تركيا تنتقد تقرير حقوق الإنسان الأميركي.. لكنها تعجز عن دحضه

يستعرض التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية بخصوص الممارسات المتعلقة بحقوق الإنسان في تركيا خلال العام 2019 الانتهاكات التي وردت في تقارير سابقة بشأن هذا البلد، من بينها الاختفاءات القسرية والتقويض المنهجي لاستقلال القضاء والقيود المفروضة على المجتمع المدني بما في ذلك احتجاز المئات من الصحافيين.
وعلى غرار ردودها على التقارير السابقة بشأن حقوق الإنسان في تركيا، نددت وزارة الخارجية التركية بتقرير نظيرتها الأميركية، ووصفته بأنه “بعيد كل البعد عن الموضوعية، وله دوافع سياسية، ويحتوي على اتهامات لا أساس لها تستند إلى مصادر غامضة”، لكن لم تقدم في المقابل حججا قوية تدحض ما جاء فيه من انتهاكات موثقة.
يقول الملخص التنفيذي للتقرير، الذي يُقدم سنويا إلى الكونغرس بشأن 193 دولة في العالم “منذ محاولة الانقلاب التي جرت في العام 2016، فصلت السلطات أو أوقفت عن العمل ما يربو على 45 ألف فرد من أفراد الشرطة والجيش وما يزيد على 130 ألف موظف حكومي، وفصلت ثلث العاملين بالجهاز القضائي واعتقلت أو سجنت أكثر من 80 ألف مواطن، وأغلقت ما يزيد على 1500 منظمة غير حكومية لأسباب تتعلق بالإرهاب”.
الاتهامات بالنفاق والتحيز السياسي باتت رد تركيا الاعتيادي على جميع الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان
تناول التقرير أيضا الحملة التي تشنها تركيا على وحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تعتبرها أنقرة تهديدا إرهابيا. وقد انتُقدت تركيا لإطلاق عملية “نبع السلام” في شهر أكتوبر من العام 2019 بسبب الهجمات التي شنتها قواتها على حلفاء النظام السوري وأسفرت عن مقتل مدنيين وتدمير بنية تحتية. ومن بين أمثلة الانتهاكات التي ذكرها التقرير قتل السياسية الكردية السورية هفرين خلف على يد فصيل أحرار الشرقية الموالي لتركيا.
رفضت تركيا هذه المزاعم بنفس اللهجة التي استخدمتها في رفض الانتقادات الأميركية التي صاحبت عملية “غصن الزيتون” في العام 2018. كانت تلك العملية العسكرية قد أسفرت عن انتزاع السيطرة على منطقة عفرين السورية من المسلحين الأكراد السوريين، الأمر الذي دفع الآلاف إلى الفرار مع بدء الفصائل الموالية لتركيا في سلب ونهب المنطقة.
ووصفت الخارجية التركية مزاعم إلحاق الضرر بالمدنيين بأنها “بعيدة كل البعد عن الواقع”. في المقابل، يؤكد آيكان أردمير، المدير البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن حكومة أردوغان استخفت مرارا بتقارير حقوق الإنسان المتعلقة بتركيا التي أصدرتها دول غربية ووصفتها بأنها تقارير “مغرضة ومتحاملة”، لكنها لم تنف قط ما تحتويه من معلومات.
وأضاف أردمير “ما تعجز أنقرة عن فعله حتى الآن هو أن تثبت عدم حدوث انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة أو عدم وجود الضحايا”، لافتا إلى أنه “علاوة على ذلك، لا يمكن أن تقدم المحاكم التركية أي أمثلة ملموسة على الإنصاف القانوني السريع والفعال للضحايا، ومن ثم لا يمكنها الطعن في النتائج التي خلص إليها التقرير بشأن ثقافة الإفلات من العقاب في تركيا”.
ويتفق نيكولاس دانفورث، الخبير المعني بشؤون تركيا في مركز سياسات الحزبين، مع الرأي القائل بأن رفض تركيا للانتقاد الخارجي لسجلاتها الخاصة بحقوق الإنسان يعتمد على رسم نفسها في صورة الضحية للتحيز ضدها والتحامل عليها.
وقال دانفورث إن “الاتهامات بالنفاق والتحيز السياسي باتت رد تركيا الاعتيادي على جميع الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان، وإن كان لا شك في أن الكثيرين بأنقرة يعتقدون حقا أن ذلك هو ما يحركها. ومع الأسف، فإن استعداد واشنطن دوما للتساهل مع حلفاء أميركا ذوي سجلات حقوق الإنسان السيئة ساهم في إعطاء مصداقية لهذا النوع من التفكير”.
وقد تجلى هذا الاتهام في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تزامنا مع نشر تقارير وزارته السنوية بشأن حقوق الإنسان. ففي كلمته التي ألقاها بالمؤتمر، كان بومبيو أكثر حرصا على استعراض الانتهاكات الحقوقية التي يمارسها الخصوم المعلنون للإدارة الأميركية، مثل إيران والصين.
تناول التقرير أيضا الحملة التي تشنها تركيا على وحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تعتبرها أنقرة تهديدا إرهابيا
وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن منتقدي الإدارة وصفوا هذا الموقف بالمسيس بسبب التأكيد المفرط على الانتهاكات الحقوقية في بعض البلدان أكثر من الأخرى. وكان السبب الذي عزت إليه الصحيفة هذا التباين هو أن الدول صاحبة السجلات الحقوقية المشينة التي يتم إغفال ذكرها يجري تجاهلها لعدم رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيا في انتقاد زعمائها.
صحيح أن تقارير وزارة الخارجية الأميركية ربما لا تتمخض عن إحداث أي تغيير في الانتهاكات الحقوقية التي تمارسها الحكومة التركية، غير أن ذلك لا يعني أن الاتهامات الواردة بها لا تستند إلى أسس وجيهة. وقال أردمير إن خصوم أردوغان في الداخل قد استشهدوا ببعض هذه الاتهامات التي أوردها التقرير الأميركي. وأضاف أن “رفض حكومة أردوغان (لتقارير حقوق الإنسان الغربية) ليست له أي أهمية على الصعيد المحلي، وخصوصا الآن في الوقت الذي يتهمه أيضا اثنان من أقرب حلفائه انشقا عن حزب العدالة والتنمية وأسس كل منهما لنفسه حزبا منفصلا بنفس انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في تقرير وزارة الخارجية الأميركية”.
فمن جانبه، وصف علي باباجان، النائب السابق لرئيس الوزراء في حكومة أردوغان، انتهاك الحقوق في تركيا بأنه “يسبب المعاناة” للشعب التركي، وذلك في كلمة ألقاها لأنصاره بمناسبة تدشين حزبه الجديد حزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) يوم الحادي عشر من شهر مارس. كما اتهم أحمد داود أوغلو، وهو أيضا حليف سابق لأردوغان، الحكومة التركية الحالية بالمحاباة والمحسوبية وتقييد حريات مواطنيها.