دروس عن حقوق الإنسان لما يتحقق ولا يتحقق في قطر

كلما اقترب موعد انعقاد كأس العالم لكرة القدم في قطر، كلما تعالت الأصوات المتحدثة عن الوضع الحقوقي في البلاد، وخاصة حقوق العمالة الوافدة، التي تندد منظمات حقوقية بخطورتها، بالإضافة إلى حقوق الجماهير التي ستتجه إلى الدوحة بالملايين لمواكبة الحدث الرياضي العالمي، ومن بينها أفراد وجماعات يتبنون سلوكيات وعقائد يرفضها المجتمع القطري ويلاحقها بنص القانون.
أصبح التوقيت مناسبا لتقييم إصلاح نظام العمل الشاق في قطر واستعدادها لاستقبال جماهير تنتهك أساليب حياتها القوانين و/أو تتعارض مع المواقف الثقافية المتجذرة. حيث مرت 12 سنة منذ أن منح الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” الدوحة حق استضافة كأس العالم 2022 وتفصلنا اليوم خمسة أشهر عن البطولة.
في نهاية المطاف، نرى سجلا مختلطا حتى لو أخذ المرء في الحسبان أن الأوتوقراطية القطرية أثبتت أنها أكثر استجابة ومرونة في مواجهة ضغوط جماعات حقوق الإنسان والعمالة مقارنة بجيرانها الخليجيين في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وعلى الجانب الإيجابي، أقنعت الموجة الأولى من إدانة نظام الكفالة القمعي الذي وضع العمال تحت رحمة أرباب العمل قطر بأن تصبح أول دولة خليجية، إن لم تكن أول دولة عربية، تتفاعل مع منتقديها.
ويعني التفاعل منح مجموعات حقوق الإنسان والنقابات العمالية حق الوصول إلى البلاد، والسماح لها بالعمل وعقد المؤتمرات الصحافية في قطر، وإشراكها في صياغة الإصلاحات وعقود العمل النموذجية المتعلقة بكأس العالم. وكان هذا الأمر غير مسبوق في منطقة يقبع فيها نشطاء محليون خلف القضبان أو يواجهون ما هو أسوأ من ذلك.
وكانت الإصلاحات غير كاملة ولم تكن بعيدة المدى بما يكفي، حتى لو أدخلت قطر تحسينات كبيرة على ظروف العمال غير المهرة ونصف المهرة. ومن الناحية الإيجابية، أثارت حقوق الاستضافة مناقشات محدودة لكنها تتطرق إلى مواضيع حساسة مثل حقوق المثليين ومنح الجنسية لغير المواطنين.
◙ حقوق الاستضافة أثارت مناقشات محدودة لكنها تتطرق إلى مواضيع حساسة مثل حقوق المثليين ومنح الجنسية لغير المواطنين
وشكك القطريون علانية في خطوة منح الجنسية للرياضيين الأجانب حتى يمكن ضمهم إلى المنتخب القطري لأولمبياد 2016 بدلا من الطاقم الطبي وغيرهم من المهنيين الذين ساهموا في الرفاه الوطني والتنمية.
وأجبرت استضافة كأس العالم قطر، وإن كان ذلك بطريقة محدودة، على التعامل مع قضايا مثل حقوق مجتمع الميم التي لا تتعارض مع قوانين الدولة فحسب، بل تتعارض مع اتجاهها الاجتماعي وذلك من أجل تنظيم بطولة تُدمِج ولا تُهمِّش.
وقد يكون ذلك أكثر صعوبة من إصلاح نظام العمل إذا نظر المرء في الفرق بين الدفاع عن الحريات الديمقراطية التي قد تحظى بدعم شعبي واسع والاعتراف بحقوق المثليين. فعلى عكس الحقوق الديمقراطية، تعدّ معارضة حقوق مجتمع الميم متجذرة بعمق في قطر والمجتمعات الإسلامية الأخرى. ومن المحتمل أن يتواصل رفضها اجتماعيا، حتى لو تقرر تكريسها في القانون.
ويعني الفرق أن الدفاع عن مجتمع الميم وغيره من القضايا الحقوقية المثيرة للجدل على المستوى الاجتماعي أن على الناشطين إعادة التفكير في استراتيجياتهم واعتماد مناهج بديلة طويلة المدى. وهذا ما يعني أنه سيتعين عليهم تبني مواقف أقل تمحورا حول الغرب في حملة إصلاح نظام العمل في قطر. وكانت هذه المواقف واضحة في النقاشات التي غالبا ما قوّضها التحيز والتعصب الأعمى والمواقف السلبية.
وغالبا ما فشل النقد في مراعاة السياق. ونتيجة لذلك، تقوض تحقيق النتائج والضغط من أجل الإصلاح إلى حد ما بسبب ما بدا أنه اتحاد ضد قطر. وكانت قضية العمال مثالا بارزا. حيث تعاملت جماعات حقوق الإنسان والنقابات العمالية مع ظروف العمل الشاقة في قطر، حتى لو حولتها كأس العالم إلى هدف رئيسي، باعتبارها مشكلة قطرية فريدة وليست عالمية تتجلى في أجزاء أخرى من العالم مثل جنوب شرق آسيا وحتى الديمقراطيات الغربية مثل بريطانيا.
وأظهرت التقارير الأخيرة التي نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية أن العاملين الطبيين ومقدمي الرعاية المغتربين يواجهون انتقاصا مماثلا للحقوق والانتهاكات في بريطانيا.
وعلى نفس المنوال، سُلّط الضوء على قطر لكونها بطيئة في تنفيذ إصلاحاتها وللتأكد من تطبيقها على مشاريع كأس العالم وعلى الصعيد الوطني ككل. لكن الحقيقة هي أن التأخر في تطبيق السياسات والتغييرات القانونية يمثّل مشكلة عبر مجموعة واسعة من السياسات القطرية وجهود الإصلاح، بما في ذلك السياسة الخارجية رفيعة المستوى وسريعة الخطى والقائمة على الوساطة.
ومن الأمثلة على ذلك طريقة تعامل قطر مع رسوم التوظيف غير القانونية التي يدفعها العمال. حيث ألزمت اللجنة العليا للمشاريع والإرث المسؤولة عن تنفيذ مشاريع بطولة كأس العالم الشركات التي تتعاقد معها بسداد الرسوم دون أن يضطر العمال إلى تقديم دليل على الدفع. وقد تعهدت الشركات حتى الآن بسداد ما يقرب من 28.5 مليون دولار لحوالي 49 ألف عامل، ودفعت منها 22 مليون دولار بالفعل.
وهذه خطوة يمكن للحكومة تطبيقها على المستوى الوطني بسهولة نسبية لإظهار الصدق، والأهم من ذلك، مواجهة الانتقادات. وبالمثل، ردا على الشكاوى التي قدمتها جماعات حقوق الإنسان وغيرها، يمكن للحكومة أن تعرض تعويض أسر العمال الذين يلقون حتفهم في مواقع البناء. ولن يؤثر أي من هذه الإجراءات على الميزانيات القطرية ولكنه سيكسب الدولة الخليجية حسن نية هائل.
وكانت نتيجة استبعاد قطر دون وضعها في سياق أوسع هو ضعف الرغبة القطرية الأولية في العمل مع منتقديها مع تشدد المواقف. وازدادت ثقة قطر بنفسها، ولم تتفاعل مع منتقديها واستجابت للانتقاد بقوة أكبر.
◙ استضافة كأس العالم أجبرت سلطات قطر، على التعامل مع قضايا مجتمع الميم التي تتعارض مع اتجاهها الاجتماعي
وكان ذلك واضحا في مؤتمر الفيفا في الدوحة في مارس عندما رد الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث حسن عبدالله الذوادي على الملاحظات الانتقادية التي أدلت بها رئيسة الاتحاد النرويجي لكرة القدم ليز كلافينيس، بالقول: “نحن لا نسعى إلى نيل الرضا. فالإرث يُسلّم لمستحقّيه في الوقت الذي نتحدث فيه. لقد أظهرنا للعالم ما يمكن أن يفعله منظمو البطولة".
علاوة على ذلك، لم تستفد قطر من موقفها في التعامل مع وسائل الإعلام وردودها غير المقنعة عن الاستفسارات ومساعيها لمنع التقارير المستقلة وقمع ما قد يعتبره المسؤولون القطريون قصصا سلبية.
خذ على سبيل المثال طريقة تعامل قطر مع قضية مدير الاتصالات السابق للجنة العليا للمشاريع والإرث عبدالله ابحيص. حيث انتقد التعامل مع إضراب العمال المهاجرين في أغسطس 2019. وكان العمال قد أضربوا عن العمل حينها بسبب عدم دفع رواتبهم.
واتُهم لاحقا بتسريب أسرار الدولة ومنح مناقصة على وسائل التواصل الاجتماعي لمقدم عرض تركي مقابل الحصول على الجنسية التركية. ويؤكد أنه أُجبِر على التوقيع على اعتراف ورفض معتقلوه منحه حق الاتصال بمحام في البداية.
وحُكم على ابحيص بالسجن خمس سنوات بناءً على أدلة كانت، بحسب هيومن رايتس ووتش، “غامضة وظرفية وفي بعض الحالات متناقضة”. ومع ذلك، خففت محكمة الاستئناف الحكم بعد ذلك إلى ثلاث سنوات في السجن.
وغالبا ما يكون تحليل التكلفة والفائدة في قطر كارثيا لأن أفعالها القمعية والدفاعية تسبب ضررا أكبر للسمعة من الحوادث التي تحاول قمعها. ويبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كانت قطر مدفوعة بسوء النية وانعدام الإرادة السياسية أو عدم الكفاءة التي تجعلها عالقة في الفشل.
وليست خلاصة كل هذا ما إذا كان لانتقاد قطر ما يبرره. بل إن السؤال المطروح على جماعات حقوق الإنسان والناشطين الآخرين هو عن الدروس التي يمكن تعلمها من تجربة العقد الماضي وما هي أفضل استراتيجية ونهج للمضي قدما، نظرا إلى طبيعة القضايا وحقيقة أن نافذة القدرة على التأثير على قطر تنغلق.