تحويل صحف حكومية مصرية من مطبوعة إلى إلكترونية لا ينتشلها من أزمتها

صراع المواقع الإلكترونية في المؤسسة الواحدة ينتج الفوضى وغياب المهنية.
الثلاثاء 2021/07/06
استمرار الوضع القائم يهدد الصحافة الرقمية أيضا

ينتقد صحافيون مصريون خطوة الحكومة بتحويل صحف حكومية مصرية إلى الإصدار الرقمي وإلغاء الطبعة الورقية دون خطة لتطوير العمل، بل على العكس اعتبروا أن زيادة المواقع الإلكترونية للمؤسسة الواحدة خلقت حالة التنافس بينها بدلا من التنافس مع البوابات الإخبارية للمؤسسات الخاصة.

القاهرة - قررت الهيئة الوطنية للصحافة، الأحد تحويل صحف “الأهرام المسائي” و”الأخبار المسائي” و”المساء” الصادرة عن مؤسسات حكومية إلى إصدارات إلكترونية وتوقف نسخها المطبوعة، مع احتفاظ العاملين بوظائفهم وحقوقهم المالية، على أن يطبق القرار منتصف يوليو الجاري.

استقبل محمد (اسم مستعار)، وهو صحافي بصحيفة قومية مسائية في مصر، قرار الهيئة بابتسامة ساخرة بعدما تجاوز عدد الإصدارات الرقمية في مؤسسته 15 موقعا، جميعها تتنافس وتتجاذب للبقاء في المشهد دون تحقيق الحد الأدنى من رضا الجمهور.

وقال محمد لـ”العرب” إن استسهال إطلاق بوابات إلكترونية للإصدارات الصحافية الحكومية يتعارض مع خطط انتشالها من أزماتها المالية والتحريرية، لأن مواقع المؤسسة الواحدة تتنافس وكأنها في سباق ضد بعضها البعض، وأحيانا وصل الأمر إلى حد اصطياد الأخطاء للإيحاء بأن هذا الإصدار هو الأكثر مهنية عن غيره.

ومازالت الهيئة الوطنية للصحافة، المسؤولة عن التنظيم الإداري والتحريري بالمؤسسات القومية، عاجزة عن تنفيذ فكرة المركزية بين البوابات الإلكترونية، بأن يكون هناك إصدار رقمي واحد لكل مؤسسة ليقدم خدمة صحافية مرموقة للقارئ، ويوفر له احتياجاته بالاستفادة من القدرات البشرية الهائلة الموجودة داخلها.

وصار لكل إصدار موقع خاص به، بما فيها المجلات الأسبوعية والشهرية وربع السنوية، والتي تقوم بتحديث الأخبار والموضوعات لتظهر في صورة موقع إلكتروني منفصل عن باقي الإصدارات، ما جعل المحتوى يبدو ضعيفا ورديئا وروتينيا ويتعارض مع متطلبات الجمهور، ولا يتوافر فيه الحد الأدنى من المهنية المطلوبة في المطبوعة الرقمية.

جلال نصار: أزمة الصحف الحكومية أبعد من كونها ورقية أو إلكترونية

وباتت الإصدارات الإلكترونية داخل المؤسسة الواحدة تفكر في طريقة التنافس الداخلي دون النظر إلى المواقع الخاصة والمستقلة التي صارت تحتل مرتبة متقدمة في التصنيف والجذب الجماهيري، باعتبارها مستفيدة من الصراع الموجود داخل المؤسسات الصحافية القومية بمواقعها المتنافرة.

وقد يكون تنوع إصدارات الصحف الرقمية مفيدا عندما يتم تطوير المحتوى لتقديم ما يحتاجه الجمهور من معلومات وأخبار من الموقع كمتخصص في ملف بعينه، مثل الرياضة والاقتصاد وقطاع الاتصالات والموضة وغيرها، لكن المشكلة أن المواقع المتخصصة نفسها صارت تقدم نفسها كإصدارات شاملة تنافس البوابة الأم للمؤسسة.

وروى صحافي يعمل في موقع إلكتروني داخل مؤسسة قومية، مفارقة غريبة، عندما تم تخصيص مبلغ ضخم لتحديث البوابة الخاصة بأحد الإصدارات الورقية مع توفير إمكانيات تكنولوجية كبيرة، في حين أن البوابة الرقمية للمؤسسة في أشد الاحتياج للدعم الفني والتقني والبشري لتكون قادرة على تقديم خدماتها.

وأضاف لـ”العرب” أن الجمهور نفسه أصبح في متاهة بسبب تعدد الإصدارات الرقمية داخل المؤسسة الواحدة بسبب تشابه المحتوى والمضمون وتحديث النشر القائم على البيانات الرسمية بلا مركزية الإصدار الرقمي التي تتيح للموقع الواحد أن ينافس ويبتكر ويتفوق على أقرانه في المؤسسات الخاصة.

وتبدو أغلب المواقع الإخبارية الحكومية بعيدة عن احتلال مراكز متقدمة في التصنيف على محركات البحث، لأن زيادتها بشكل مبالغ فيه جعلت كلا منها يسحب من رصيد وترتيب الآخر، بعيدا عن تركيز زيارات وقراءات الجمهور على إصدار واحد ليكون وحده المسؤول عن تقديم المحتوى الرقمي للقارئ الإلكتروني.

وتدور صراعات خفية، وأحيانا معلنة، بين المسؤولين عن المؤسسات القومية حول هوية الإصدار الرسمي الذي يعبر عن المؤسسة، هل الورقي أم الإلكتروني.

وأمام اتساع دائرة المنافسة الداخلية أصبحت كل قيادة تحريرية تجاهد لإثبات أن مطبوعتها الأجدر والأكثر تأثيرا عند الجمهور ودوائر صناعة القرار الحكومي.

وانعكس ذلك بشكل سلبي على المهنية داخل المؤسسة الواحدة، فأغلب الصحافيين صاروا يتعاملون بمنطق تنافسي بحت بلا تشارك وتعاون لأجل المصلحة العامة، ولا مانع أن يقوم أحدهم بنفي معلومة نشرها إصدار آخر تابع لنفس المؤسسة من غير الإشارة إليه بشكل صريح وضمن محاولات الإضعاف لغرض الهيمنة.

كان يمكن للمؤسسات الصحافية الحكومية في الظروف الطبيعية أن تستفيد من الكم الهائل للمحررين الذين أصبح أغلبهم عاطلين عن العمل، باستغلال طاقاتهم لإعداد محتوى متميز ونوعي في موقع إلكتروني مركزي واحد يحمل اسم المؤسسة، لتكون في مكانة متقدمة تستطيع من خلالها ضرب كل منافسيها في توقيت قياسي.

لكن وسط الأجواء التنافسية الموجودة وغض هيئة الصحافة الطرف عن الصراعات الداخلية وغلبة المصالح الشخصية على العمل بفكر مؤسسي لإنقاذ الوضع القائم، من الصعب حدوث ذلك، حيث تدرك خطورة الاقتراب من هذا الملف، فالموقع الإلكتروني أصبح المتنفس الوحيد لمن أغلقت أو ستغلق إصداراتهم الورقية.

وقال جلال نصار الخبير الإعلامي ورئيس تحرير “الأهرام ويكلي” السابق، إن وجود أكثر من بوابة إلكترونية خبرية لمؤسسة صحافية واحدة أمر بالغ السلبية، حيث يفقدها القدرة على تجميع قواها الشاملة ويجعلها عاجزة عن المنافسة مع المنابر الأخرى.

وأوضح لـ”العرب” أن نجاح المؤسسات الصحافية في التحول من الورقي إلى الإلكتروني يتطلب وجود بوابة مركزية تجتمع تحتها كل المنصات الصادرة عن المؤسسة، وتخدم عليها كل الكوادر، ويتم توزيعها وفق المصلحة لتلبية كل احتياجات ومتطلبات الجمهور.

الصحف الورقية تطرق باب الرقمنة
الصحافة الورقية تطرق باب الرقمنة

وما يلفت الانتباه أن أغلب البوابات الإلكترونية التي ترغب من خلالها المؤسسات القومية منافسة نظيرتها الخاصة تعاني انخفاضا ملحوظا في أعداد الصحافيين بها، مع نقص حاد في الإمكانيات التكنولوجية، ومع ذلك لا تتم الاستعانة بالكوادر الهائلة الموجودة داخل المؤسسة أو تخصيص موارد مالية وأجهزة تقنية تساعدها على مجاراة التطور الحاصل في الإعلام الرقمي.

وترتب على هذا الوضع أن الكثير من البوابات الصحافية للمؤسسات القومية باتت روتينية في نشر المحتوى وأسلوب العرض، فلا تتوافر بها النشرات التلفزيونية التي تقدمها المواقع الخاصة، أو الابتكار والإبهار البصري في طريقة تقديم المعلومة للقارئ، ونادرا ما تكون لديها إمكانيات تستطيع بها التواجد في أماكن الأحداث والفعاليات الحيوية، لتنقلها بأسلوب عصري بعيدا عن الأخبار الروتينية.

في المقابل، قد يكون هناك إصدار أسبوعي وربما شهري لديه إمكانيات ضخمة، بشرية وتقنية، يحتفظ بها لنفسه ولا يسمح بالاقتراب منها، ويتعامل معها كملكية خاصة كنوع من النفوذ والقوة ليستثمرها في خدمة مطبوعته التي لا تبيع أكثر من مئتي نسخة، مع أن لديه العشرات من الصحافيين الذين يحصلون على مستحقاتهم المالية دون عمل أو جهد، مقارنة بزملائهم في البوابة الإلكترونية التي استطاعت الحفاظ على اسم المؤسسة من الاندثار، رغم قلة الإمكانيات والكوادر البشرية.

وأكد نصار أن أزمة الصحف الحكومية أبعد ما تكون عن كونها ورقية أو إلكترونية، بل في غياب الرؤية والتخطيط والمظلة الواحدة والعمل للمصلحة العامة، لا التنافس الداخلي الذي يحول دون وجود رأس حربة وقاطرة رقمية واحدة تضع المؤسسة في المكانة المستحقة.

ومن غير المتوقع أمام هذه الشواهد أن يتم انتشال المؤسسات القومية من عثراتها بسهولة، فالأزمات أكبر من مجرد مشكلات مادية وضعف محتوى، بل إخفاق واضح في توظيف القدرات الهائلة التي تمتلكها هذه الإصدارات، الورقية أو الإلكترونية، وغياب ثقافة المركزية الرقمية في أن تكون هناك بوابة واحدة لكل مؤسسة توفر لها الطاقات والتقنيات التي تجعلها قادرة على المنافسة، لأن استمرار الوضع القائم ينذر بالموت الإكلينيكي للصحافة الحكومية الرقمية أيضا.

18