تحمل الأطفال لسنة أخرى من تعطيل المدارس لم يعد ممكنا

حيرة شديدة وخوف متنام ينتابان جميع الأسر في مختلف دول العالم بشأن الغموض الذي يلف المصير الدراسي لأبنائهم، والذي بات يتحكم فيه تفشي جائحة كورونا التي ما انفكت تجبر الحكومات على توقيف الدروس بسبب الإجراءات الصحية المتخذة لحماية مواطنيها. وحذر خبراء من أنه إذا واجه الأطفال سنة أخرى من إغلاق المدارس، فستستمر تأثيرات ذلك على الأجيال اللاحقة.
نيويورك - أكدت الأمم المتحدة الأحد على أهمية حماية التعليم باعتباره حقا أساسيا ومنفعة عامة عالمية. وفي اليوم الدولي الثالث للتعليم، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقدرة الطلاب والمعلمين والأسر على الصمود في وجه جائحة أجبرت، في ذروتها، كل المدارس والمعاهد والجامعات تقريبا على إغلاق أبوابها.
وتحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي للتعليم في الرابع والعشرين من يناير، تأكيدا على دوره الأساسي في بناء مجتمعات مستدامة وقوية، ومساهمته في تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة للقضاء على الفقر وتحقيق المساواة وتحسين حياة الناس.
وفي رسالته بمناسبة اليوم الدولي للتعليم، شدد الأمين العام على “ضرورة حماية التعليم باعتباره حقا أساسيا ومنفعة عامة عالمية، لتجنب وقوع كارثة تمس جيلا كاملا”، وفقا لما نقله عنه موقع أخبار الأمم المتحدة.
وحتى قبل الجائحة، كان نحو 258 مليون طفل ويافع، معظمهم فتيات، خارج المدارس. ولم يكن أكثر من نصف من هم في سن العاشرة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يتعلمون قراءة نص بسيط. ودعا الأمين العام إلى اغتنام جميع الفرص في عام 2021، لتغيير هذا الوضع. وشدد على ضرورة التجديد الكامل لموارد صندوق الشراكة العالمية من أجل التعليم، وتعزيز التعاون العالمي في مجال التعليم.

تعطيل المدارس في ذروة الإغلاق العام الناجم عن جائحة فايروس كورونا أثّر على 90 في المئة من الطلاب في العالم
ومن جانبها أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن إغلاق المدارس في جميع أنحاء العالم في إطار الاستجابة لجائحة كوفيد – 19 مثل خطراً غير مسبوق على تعليم الأطفال وسلامتهم.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور، في بيان حديث “إذ ندخل في السنة الثانية من جائحة كوفيد – 19، ومع التصاعد الشديد في حالات الإصابة بالمرض في جميع أنحاء العالم، يجب ألا ندخر جهداً لإبقاء المدارس مفتوحة أو منحها الأولوية في خطط إعادة فتح المؤسسات”.
وأشارت إلى أنه رغم الأدلة الكثيرة على تأثير إغلاق المدارس على الأطفال، والمؤشرات المتزايدة على أن المدارس ليست من محركات انتشار الجائحة، فقد اختارت بلدان عديدة إبقاء المدارس مغلقة، وبعض البلدان الأخرى أغلقت مدارسها لمدة تقارب العام.
وأكدت هدى العريبي (مدرّسة في إحدى المدارس التونسية) أنه ليس بوسع الأطفال أن يمروا بسنة أخرى دون دراسة، وقالت “لقد لاحظنا تدني التحصيل العلمي لأغلب التلاميذ نتيجة التوقف عن الدروس في السنة الماضية وطول فترة العطلة التي فرضتها إجراءات الحجر الصحي بسبب فايروس كورونا، مما أثر سلبا على مستوى تعلمهم خلال السنة الحالية”.
وأوضحت المربية التونسية لـ”العرب” أن “التوجه الذي اختارته وزارة التربية والتعليم في تونس لتيسير العمل ضمن فرق خلف نتائج عكسية على التحصيل الدراسي لدى الأطفال، نظرا إلى أنه تم اتخاذه دون الرجوع إلى أصحاب الاختصاص، وذلك بإدماج العديد من المحتويات في حيز زمني قصير، وإلغاء فترات التقييم والدعم والعلاج لربح الوقت على حساب تلافي الأخطاء وإصلاحها، وبذلك لم يجد المربي متسعا من الوقت للقيام بمهمته على أكمل وجه”.
وكانت كلفة إغلاق المدارس مدمرة، فقد أثّر تعطيل المدارس في ذروة الإغلاق الناجم عن الجائحة على 90 في المئة من الطلاب في العالم، وترك أكثر من ثلث الأطفال دون الحصول على التعلّم عن بُعد.
وأشارت فور إلى أن “عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس سيزداد بمقدار 24 مليون طفل، وهو مستوى لم نشهده منذ سنوات عديدة وكافحنا كفاحاً مريراً للتغلب عليه”، مضيفة “لقد تراجعَتْ قدرة الأطفال على القراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية البسيطة، وتضاءلَ ما يملكونه من مهارات يحتاجون إليها لتطوير مهاراتهم في القرن الحادي والعشرين، كما تتعرض صحتهم ونماؤهم وسلامتهم ورفاههم للخطر. وسيتحمل الأشد ضعفاً بينهم الوطأة الأشد”.
كما لفتت إلى أن انقطاعهم عن تناول الوجَبات المدرسية يؤدي إلى شعورهم بالجوع وإلى تدهور صحتهم. وفي غياب التفاعل اليومي مع أقرانهم وتقلُّص نشاطهم يخسرون لياقتهم البدنية ويُظهرون مؤشرات على الاضطراب النفسي. ومن دون شبكة الأمان التي عادة ما توفرها المدارس، باتوا أكثر عرضة للإساءات والتزويج والتشغيل.
ولفتت فور إلى أنه في الحالات التي توجد فيها مستويات عالية من انتقال العدوى مجتمعيا، وحيثما تتعرض الأنظمة الصحية لضغوط شديدة ويتقرر أنه لا مناص من إغلاق المدارس، يجب وضع ضمانات لحماية الأطفال. وهذا يشمل ضمان تمكين الأطفال المعرضين لخطر العنف في منازلهم، وأولئك الذين يعتمدون على الوجبات المدرسية، والأطفال من الأسر التي يكون فيها الوالدان من العمال الأساسيين، من مواصلة تعليمهم في المدرسة.
وقالت اليونيسف إنه مع نهاية شهر أبريل الماضي، كان إغلاق المدارس في العديد من الدول يعطل تعلم أكثر من 73 في المئة من طلاب العالم. وأشارت إلى أن للمدارس دورا أكبر بكثير من مجرد تعليم الأطفال القراءة والكتابة والحساب، فهي توفر خدمات التغذية والصحة والنظافة، وتدعم صحة التلاميذ العقلية وتقدم لهم الدعم النفسي والاجتماعي، وتحد بشكل كبير من مخاطر العنف والحمل المبكر وغيرهما.
وأكدت أن “الأطفال الأشد فقرا هم الأكثر تضررا جراء إغلاق المدارس، وقد علمتنا أزمات سابقة أنه كلما طالت الفترة التي يمضيها الأطفال دون مدرسة، قلت أرجحية عودتهم إليها”.
وأشارت جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) إلى أن العالم يحتفل في 24 – 1 – 2021 باليوم الدولي للتعليم في ظل جائحة كورونا التي أدت إلى توقف واضطراب العملية التعليمية في جميع أنحاء العالم، فأغلقت المدارس والجامعات ومراكز محو الأمية والمؤسسات التعليمية المختلفة كلياً أو جزئياً، مما تسبب في تأثر 1.6 مليار طالب وطالبة سلباً في 190 دولة.
وأكدت أن خسائر التعليم -ولو مؤقتا- لا يمكن تعويضها، على عكس الخسائر الاقتصادية التي يمكن لها أن تتعافى لاحقا. لذا فإن انتظام العملية التعليمية وعودة الطلاب والطالبات إلى المدارس والجامعات من أهم الأولويات التي لا يمكن التباطؤ في تنفيذها أو تأجيلها تحت أي ظرف أو لأي سبب كان.
ونبهت إلى أن تقرير أهداف التنمية المستدامة 2020 الصادر عن الأمم المتحدة أكد أن جائحة كورونا قد وجهت ضربة قاسية ومفاجئة لنظم التعليم في مختلف دول العالم، فالتعليم المعطل يؤثر على نتائج التعليم والنماء الاجتماعي والسلوكي، ويعتبر الشباب والشابات في المجتمعات الضعيفة والمحرومة معرضين بشكل خاص لخطر الاستبعاد من التعليم، وهو ما يؤشر على تعميق أزمة التعليم وتوسع إطار عدم المساواة.