تراكم الخسائر يقوض أنشطة التأمين التونسية

خدمة تأمين السيارات تستحوذ على أكثر من 53 بالمئة من مجموع التعويضات المدفوعة مقابل نحو 7.4 بالمئة لخدمة التأمين عن الحريق.
الخميس 2019/10/31
ضرورة مراجعة الحسابات

أكد خبراء أن تراكم الخسائر السنوية بسبب ارتفاع التعويضات يدفع شركات قطاع التأمين في تونس للبحث عن مصادر تمويل جديدة تبعدها عن دوامة المشكلات التي تعاني منها في ظل تباطؤ نشاطها نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة للبلاد.

تونس - تكشف العديد من المؤشرات عن مدى تأثر شركات قطاع التأمين في تونس من الأزمات الاقتصادية، التي تعيشها البلاد بسبب التباطؤ في إجراء الإصلاحات على أسس  مستدامة.

ويشكو القطاع منذ العام 2011 من تحديات كثيرة فاقمها ارتفاع حجم التعويضات السنوية التي تصرفها الشركات لزبائنها وخاصة تلك المتعلقة بحوادث الطرقات.

وارتفعت تكاليف نشاط الشركات إلى أكثر من الضعف خلال السنوات الأخيرة بسبب عجزها عن التأقلم مع استمرار الشلل الذي ضرب معظم القطاعات التجارية.

وتظهر أحدث البيانات الرسمية أن حجم التعويضات التي قدمتها 22 شركة تأمين تعمل في القطاع خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ نحو 635.5 مليون دينار (نحو 224 مليون دولار)، مقابل 209.8 مليون دولار بمقارنة سنوية.

وتستحوذ خدمة تأمين السيارات لوحدها على أكثر من 53 بالمئة من مجموع التعويضات المدفوعة مقابل نحو 7.4 بالمئة لخدمة التأمين عن الحريق.

ويفسر الخبير الاقتصادي معز حديدان في تصريح لـ”العرب” مكمن الخسائر لدى شركات التأمين بالقول إن “المؤسسات تسجل خسائر في المؤشرات الفنية لأن حجم التعويضات يمثل 50 بالمئة من معاملاتها، وهو ما يقوض نشاطها”.

ولتفادي المزيد من المشكلات مستقبلا، بدأت شركات التأمين في البحث جديا عن مصادر تمويل جديدة من أجل الحفاظ على استقرار نشاطها.

معز حديدان: الشركات تحاول تنويع مصادر تمويلها لتغطية التعويضات
معز حديدان: الشركات تحاول تنويع مصادر تمويلها لتغطية التعويضات

وسجلت معاملات قطاع التأمين في تونس نحو 1.33 مليار دينار(470 مليون دولار) خلال النصف الأول من هذا العام، مقابل 430 مليون دولار بمقارنة سنوية.

ويعود هذا النمو إلى تطور رقم معاملات كل من صنف التأمين على غير الحياة 7.6 بالمئة وصنف التأمين على الحياة 6.8 بالمئة.

ويؤكد حديدان أن الشركات باتت تعول كثيرا على الاستثمارات البنكية بوضع حجم المخاطر من ضمن التكاليف لتغطية حجم خسائرها.

ويُنظمُ القطاع ترسانة من التشريعات، حيث تعتمد السلطات قانونا شاملا يحدد أنشطة شركات التأمين وسقف استفادتها من القروض المصرفية.

وأوضح أن الشركات تعتمد اليوم إلى جانب أنشطتها المعتادة على تحصيل العوائد من خلال تأمين المحلات ضد الحرائق وضد السرقة.

وكانت مصادر في شركة تأمين آمي قد قالت في وقت سابق لـ”العرب” إن “شركات التأمين إذا قررت زيادة الرسوم فإنها ستعمل على حصرها في الرسوم الإجبارية مع إقرار تخفيضات في الرسوم الاختيارية التي تشمل مثلا السرقة والحرائق”.

وأكدت أن أغلب الشركات لا تسجل أرباحا نتيجة ارتفاع النفقات، في ظل الوضع الراهن خاصة في ما يتعلق بالتعويضات جراء كثرة الحوادث.

وفي محاولة لتحصيل المزيد من العوائد، يسعى قطاع التأمينات إلى الاستفادة من نظام التقاعد لأنه يصنف معاشات كافة الأفراد، الذين يتلقون رواتب شهرية بقيمة ألفي دينار للفرد (700 ألف دولار) أو أكثر عند حصولهم على التقاعد.

ويشير حديدان إلى أن هذه النقطة جعلت الكثير من الأفراد يبحثون عن مصادر إضافية كالتأمين على الحياة لضمان ارتفاع معاشاتهم في ما بعد فأقبلوا  على هذه الخدمات.

ويبدو أن قرار السلطات المتعلق بالحد من استيراد السيارات منذ بداية العام الماضي كان له تأثير كبير على نشاط التأمينات.

ويعتبر بعض وكلاء بيع السيارات وشركات التأمين في تونس القرار الهادف للحد من العجز التجاري المتفاقم ضربة جديدة في سوق كانت تسير عكس تيار الأزمات إلى جانب قطاع السياحة.

ويطالب وكلاء السيارات بمراجعة ملف توريد السيارات من خلال تحرير توريدها للضغط على الأسعار، بعد أن دخل سوق بيع السيارات في ركود غير مسبوق جراء عدة عوامل مرتبطة بالوضع الاقتصادي للبلاد.

ويقول حديدان إن تقلص استيراد السيارات مرتبط ببطء النشاط الاقتصادي، وأن تدهور القدرة الشرائية للمواطنين أدى إلى اقتصار المستهلك على الضروريات في عمليات التأمين.

وامتنع كثير من التونسيين عن الخيارات الإضافية التي توفرها لهم الشركات من تأمين معدات السيارة وتأمينها ضدّ السرقة واكتفوا بالمخاطر أي ما يعرف “بالمسؤولية المدنية في حالة ارتكاب حادث مرور”.

وتدهورت القدرة الشرائية بصفة كبيرة خلال السنوات الأخيرة ففرضت على المواطنين مراجعة بعض سلوكياتهم الحياتية والاستغناء عن بعض الخدمات في أغلب القطاعات نظرا لارتفاع الأسعار ومحدودية الدخل الفردي.

ويعاني القطاع الخاص التونسي، بما فيه شركات التأمين، من مشكلات كثيرة نظرا لعدم وجود رؤية شاملة من السلطات تنقذه من شبح الركود.

وباستثناء إعلان الحكومة في سبتمبر العام الماضي عن عدة استثمارات بين القطاعين العام والخاص، لا يوجد ما يوحي بأن الأمور تسير على ما يرام لتطوير القطاع الخاص بشكل أكبر.

10