تخوف تركي من حركة السلام العربية–الإسرائيلية

نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعيّن سفيرا جديدا في تل أبيب.
الثلاثاء 2020/12/15
ديسمبر 2016... أردوغان يستقبل السفير الإسرائيلي ايتان نيه

عيّنت أنقرة سفيرا جديدا لها في تل أبيب في محاولة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية المجمدة بين الجانبين. ويرى متابعون أن أنقرة تحاول بهذه الخطوة استرضاء الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، عبر بوابة إسرائيل مع تشكل متغيرات إقليمية يقودها قطار السلام العربي – الإسرائيلي، ما يدفع بأنقرة إلى الهامش.

أنقرة – يعكس تعيين أنقرة سفيرا جديدا لها في تل أبيب استعداد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من أي وقت مضى لتجميع نقاط أمام الإدارة الأميركية الجديدة عبر بوابة إسرائيل مع مجيء رئيس جديد لا يكن ودا له ولا لنظامه، في وقت تتسارع فيه حركة السلام العربي – الإسرائيلي، ما يجعل تركيا تغرد خارج السرب.

وأفاد موقع “المونيتور” أن السفير الجديد هو أوفوك أولوتاس (40 عاما)، رئيس مركز البحوث الإستراتيجية في وزارة الخارجية التركية، وأن تعيينه سياسي. ودرس أولوتاس العبرية وعلوم الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في مدينة القدس.

وقد اختارت تركيا السفير الجديد لدى إسرائيل لملء المنصب الدبلوماسي الذي ترك شاغراً لأكثر من عامين بعد سحب السفير من تل أبيب بسبب الاشتباكات الدامية على حدود غزة في مايو 2018.

وأولوتاس من المعجبين بالرئيس التركي، كما عمل رئيسا لمؤسسة SETA، وهي مؤسسة فكرية مؤيدة للحكومة، وكتب عددا من الأوراق البحثية عن السياسة في الشرق الأوسط والتاريخ اليهودي.

ويحمل تعيين أنقرة للسفير الجديد رسائل مباشرة للإدارة الأميركية الجديدة، وأخرى غير مباشرة تلخص التخوف التركي من تقدم قطار السلام العربي – الإسرائيلي ما يدفع بها إلى الهامش.

ويكشف التعيين الجديد اهتمام الرئيس التركي بإظهار أن أنقرة مهتمة بالعلاقات مع إسرائيل خلافا للشعارات المنددة بتل أبيب والموجهة للاستهلاك الإعلامي الداخلي والإقليمي، إذ أن أردوغان لا يفوت فرصة لمهاجمة إسرائيل وتحميلها مسؤولية ما يجري من اضطرابات في الشرق الأوسط والمنطقة، خصوصا في علاقة بفلسطين وإيران. لكن عندما يتعلق الأمر بمصالحه الاقتصادية والجيوسياسية، تختفي الحاجة إلى مثل هذه الشعارات التي تدغدغ العواطف لا الوقائع.

تعيين سفير جديد يكشف اهتمام أردوغان بالعلاقات مع إسرائيل خلافا للشعارات الموجهة للاستهلاك الإعلامي

وتخشى أنقرة تعاونا عربيا – إسرائيليا شاملا، وهو ما بصدد التبلور حاليا، ما يشكل محورا وازنا في المنطقة يهدد اقتصادها وأجنداتها الإقليمية ويحد من نفوذ إقليمي بنته على حساب “العداوة” العربية مع إسرائيل والنفخ فيها، في وقت كانت أول دولة ذات غالبية مسلمة تطبع علاقاتها مع إسرائيل سنة 1949. وتدعمت هذه العلاقة مع وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم إلى السلطة في تركيا سنة 2002، رغم بعض فترات الفتور في 2008 و2018.

وتقول التقارير إن حجم المبادلات التجارية بين تركيا وإسرائيل في عام 2016 بلغ أكثر من 4.2 مليار دولار، وأنها ارتفعت في العام 2017 بنسبة 14 في المئة. كما أن مدير الطيران المدني الإسرائيلي كشف في عام 2013 أن شركات الطيران التركية تقوم بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعيا إلى إسرائيل، وأنها تنقل بين البلدين أكثر من مليون مسافر سنويا.

وكانت إسرائيل مصدر السلاح الرئيس لتركيا لفترة طويلة، علاوة على التعاون العسكري في مجال التدريب وتطوير الأسلحة. وكان التعاون العسكري بين البلدين لعقود في ذروته منذ سيطرة القوات التركية على شمال قبرص في عام 1974.

واعتمدت تركيا حينها على إسرائيل في تطوير جيشها، نظرا لعقوبات أميركية وأوروبية فرضت على أنقرة على خلفية المشكلة القبرصية.

وبناء على ما تقدم، يرى أردوغان في التقارب العربي – الإسرائيلي تهديدا مباشرا لمصالحه، بعدما أعلنت إسرائيل والولايات المتحدة أن اتفاقيات السلام مع الدول العربية (الإمارات والبحرين والسودان وأخيرا المغرب) ستشمل جميع المجالات ولن تستثني أي قطاع بما فيه التعاون الأمني والعسكري.

بداية عهدة بايدن بتشديد العقوبات على تركيا سيناريو يحاول أردوغان تلافيه عبر بوابة التقرب من إسرائيل حليفة الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة

وأدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” مطلع العام الجاري، تركيا لأول مرة في تاريخ علاقات البلدين، في قائمة الأخطار المهددة لإسرائيل.

واستبعد التقرير الاستخباراتي الإسرائيلي حدوث مواجهة مباشرة مع تركيا في العام 2020، لكنه قال إن “الأعمال العدائية المتزايدة التي تقوم بها تركيا في المنطقة جعلتها واحدة من أكبر المخاطر التي يجب مراقبتها في العام المقبل”.

وبتقدم قطار السلام الذي من المتوقع أن تنضم إليه دول عربية أخرى تباعا في سياق المتغيرات الإقليمية الجديدة، سارع الرئيس التركي إلى إعادة إحياء العلاقات التي تمر بفترة فتور مع إسرائيل في سياق فك عزلته التي قد تتفاقم مع تولي جو بايدن رسميا رئاسة الولايات المتحدة في يناير المقبل.

وبعد خسارة أردوغان لحليفه الأهم في واشنطن وهو الرئيس دونالد ترامب، لدى أنقرة حاجة كبيرة إلى الأمان والتكيّف مع الرئيس الجديد الذي لا يخفي عداءه لنظيره التركي، وسبق أن وصفه بالدكتاتور، وقال إنه سيدعم المعارضة التركية لإسقاطه عبر صناديق الاقتراع.

ولدى تسلمه منصبه، سوف يواجه بايدن أيضا ضغوطا من الكونغرس لاتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه تركيا على خلفية اختبارها لمنظومة “إس – 400” الصاروخية الروسية التي تتعارض مع أنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ويرى مراقبون أن بداية عهدة بايدن بتشديد العقوبات على تركيا سيناريو يحاول أردوغان تلافيه عبر بوابة التقرب من إسرائيل حليفة الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة.

5