تركيا تحاول فرض واقع جديد في شمال غربي سوريا

في غمرة انشغال موسكو ودمشق بخطر تفشي فايروس كورونا، تحاول تركيا تغيير قواعد اللعبة في شمال غرب سوريا. ويقول محللون إن في ذلك مخاطرة كبيرة خاصة في علاقة بإرسال أنقرة لتعزيزات عسكرية وتشييد نقاط مراقبة جديدة، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من إمكانية أن يضرب الوباء المنطقة.
دمشق – تسعى تركيا لفرض واقع جديد في شمال غرب سوريا عبر اتخاذ جملة من الإجراءات بمعزل عن الجانب الروسي، الأمر الذي يضع الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان بشأن وقف إطلاق النار في محافظة إدلب ومحيطها على المحك.
وقامت القوات التركية الأحد، للمرة الخامسة على التوالي، بتسيير دوريات بشكل أحادي على طريق حلب – اللاذقية الدولي المعروف بـ“أم 4”، وترافقت هذه الخطوة مع استمرار أنقرة في حشد تعزيزات في المنطقة وإقامة نقاط عسكرية جديدة آخرها في مدينة جسر الشغور، ليصل عدد النقاط حتى الآن إلى 44 نقطة.
ويقول مراقبون إن تركيا تحاول بوضوح استغلال الأزمة التي خلفها انتشار كورونا وحالة القلق المتصاعدة لدى الجانبين الروسي والسوري من خطر تفشي الفايروس داخل مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد، والذي من شأنه أن يضعف تركيز الطرفين في مراقبة مدى امتثال أنقرة لنص الاتفاق.
ورغم تأكيد وزير الصحة السوري نزار يازجي، السبت، أن سوريا خالية من فايروس كورونا المستجد (كوفيد19-) ولم تسجل أيّ إصابة حتى الآن، إلا أن الكثيرين يتشككون في ذلك وسط إبداء منظمة الصحة العالمية مخاوف من انفجار الوباء في هذا البلد.
ودخل وقف إطلاق النار ضمن ما يسمى منطقة “بوتين – أردوغان” يومه الـ18، وسط تأكيد المرصد السوري على حدوث خروقات من قبل القوات الحكومية السورية تصاعدت وتيرتها السبت، لتستهدف أماكن في الفطيرة وسفوهن بجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، والحدادة والخضر بريف اللاذقية الشمالي.
وهناك حالة تشاؤم حيال إمكانية نجاح الاتفاق الروسي – التركي، خاصة وأن أنقرة أجبرت على السير فيه، تجنبا لمواجهة غير متكافئة مع الجانب الروسي، بعد الخسائر التي تكبدتها قواتها، وما أثاره ذلك من حالة غضب في الشارع التركي، وفي غياب دعم غربي يمكن الرهان عليه لقلب موازين القوى.
ويرى محللون أن تركيا ترى أن انشغال موسكو ودمشق بأزمة كورونا تشكل فرصة مهمة لإعادة خلط الأوراق مجددا وتعزيز وضعها الميداني، وقد لوحظ بالفعل أن تركيا تراجعت عن أحد أهم بنود الاتفاق مع الجانب الروسي ألا وهو تحييد هيئة تحرير الشام، بعد أن أظهرت في الأيام الأولى من بداية تطبيق الاتفاق عن نية لتنفيذ ذلك البند من خلال شن حملة اعتقالات طالت عناصر للتحالف الجهادي داخل أراضيها.
وفيما بدا الأمر محاولة لعدم القفز سريعا لاستنتاجات بشأن نوايا تركيا أعلنت وزارة الدفاع الروسية مؤخرا في بيان أنه “تم منح وقت إضافي للجانب التركي لاتخاذ إجراءات خاصة بتحييد التنظيمات الإرهابية، وضمان أمن الدوريات المشتركة على الطريق “أم 4”.
وأعلن الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 5 مارس الجاري، توصلهما إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب اعتبارا من السادس من الشهر ذاته وتسيير دوريات على طريق “أم 4” بعد نحو 9 أيام من ذلك التاريخ.
وجاء الاتفاق ليوقف تصعيدا خطيرا كان وشيكا خاصة بعد مقتل 33 جنديا تركيا أواخر فبراير الماضي نتيجة قصف جوي للقوات الحكومية السورية التي شرعت في عملية عسكرية خلال ديسمبر الماضي تهدف في المرحلة الأولى للسيطرة على الطريقين الدوليين “أم 4” و”أم 5”.
ويقول محللون إن مناورات تركيا ومحاولتها استغلال انشغال الجميع بأزمة كورونا والالتفاف على الاتفاق مع روسيا قد تولد كلها انفجارا يصعب السيطرة عليه، فيما اعتبر آخرون أن أنقرة تحاول كسب الوقت لكنها في الحقيقة لا تستطيع فعل الكثير لقلب المعادلة هناك، وأن تعزيز قواتها في شمال غرب سوريا يشكل خطرا حقيقيا خاصة إذا ما تفشى مرض كوفيد19- في المنطقة.
ويرى روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية التي يوجد مقرها في واشنطن أن “إرسال قوات إلى ساحات المعارك، سيعرّض الدول والجماعات التي تقوم بأعمال عنف إلى الإصابة، وبالتالي لخسائر بشرية قد تكون كارثية”.