تراجع مشروط عن استبعاد حفتر من المشهد الليبي

تونس - لا يخفى عن المتتبع للوضع في ليبيا أن المأزق السياسي الحاصل مرده المادة الثامنة من الاتفاق السياسي والتي تنص على انتقال كل المناصب السيادية لسلطة المجلس الرئاسي الذي سيتولى في ما بعد إعادة توزيع هذه المناصب بما فيها منصب القائد العام للجيش الليبي الذي يتولاه حاليا الفريق أول ركن خليفة حفتر. ولئن كثر الحديث في الفترة الماضية عن عزم المجلس الرئاسي استبعاد حفتر من المشهد بضغط من بعض الأطراف الداخلية في المجلس نفسه أو من بعض الدول الرافضة له، فإن تصريحات رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، الجمعة، جاءت لتنذر بوجود تغير في موقفهم إزاء الرجل.
وقال السراج إنه لن يتم استبعاد أي شخص من الجيش الوطني بما في ذلك القائد العسكري خليفة حفتر المتمركز في شرق ليبيا، لكنه اشترط في المقابل ضرورة الخضوع للسلطة السياسية المركزية في إشارة إلى المجلس الرئاسي.
وعكست تصريحات السراج تغيرا ملموسا في موقف المجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاقية الصخيرات المغربية من القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر الذي أعلنوا عليه حربا كلامية منذ دخولهم العاصمة طرابلس أواخر مارس الماضي، كان أبرزها اتهامه بالسعي للسيطرة على المنشآت النفطية وتصوير جيشه على أنه مجموعة من “الأزلام” أي أنصار النظام السابق الأمر الذي أثار حفيظة المؤسسة العسكرية وسكان المنطقة الشرقية الذين اعتبروا ذلك استنقاصا من قيمة الجيش الذي يحارب الإرهاب منفردا منذ أكثر من سنتين في مناطق مختلفة من البلاد لعل أبرزها مدينة بنغازي.
واعتبر مراقبون، آنذاك، أن هذه الحرب الكلامية تعكس توجها للمجلس الرئاسي الذي بات يتكون من أطراف أغلبها ضد المؤسسة العسكرية خاصة مع انسحاب علي القطراني وعمر الأسود، في استبعاد حفتر من المشهد.
وسبق للنائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي أحمد امعيتيق أن أعلن رفضه الضمني للفريق خليفة حفتر في تصريحات نقلتها صحيفة “الأهرام المصرية”، حيث قال إنه “على المجلس الرئاسي اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة”، في إشارة إلى استبعاد حفتر من المشهد السياسي. ويربط مراقبون وسياسيون تراجع المجلس الرئاسي عن قراره باستبعاد حفتر لجملة من التغيرات الداخلية والدولية.
وفي هذا الصدد، قال صالح افحيمة عضو مجلس النواب عن لجنة 6+6 (المتكونة من نواب مؤيدين ورافضين للاتفاق السياسي) في تصريح لـ”العرب” إن تغير موقف المجلس الرئاسي يعود لاصطدامه بالواقع الذي كان مغايرا تماما لما رسمته له بعض الدول وسوقته له البعثة الأممية.
ولئن بدا تفسير افحيمة منطقيا فإن مراقبين يربطون تغير موقف المجلس الرئاسي بتغير الموقف الدولي الذي بات يؤيد بقاء حفتر على رأس المؤسسة العسكرية.
وسبق للمحلل السياسي عزالدين عقيل أن أكد لـ”العرب” في وقت سابق، قرب توصل الفرقاء الليبيين لحل ينهي حالة الانقسام العاصفة بالبلاد بناء على تغير الموقف الإيطالي المدعوم أميركيا والذي بات يؤيد بقاء حفتر في المشهد المقبل. .
وشهدت ليبيا جدلا سياسيا حادا عقب دخول المجلس الرئاسي للعاصمة طرابلس وإعلان المجتمع الدولي اعترافه بحكومة الوفاق قبل أن تحظى بثقة البرلمان ما ولد مخاوف من إمكانية تواصل حالة الانقسام والتشظي حيث أصبح لليبيا ثلاث حكومات تتصارع على الحكم.
ورغم ما حمله تصريح السراج من أمل في اقتراب انتهاء أزمة الانقسام وجمع الليبيين تحت سلطة موحدة فإن سفير ليبيا لدى إيطاليا عزالدين العوامي اعتبر أنه لا معنى لهذه التصريحات ما لم يجتمع مجلس النواب ويتفق حول المسائل الخلافية العالقة ومنها مصير القائد العام للجيش الليبي ومن ثم تضمينها داخل الإعلان الدستوري.
واعتبر العوامي أن أي اتفاق سيبقى ضعيفا ويمكن أن يتم تجاوزه بسهولة ما لم تتم دسترته، داعيا مجلس النواب إلى تحمل مسؤوليته التاريخية خلال هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.
ومن جانبه رحب افحيمة في حديثه لـ”العرب” بتصريحات السراج التي وصفها بالجريئة معتبرا إياها خطوات نحو الخلف لن تكون الأخيرة، معتبرا أن الخطوة القادمة لأعضاء المجلس الرئاسي يجب أن تتعلق بمثولهم أمام مجلس النواب الذي سيعمل على منحهم الشرعية المحلية الشعبية، لينزع عنهم صفة الحكومة المنصبة من الخارج.