تخلي قلعة الحريات في مصر عن مسؤولياتها يفتح الباب لانتشار نقابات وهمية

القاهرة - انتشرت كيانات وجمعيات تحمل أسماء شبيهة بنقابة الصحافيين في مصر دون سند قانوني أو رسمي، ووصل الأمر بهذه الكيانات إلى حد تدشين حملات إعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الصحافيين على الانتساب إليها، وتقديم وعود بحمايتهم وتدوين الوظيفة الصحافية في بطاقة الرقم القومي كدليل على صحة موقفها.
وأبلغ صحافيون نقابتهم بوجود كيان جديد يحمل اسم “نقابة المراسلين الصحافيين والقنوات الفضائية”، وهو أمر يتكرر بين حين وآخر في ظل عدم قدرة النقابة على الوصول إلى هذه الكيانات التي تنتشر أساسا في الأقاليم التي تشهد حضوراً كبيراً لصحافيين يعملون في صحف محلية، لكنهم ليسوا مقيدين في جداول النقابة.
وغالبًا ما يكون الهدف الرئيسي من وراء هذه الكيانات النصب والاحتيال على المنضمين وإرغامهم على الحصول على دورات تدريبية مدفوعة الأجر مقابل استخراج وثيقة مزورة تحمل اسم صحافي، مستغلة انتشار عدد من الصحف غير المرخصة رسميا لجذب العاملين فيها وتشكيل ما يشبه الكيانات الموازية.
وسبق أن جرى إشهار عدد من الجمعيات باسم “النقابة العامة للعاملين بوسائل الإعلام” و”نقابة الصحافيين المصريين المستقلة”، و”نقابة الإعلام الإلكتروني المصرية”، و”نقابة الإعلاميين المصريين”، و”نقابة الإعلاميين المصريين المستقلة”، وغيرها. لكن ما يحدث في الوقت الحالي أنها بدأت تتمدد دون مواجهتها.
وتكتفي نقابة الصحافيين بتقديم بلاغات ضد الكيانات الموازية، وتحاول التعامل مع أزمة أكبر ترتبط بمنتحلي الصفة، إذ تشير إحصاءات مجلس نقابة الصحافيين إلى وجود ما يقرب من 19 ألف صحافي من منتحلي الصفة في حين أن عدد الأعضاء الحاليين في النقابة لم يتجاوز 13 ألف صحافي من المقيدين في جداولها.
وتشير هذه المعطيات إلى تراجع ملحوظ في دور النقابة الأم، بما انعكس سلبًا على قيمة الصحافي ونظرة المجتمع إليه وشجع البعض على التمادي في تشويه المهنة، وتزايدت وقائع الابتزاز التي يتعرض لها مسؤولون من جانب أشخاص ليسوا أعضاء بالنقابة، وما يضاعف من صعوبة مهمتها أنها تواجه فوضى في الصحف والمواقع غير المرخصة قانونيًّا.

محمد سعد عبدالحفيظ: النقابة لم تتوقف عن ملاحقة أي كيان وهمي يتم التبليغ عنه
ويتفق العديد من الصحافيين على أن خفوت الدور النقابي والسياسي للنقابة الأم -التي لُقبت بـ”قلعة الحريات” في مصر منذ تأسيسها قبل 80 عاما- تسبب في انتشار الكيانات الوهمية، ودفع غيابها على مستوى الدفاع عن الحريات وحقوق الصحافيين القائمين على النقابات المزيفة إلى التوسع في أنشطتها وعدم ملاحقتهم.
ويرجح صحافيون نظرية المؤامرة بحق نقابتهم ويؤمنون بأن هناك رضاء من قبل جهات رسمية عن تواجد الكيانات المزيفة لأنها تخصم من دور “قلعة الحريات”، وينظرون إلى استمرار عمليات ترميم مبنى مقر النقابة التي تستمر للعام الثالث على التوالي على أنه جزء من هذه المؤامرة لعدم إتاحة الفرصة أمامها للتظاهر والاشتباك مع قضايا داخلية عبر درجات سلمها الشهير وسط القاهرة والذي انطلقت منه احتجاجات عديدة سابقا.
وقال مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة بشير العدل إن تراجع دور النقابة له تأثير كبير على الكثير من الزوايا المهنية المرتبطة بالصحافيين أنفسهم، وشجّع التراجع في استغلال اسم الصحافي على ارتكاب جرائم ابتزاز وسرقة واحتيال تحديداً في الأقاليم التي ينتشر فيها منتحلو الصفة ويستغلون حصولهم على وثائق مزورة تحمل اسم صحافي لخداع المواطنين وبعض المسؤولين.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الكيانات الوهمية تبعث إلى النقابة رسائل مفادها أنها لن تستطيع أن توقف تمددها، ورغم اتخاذ إجراءات قانونية ضدها فإن ذلك ليس كافيًا وتعد خطواتها من قبيل إبراء الذمة دون أن يشعر الصحافيون بوجود مساع جادة للإعلاء من شأن المهنة”.
وأوضح أن التراجع في مواجهة القضايا التي تشكل تهديداً للمهنة لا ينفصل عن التراجع عن ممارسة أدوار من صميم عمل النقابة مثل إصدار المواثيق المهنية والأكواد الصحافية التي يصدرها المجلس الأعلى للإعلام، وتحولت من جهة إصدار القرارات المرتبطة بالمهنة وتنظيم عملها إلى جهة متلقية لهذه القرارات.
وأكد صحافيون على أن العلاقة الوطيدة التي كانت تربط نقابة الصحافيين بالسلطة التنفيذية تراجعت، حيث كانت في السابق أكثر قدرة على إيصال صوتها الذي حمل أهدافا وطنية، في حين أن صوتها خفت حاليًا وفقدت تقريبا القدرة على التعامل مع الأزمات العديدة التي تحيط بالصحافيين وأوضاعهم في المجتمع.

ويخشى هؤلاء أن تتحول النقابة إلى ناد كما كان مقرراً لها من قبل في سبعينات القرن الماضي من جانب الرئيس الراحل أنور السادات، لأن التركيز على الجوانب الخدمية والترفيهية بدا مهيمنًا على غالبية أنشطتها مؤخرا، ويحاول مجلس النقابة أن يلعب دوراً على مستوى الإفراج عن الصحافيين المحبوسين ليحسن هذه الصورة ويؤكد أنه مازال مدافعًا عن حريات الصحافيين وكرامتهم، لكن الأجواء السياسية العامة لا تساعده كثيرا.
وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبدالحفيظ إن الكيانات الوهمية وما يشبهها موجودة منذ التسعينات ولدى النقابة أرشيف من الملاحقات السابقة، غير أن ما يحدث الآن هو أنها ظهرت للعلن وأصبح لدى الصحافيين اهتمام بالنشر في هذه القضية، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي توظفها هذه الكيانات للانتشار في حين أنه يجري رصدها من قبل الجماعة الصحافية النقابية، وبالتالي فإن الأمر ليس له علاقة مباشرة بتراجع دور النقابة الأم.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “النقابة لم تتوقف عن ملاحقة الكيانات التي يتم التوصل إليها وتُعلم النائب العام ووزارة الداخلية والجهات المختصة بذلك للإسراع في إغلاقها، غير أن المشكلة تتمثل في أن هذه الكيانات قادرة على أن تنتقل من منطقة إلى أخرى، وهو ما حدث مع أحد الكيانات المبلغ عنها في القاهرة، في حين أن هناك كيانات أخرى تحصل على رخصة من وزارة التضامن الاجتماعي باعتبارها جمعية أهلية”.
وسبق أن أعلنت نقابة الصحافيين تقدمها بـ60 بلاغاً للنائب العام ضد الكيانات الوهمية المنتشرة في مناطق متفرقة، وطلبت من جميع الصحافيين الذين يمتلكون مستندات أو وثائق تابعة لمثل هذه الكيانات التوجه إلى النقابة كي يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.
وذكر عبدالحفيظ أن الوزارة تواجه مشكلات عديدة في التعامل مع أزمة منتحلي الصفة لأن هناك أكثر من 20 في المئة من الصحافيين والمراسلين الذين يعملون في صحف مصرية وأجنبية غير نقابيين ولن يكون من العدل إهدار حقوق هؤلاء في العمل، ولا بد من مواجهة الحالات التي تتورط في جرائم ابتزاز أو احتيال، كما أن النقابة طلبت من وزارة الداخلية عدم تدوين صفة صحافي على بطاقة الرقم القومي من دون أن يكون ذلك بجواب مختوم من النقابة للحد من انتشار الكيانات الوهمية.