تحولات اجتماعية تعصف بقداسة رابطة الزواج

تصاعد حالات الانفصال ترتبت عنه تداعيات سلبية على تماسك الأسرة الجزائرية.
السبت 2022/02/19
التفكيك ممنهج

تراجعت قدسية رابطة الزواج بشكل لافت في المجتمع الجزائري، بعد دخول جملة من التحولات والإفرازات السوسيولوجية لدى الأجيال الجديدة على خط العلاقات والعقود الاجتماعية، الأمر الذي يستدعي دق أجراس الإنذار، لاسيما في ظل تصاعد حالات الانفصال وفشل روابط الزواج، وما يترتب عنه من تداعيات سلبية على تماسك الأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع.

الجزائر – تحدثت تقارير رسمية في الجزائر عن تصاعد رهيب لحالات الانفصال بين الأزواج، حيث تم تسجيل عشرة آلاف حالة خلع في السداسي الأول من العام الماضي، ونحو 44 ألف حالة طلاق في نفس الفترة، فضلا عن أكثر من 100 ألف حالة طلاق سجلت في عام ونصف العام، وهي إحصائيات صادمة تستدعي المخابر السوسيولوجية والتشريعية للنظر في الأسباب والخلفيات التي فاقمت ظاهرة انفصال الأزواج.

ولفتت وزارة العدل الجزائرية إلى أن ظاهرة الخلع أخذت منحى تصاعديا في المجتمع الجزائري خلال السنوات الأخيرة، ففيما سجلت 13 ألف حالة العام 2019، ارتفع العدد إلى 15 ألف حالة في العام 2020، وإلى 10 آلاف حالة في سداسي واحد خلال العام 2021، وهو أمر مثير للانتباه ويدعو المختصين إلى التفرغ لدراسة الظاهرة المفزعة.

وذهبت إفادات في تقارير إعلامية محلية إلى أن “الظاهرة هي جزء من مشروع استراتيجي لتفكيك المجتمع، بدأ تنفيذه مباشرة بعد فشل الإرهاب، منذ سنة ألفين، وذلك بخلق هذه المشاكل وتعميقها”، حسب ما جاء على لسان الكاتب والروائي عبدالعزيز غرمول في إفادة له لموقع محلي.

ويبدو أن المتحدث يلمح إلى المرحلة البوتفليقية التي عملت على تمييع المجتمع وتفكيكه، وهي رواية أكدها الأكاديمي محمد عباسة في دراسة له أنجزها بطلب من السلطات الرسمية خلال العقد الأول من الألفية، حوّلها في ما بعد إلى كتاب تم حظره في الجزائر، بعدما تطرق إلى حقائق اجتماعية مثيرة وخطيرة جرى التخطيط لها بواسطة جمعيات وتنظيمات أهلية.

وراء الأرقام المفزعة للطلاق أرقام أخرى أكثر هولا، مثل العزوبة والعنوسة وزنى المحارم والأبناء غير الشرعيين

ويذكر غرمول أن “إفراغ المدرسة من محتواها المعرفي وتحويلها إلى مراكز لمحو الأمية الأبجدية قد أثمر ظهور مجموعة من حملة شهادات عليا ليست لهم قدرة على التفكير السليم، ولا تحليل المعطيات، ولا القدرة على الفهم والاستفادة من علوم العصر وإنجازاته، فضلا عن تتفيه العمل والمهارات والكسب الحلال”.

وتابع “مع استيلاء بوتفليقة وأعوانه على الحكم، بدأ تنفيذ هذا المخطط، بمحو وتتفيه القدوة كمثال ونموذج صالح للأتباع والتقليد، ومنها القدوة العلمية والأدبية والثورية، وكل ما تحفزه فينا هذه القدوات من معرفة وإبداع وتحد، ودفعت إلى الواجهة نماذج ضحلة ومضحكة شكلا ومضمونا، لأن الهدف النهائي هو تسريع آليات التفكيك لاستكمال عناصر القاعدة المعروفة لتفكيك أي أمة وهي تتفيه القدوة، وتسطيح الوعي، وتفكيك نواة المجتمع.. الأسرة “.

ويذهب إلى أن تفكيك الأسرة يجب ألا ننظر له من خلال أرقام الطلاق والخلع التي نصنفها مجازا على أنها أرقام مهولة، ذلك أن وراء هذه الأرقام أرقاما أخرى أكثر هولا، مثل العزوبة والعنوسة وزنى المحارم وعدد الأبناء غير الشرعيين وارتفاع نسبة العهر في المجتمع.

واستدل على ذلك بالقول “في مدينة مثل الجزائر العاصمة حتى العام 2015 كانت فيها 80 ألف امرأة يشتغلن بالدعارة مسجلات لدى الشرطة، حسب مصدر غير رسمي، وهناك وجهات نظر قامت بتبرير نسبة الطلاق العالية بآراء مغلوطة مثل قانون الخلع، أو منحة الطلاق، أو الحجر الصحي أو غيرها”.

ويرى المتحدث أن “الزواج لم يعد من أولوياته بناء أسرة ولا تربية أبناء، بل لدى الغالبية مجرد إشباع غريزي من طرف الذكر، وتحرر اجتماعي من طرف الأنثى، بمعنى أن الذكر يتزوج أنثى تناسب مقاييسه الجنسية، بينما الأنثى بحكم العديد من الإقسارات الاجتماعية تبحث عن ذكر تستعمله للتحرر من قيود العائلة، ومن نظرة المجتمع للعانس وكذلك لحريتها الجنسية مع من تحب في ما بعد.. وفي هذه الخديعة المزدوجة لا يدوم الزواج سوى فترة إشباع الغريزة أو اكتشاف دراما الخديعة”.

وتضاربت القراءات بشأن المسألة في تقارير محلية، حيث فسرت المحامية والحقوقية فاطمة الزهراء بن إبراهم الظاهرة بكونها “ترتبط بتردي الأوضاع الاجتماعية نتيجة توسع دائرة الفقر والبطالة وتراجع القدرة الشرائية، فضلا عن أزمة السكن التي أفضت إلى معاناة شديدة للمرأة بسبب عدم الاستقرار، وإجبارها على العيش في ظروف مزرية، وهو الأمر الذي يدفعها إلى طلب الطلاق أو القيام بالخلع”.

الأولوية في الظرف الراهن للتقليص من توسع الظاهرة، هي التفرغ لتوعية أهل الزوج والزوجة بمرافقة أبنائهم وتكليفهم بمسؤوليات تساعدهم على مواجهة الحياة

وذكرت أن “العديد من حالات الخلع التي تسجلها قاعات المحاكم تخص حالات متشابهة، حيث تقوم المرأة بإيواء زوجها ليتحول بيتها إلى بيت الزوجية، إلا أن أغلب الحالات تنتهي بالخلع لعدم تحمل الرجال لمسؤولياتهم، حيث تكون الزوجة مسؤولة عن كل شيء، ويضطرها زوجها إلى القيام بخلعه حتى لا يدفع لها التعويض، فضلا عن وجود فوارق اجتماعية كبيرة بين الأزواج”.

أما مختصون في القانون وخبراء في علم الاجتماع والعلاقات الأسرية، استعان بهم موقع “أخبار الوطن”، فقد بحثوا أسباب ودلالات الظاهرة، قبل أن تتحول أقدس العلاقات الاجتماعية إلى ترف ولهو يعبث بالهندسة الطبيعية للمجتمع.

وذكر في هذا الشأن المستشار التربوي والأسري مصطفى بن أحمد مصباح أن “العديد من الأسباب تقف خلف تفشي ظاهرة الطلاق بشكل عام، ومنها مفعول شبكات التواصل الاجتماعي في هدم الحياة الزوجية، ونقص التكوين الروحي والفكري قصد رفع الوعي، والتخلي عن المسؤولية وإهمال الحقوق المتبادلة بين الزوجين، مع الجهل في اختيار الأنسب للمشاركة في أعباء الحياة الزوجية، وتدخل الأهل والأقارب في أي مشكلة زوجية، وعدم الاستعانة بمرشد أو خبير في رأب الصدع عند حدوث مشكلة يصعب حلها، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالأولويات ونقص الاهتمام العاطفي بين الزوجين، وإفشاء الأسرار لغير المختصين”.

وعن تصاعد أرقام الخلع، أوضح بأن “المسألة تعود لعدة عوامل، أبرزها عدم وضع الحياة الزوجية من الأولويات من طرف المرأة، والخيانة الزوجية والجفاف العاطفي الذي يطغى على الحياة الزوجية، ونقص الصبر والسعي للاستقلالية والابتعاد عن التحكم، وكذا النظرة الخاطئة لمفهوم القوامة وإلى الإنجاب، ثم استغلال الرجل عمل المرأة وتعوّده الكسل وعدم العمل، ومعاشرة الناس السلبيين الذين يُقللون من قدسية الزواج”.

ويرى المتحدث أن “الأولوية في الظرف الراهن للتقليص من توسع الظاهرة، هي التفرغ لتوعية أهل الزوج والزوجة بمرافقة أبنائهم وتكليفهم بمسؤوليات تساعدهم على مواجهة الحياة مهما كانت المشكلة، مع اهتمام الشباب والفتيات يما يعلي من همتهم ويرفع من قدرهم والابتعاد عن سفاسف الأمور، فضلا عن التكوين قبل الخطبة والزواج والاستفادة من خبرات الناجحين والإيجابيين، والاستعانة بالمرشدين والمستشارين الأسريّين المشهورين عند حدوث أي مشكلة يستعصي حلّها من الزوجين وعدم تركها تتراكم وتتفاقم”.

ويلح على عدم إغفال تغذية الجانب الروحي لتمتين الروابط وتقوية أواصر المحبة بين العائلات المتصاهرة، والتركيز على إيجابيات كل طرف في أي مشكلة حتى يتمّ حلها بكل أريحية، وحين تصحيح أي مشكلة عدم نبشها واستثمارها مستقبلا حتى لا يلجأ الزوجان إلى الطلاق العاطفي، ثم محاولة معرفة كيفية إسعاد كل طرف للشريك لتجنب اللجوء إلى ما يحزن العلاقة الزوجية من خيانة وإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي.

17