تراجع التوتر في الشرق الأوسط يخفف من استعار الطائفية

شهدت منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة العديد من التطورات التي أدت إلى تخفيف التوترات الإقليمية، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل الطائفية ويفتح الأبواب أمام النساء، حيث كشفت الهزيمة السياسية للإسلاميين في المغرب وتونس، إلى جانب سماح الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي للسيدات بدخول ملعب آزادي بطهران، بالإضافة إلى زيارة شيخ الأزهر أحمد الطيب غير المؤكدة إلى النجف، عن المرحلة التالية في المنافسة على القوة الدينية الناعمة وقيادة العالم الإسلامي، ومحاولة تغيير التصورات عن المنطقة التي مزقتها الحروب الأهلية والتوترات الطائفية والتطرف.
يظهر تطوران منفصلان ينطويان على تحسين العلاقات بين المسلمين السنة والشيعة والحقوق الرياضية للمرأة تحولات كبيرة في كيفية التنافس على قيادة العالم الإسلامي والتنافس على تعريف الإسلام في القرن الحادي والعشرين في عالم لم يعد ممكنا فيه لدول الشرق الأوسط أن تعتمد على قدوم الولايات المتحدة للدفاع عنها.
وتتناسب التطورات مع الجهود الإقليمية التي تبذلها الدول المحافظة المتمثلة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، والدول الداعمة لتيار الإسلام السياسي وهي أساسا إيران وتركيا وقطر، لإدارة خلافاتها بدلا من حلها في محاولة لضمان عدم خروجها عن نطاق السيطرة. وحققت الجهود أكبر قدر من النجاح مع رفع المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية لقطر التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة.
نذير المرحلة التالية
كما تشير تحركات المصالحة إلى الضغط على اللاعبين في الشرق الأوسط في ما يرقى إلى معركة على روح الإسلام لتغيير التصورات عن المنطقة التي مزقتها الحروب الأهلية والتوترات الطائفية والتطرف والجهادية والاستبداد. ويعد تغيير هذا التصور مفتاحا للتنفيذ الناجح لخطط تنويع الاقتصادات المعتمدة على تصدير النفط والغاز في الخليج، وتطوير البلدان الفقيرة بالموارد في المنطقة، ومعالجة الأزمة الاقتصادية في تركيا، وتمكين إيران من التعامل مع العقوبات الأميركية المعيقة.
كما تعدّ هذه التطورات نذيرا للمرحلة التالية في المنافسة على القوة الدينية الناعمة وقيادة العالم الإسلامي. ففي قطيعة مع العقد الماضي، لم تعد التصريحات التي تمجد اعتناق الإسلام للتسامح والتعددية واحترام حقوق الآخرين التي لا تتبعها الأفعال تخلق تغييرا. وبالمثل، يحاول أنصار الإسلام السياسي تبني درجات من الاعتدال كانت حتى الآن حكرا على خصومهم.
وتتشكل هذه المرحلة التالية من المعركة بالشكوك بين حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حول مصداقية واشنطن كضامن أمني، يعززها انسحابها من أفغانستان، ومن خلال إدراك أنه لا يمكن للصين أو روسيا استبدال مظلة الدفاع الأميركية في الخليج.
وتتحدد ساحة المعارك المتغيرة من خلال الانتكاسات التي عانى منها الإسلام السياسي بدءا بالإطاحة بمحمد مرسي سنة 2013 حيث فقدت جماعة الإخوان المسلمين ما كانت قد حققته ما بعد ثورة 2011. وفي الآونة الأخيرة عانى الإسلاميون من هزيمة انتخابية مذهلة في المغرب وشهدوا ما قام به الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الخامس والعشرين من يوليو الماضي. وقد أظهر استطلاع حديث للرأي العام في تونس أن 45 في المئة من المستطلعين ألقوا باللوم على راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي في أزمة البلاد، وقال 66 في المئة إنهم لا يثقون بحزبه.
ساحة المعارك المتغيرة تتحدد من خلال الانتكاسات التي عانى منها الإسلام السياسي
وتضفي الخصومات في الشرق الأوسط والرمال المتغيرة أهمية إضافية على زيارة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر السني أحمد الطيب غير المؤكدة، والتي من المرجح أن تتم في الأسابيع المقبلة إلى النجف، وهي نقطة عراقية لتعليم المسلمين الشيعة وموطن المرجع الديني الشيعي علي السيستاني البالغ من العمر 91 عاما.
وتأتي الزيارة المحتملة على خلفية محادثات بوساطة عراقية بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهما المركزان الرئيسيان للخطين الإسلاميين الرئيسيين، والتي تهدف إلى تخفيف التوترات بينهما والتي يتردد صداها في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ومن المرجح أن تساعد المحادثات القوتين الإقليميتين في إدارة خلافاتهما بدلا من حلها.
وتميز التنافس منذ فترة طويلة بالخطاب السعودي المناهض للشيعة في عدد محدود من الحالات والمخاوف الإيرانية بشأن الأقلية السنية في البلاد واختيارها لاستراتيجية تتمحور حول الوكلاء الشيعة في العديد من البلدان.
وكانت الطائفية السعودية والإيرانية متضمنة في تصور الأقليات الشيعية في المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان ذات الأغلبية السنية، والسنة في إيران والعراق بعد الإطاحة بصدام حسين في 2003، باعتبارهم عجلات خامسة للأخرى.
حشد الدعم عبر النساء
تعدّ زيارة الإمام أحمد الطيب إشارة إلى تحسن العلاقات المصرية العراقية المتوترة منذ فترة طويلة، كما أن هناك لقاءً محتملا في وقت لاحق بين رجل الدين السني ورجل دين شيعي غير السيستاني، الذي لا يستطيع السفر لسنّه الكبير، مع البابا فرانسيس. ويُذكر أن السيستاني التقى بالبابا خلال زيارته إلى العراق في مارس الماضي. وكل هذا يخفف من غلواء الطائفية.
وتكتسب الزيارة أهمية إضافية في أعقاب التفجير الانتحاري الذي حدث خلال الأيام الماضية داخل مسجد شيعي من الهزارة في مدينة قندوز شمال أفغانستان والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 50 شخصا وإصابة 100 آخرين. وأعلن فرع الدولة الإسلامية في جنوب آسيا، الدولة الإسلامية في خراسان، مسؤوليته عن الهجوم، وهو الأسوأ منذ وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس الماضي. وكان من المحتمل أن يكون الهدف منه تأجيج التوتر بين الجماعة الإسلامية السنية والهزارة الذين يشكلون 20 في المئة من السكان الأفغان.
ومن المرجح أن تعقب زيارة شيخ الأزهر إلى النجف زيارة محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي التي تهيمن عليها السعودية. ولطالما كانت الرابطة وسيلة رئيسية لنشر التيار المحافظ المتشدد المناهض للشيعة في السعودية. وأعاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منذ توليه منصبه، صياغة الرابطة كأداة لتبسيط مفهومه عن الإسلام “المعتدل” التعددي والمتسامح الذي تسيطر عليه الدولة.
وفي سياق مماثل، فاجأ الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي الكثيرين بالسماح للسيدات بدخول ملعب آزادي بطهران لحضور مباراة تصفيات كأس العالم بين إيران وكوريا الجنوبية هذا الشهر. وكانت إيران هي الدولة الوحيدة التي تمنع النساء من حضور الأحداث الرياضية للرجال. ولم يتضح ما إذا كانت الخطوة إجراء لمرة واحدة أم أنها تشير إلى تخفيف الحظر أو رفعه.
ويعتقد أن رئيسي كان يرى في ذلك وسيلة لحشد الدعم المحلي وتحسين صورة بلاده في الصين وروسيا كما في الغرب. ولا شك أن رئيسي قد لاحظ أن الصين وروسيا قد انضمتا إلى الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى في الضغط على طالبان في أفغانستان للاعتراف بحقوق المرأة.
ومن المؤكد أن النساء في إيران يتمتعن بحقوق التعليم والتسجيل في الجامعات. ويمكنهن شغل مناصب عليا في مجال الأعمال والحكومة حتى لو ظلت إيران مجتمعا أبويا. ومع ذلك، فإن الحظر المفروض على النساء في الملاعب، إلى جانب ارتداء الشادور (زي النساء) قد هيمن على تصور سياسات إيران المتعلقة بالمرأة. ويشير السماح للنساء بحضور تصفيات كأس العالم إلى درجة من المرونة من جانب رئيسي. وجادل الرئيس الإيراني خلال حملته الرئاسية بأن منح النساء حق الوصول إلى الملاعب لن يحل مشاكلهن.
كما أنه يوضح أن الحكومة، مع سيطرة المتشددين على جميع الفروع، يمكن أن تخفف من بعض المظاهر المتشددة من الحكم الإسلامي بسهولة أكبر بكثير مما كان بإمكان الإصلاحيين مثل سلفه الرئيس حسن روحاني أن يفعلوا.
ويكمن السؤال فيما إذا كانت هذه هي نية رئيسي. فقد يكون يختبر الوضع مع مباراة كرة القدم هذا الشهر. وسنرى الحقيقة بمرور الزمن. وقد تكون الخطوة كبيرة، لكنها، مثل زيارة شيخ الأزهر إلى النجف، تشير إلى أن تخفيف التوترات الإقليمية يعطي أهمية أكبر للقوة الناعمة التي بدورها تزيد من الضغط من أجل تعابير أقل تشددا عن الدين.