إنها “مسربة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، يعود تاريخها إلى الثالث عشر من مايو، تتحدث عن تدبير انقلاب في تونس”.
ووفق الوثيقة “حث خبراء الرئيس قيس سعيد على تفعيل الفصل (المادة) 80 من الدستور وإعلان الحالة الاستثنائية كأداة لتركيز جميع السلطات بيد رئيس الجمهورية”.
ويقول متابعون للشأن التونسي إن الرسالة تظهر تغيرا في مزاج قطر تجاه قيس سعيد بعد أن استقبلته في زيارة سابقة وأغدقت عليه بوعود الدعم وكرمته بإنشاء رابطة دولية لفقهاء القانون الدستوري وأسندت إليه منصب رئاستها على أن تعقد هذه الرابطة مؤتمرها السنوي الأول في تونس في شهر نوفمبر من العام الحالي.
ويشير المتابعون إلى أن استقبال الرئيس سعيد في الدوحة كان هدفه تهدئة خلافه مع حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، وأن قطر عملت على بناء تحالف بين الطرفين، وحين استمر قيس سعيد في توجيه انتقاداته اللاذعة للنهضة والغنوشي والحكومة التي يسيطر عليها الإسلاميون، راجعت قطر موقفها، وأوقفت كل وعودها.
ولم يستبعد هؤلاء أن يكون التسريب ردةَ فعل مباشرة على زيارة قيس سعيد إلى مصر وتصريحاته القوية ضد الإسلام السياسي وخاصة تخصيصه بالذكر اتحاد علماء المسلمين، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي تحتضنه قطر.
وبعد يوم من زيارته للقاهرة قال قيس سعيد في كلمة له بجامع الزيتونة إن “القرآن توجّه للمسلمين وليس للإسلاميين ولا لجمعية اتحاد علماء المسلمين”، في ربط واضح بالضجة التي أثيرت بشأن زيارته إلى مصر، والتي سعت إلى تخوينه وربطه بأجندة إقليمية للتصعيد مع الإسلاميين.

وما أثار الغضب من الزيارة هو حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن “تعاون مصري تونسي لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف”، وعن “ضرورة تعزيز سبل مكافحة الإرهاب بكل جوانبه”، وهو ما فُهم على أن المقصود به جماعة الإخوان المسلمين وفروعها المختلفة في المنطقة.
وعلى هامش زيارة الغنوشي الأخيرة إلى الدوحة تم الترويج لإشاعة تزعم أن قيس سعيد رفض استقبال الدعم القطري واشترط أن يكون ذلك بعد استقالة حكومة هشام المشيشي.
وقلل غازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي (حزام الرئيس سعيد) من قيمة الرسالة المسربة، معتبرا أنها “وثيقة مجهولة الهوية لا خط فيها ولا إمضاء، ولا يجب أن نعتمدها بصفة جدية، ولا أعتقد أن لها علاقة بالقصر”.
وأضاف الشواشي في تصريح لـ”العرب” أن “من يعتقد أن الرئيس يمكنه الانقلاب على الشرعية أو على مؤسسات الدولة أو على إرادة الشعب بتفعيله لمقتضيات الفصل 80 من الدستور أو استغلال هذه الآلية لنفس الغاية فهو واهم”، مشددا على أن “قيس سعيد رجل قانون دستوري ولا أعتقد أنه يفكّر في انقلاب”.
ورجح أن “تكون الوثيقة مفبركة والأطراف التي نشرتها غايتها تعميق الأزمة بين الرئيس والحكومة والبرلمان، ويجب ألا نعطيها أي قيمة خصوصا من الناس العقلاء الذين يبحثون عن حلول لتقريب وجهات النظر بين التونسيين”.
في المقابل اعتبر المتحدث باسم حركة النهضة فتحي العيادي أن “الوثيقة تؤشّر على مصداقيتها من خلال ما كُتب فيها والأفكار التي عبّرت عنها متداولة في أكثر من مناسبة (دعوات تفعيل الفصل 80)”.
وأضاف العيادي، في تصريح لـ”العرب”، “على الرئيس أن يخرج في خطاب ليؤكد على سلامة المسار”، مؤكدا “نحن لا نتهم قيس سعيّد ولكن المطلوب بثّ حالة من الثقة ومحاصرة الإشاعة والاتهامات”.
وحول وقوف حركة النهضة من عدمه وراء تسريب الوثيقة قال العيادي “نحن لا نسرّب هذه الوثيقة”، متسائلا “كيف يمكن أن نسرّبها ونحن لا نؤمن بالفصل 80؟”.
واقترحت الوثيقة لتنفيذ تفعيل الفصل 80 “الدعوة لانعقاد مجلس أمن قومي مستعجل، ودعوة كبار المسؤولين لحضوره من بينهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي”، على أن “ترفع الجلسة بعد ذلك، دون السماح للحضور بمغادرة قصر قرطاج، ويتولى رئيس الدولة التوجه بكلمة للشعب بحضور رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة للإعلان عن التدابير الاستثنائية”.
ويتم نشر “القوات المسلحة على مداخل المدن والمرافق الحيوية وفي الوقت ذاته سيتم وضع الأشخاص الرئيسيين تحت الإقامة الجبرية”.