تحية للحمير

أنا ممتنّ جدا لمن برمج الاحتفال بيوم الحمار العالمي بعد أيام فقط من عيد العمال لاشتراكهما في الكد ونقص المكافأة، لكنني تمنيت لو احتفلنا بالحمير طيلة أيام السنة حتى في الآحاد والأعياد، فهم خدم سافروا بالإنسان من ثنايا التاريخ إلى أن صار يفكر في مستقر خارج الأرض، ربما في المريخ أو القمر.
بعض الناس ارتقوا إلى مرتبة الحمار في عملهم ووظائفهم، فهم يقومون بمهامهم في صمت وصبر لهم قدرة على التحمل لا يشتكون من العناء ولا يغيبون عند المرض، بل يحملون أوزارا ليست لهم، فهم يشبهون بطل رواية “الحمار الذهبي” التي كتبها اليوناني أو الأمازيغي لوكيوس أبوليوس وتعدّ أقدم رواية في التاريخ.
حمار اليوم لا يشبه حمار ابن المقفع في المظلومية والحماقة رغم أنه كان حمّال آراء سياسية واجتماعية في عهد الدولة العباسية، وليس غبيا أيضا، ولكنه يشبه حمار لافونتين في الاعتداد بالنفس رغم أنه لا يستطيع أن يرسم ابتسامة عريضة يُبطل بها سلاح الخصوم والمتسلقين.
وهو أيضا لا يوشوش للآخرين رغم أنه يلتقط كل الأحاديث بآذانه الطويلة، ولا يشي بزملائه ولا بأعدائه، فتلك مهمة الفاشلين في أداء مهامهم، أولئك الذين يسلكون مسارب التزلف كأقصر الطرق من أجل ترقيات وامتيازات تخفي ذلا ومهانة.
لن نسهب كثيرا في الحديث عن العمال، فعيدهم فات وشقاؤهم باق ما بقي الإنسان على الأرض، ولكننا سنتحدث عن فصيل آخر من الناس اختاروا أن يدخلوا في خانة الحمير باختيارهم الزواج والإنجاب.
أيام العسل القليلة بعد الزواج تكلفتها بقية العمر في مسؤولية تربية الأطفال الذين لا تنتهي طلباتهم وحملهم إلى الحضانة فالمدرسة ثم إلى المعهد، هذا الواجب الذي يأخذ السنين وغمضة النوم أثناء مرضهم حتى يكبر الجميع وتموت الحمير وحيدة في ركن قصيّ.
الحمار صبور لا ينهق من شدة التعب ولا يكلّ من تحمل مسؤوليته، ولا يريد أن يصل إلى مرتبة بغل، لكنه قد يغضب فيضرب من يزعجه بحافريه.
والحمير بصنفيها ناطقة وغير ناطقة لا تحب الاشتغال بالسياسة ولا تريد المناصب الوزارية ولا كراسي البرلمانات، إما لاعتقادها أنها هي من تبني الحضارات والدول في صمت كما حمير جبران خليل جبران أو ليقينها أن الصمت أفضل من الكلام.
والساسة لا يحسنون غير الكلام والخطب الرنانة والوعود الوردية، أما الوصول إلى نهاية الطريق فهو من شيم الحمير التي إن علّمتها طريقا تصل إليه بمفردها دون دليل أو مرشد.
أنا صراحة في علاقتي بالحمار كما الكاتب المصري يحيى حقي الذي وجد السعادة المطلقة مع هذا الحيوان الصابر في كتابه الساخر “وجدت سعادتي مع الحمير”.