تحقيقات الفساد تكشف خراب قطاع تجميع السيارات الجزائري

كشفت تحقيقات الفساد في الجزائر مع مجموعة من رجال الأعمال عن مدى خراب قطاع تجميع وتركيب السيارات بعد أن فتح القضاء ملفات شركاء لعلامات آسيوية وأوروبية، التي أظهرت أنها مجرد واجهة دعائية ترهق الاقتصاد الجزائري.
الجزائر - أكدّت حملة محاربة الفساد المفتوحة في الجزائر ضد عدد من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين المحسوبين على النظام السابق، أن نشاط قطاع السيارات تلقى ضربة قاصمة ترهن مستقبله لسنوات.
وتُواجه صناعة تجميع السيارات منذ سنوات أزمات متلاحقة ومعقدة، زيادة على أنه شكل إحدى بؤر احتكار السوق ونهب المال العام، لاسيما بعدما عدلت السلطات في فبراير 2018 عن قرارها بتحديد عدد المصانع المرخص لها بالنشاط.
وفي دليل على أن السوق المحلية، التي ما زالت تحت صدمة تعطّل الإنتاج المحلي، مرشحة للانكماش خلال الأشهر القادمة تأكيد وزير التجارة محمد جلاب في حكومة تصريف الأعمال أن قانون استيراد السيارات الأقل من ثلاث سنوات، لا يزال قيد الدراسة.
وقال جلاب إن “الحكومة ستتريّث في دراسة الملف ودراسته بدقة من جميع الجوانب، لتلافي الفوضى التي سادت القطاع خلال سنوات مضت”، قبل أن يتقرر وقف استيراد السيارات المستعملة، وإبقاء الجديدة في بداية الأمر، ثم وقف الاستيراد كلية بحجة دعم المنتوج المحلي بداية من العام 2015.
وتعتبر الجزائر سوقا رائجة للسيارات، فهي الثانية من حيث الترتيب في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، حيث وصل سقف استقطابها في 2013 إلى أكثر من 600 ألف وحدة بتكلفة قدرت بنحو 6 مليارات دولار، ما جعلها محل منافسة بين كبار المصنعين وخاصة من أوروبا.
القضاء الجزائري قد أمر بسجن عدد من الناشطين في مجال تجميع وتركيب المركبات والسيارات خلال الفترة الماضية، تحت طائلة محاربة الفساد
وكان القضاء الجزائري قد أمر بسجن عدد من الناشطين في مجال تجميع وتركيب المركبات والسيارات خلال الفترة الماضية، تحت طائلة محاربة الفساد، على غرار محي الدين طحكوت وحسان عرباوي ومراد عولمي، المالكين لمؤسسات محلية شريكة مع علامات ومجمعات آسيوية وأوروبية.
وجاءت حملة التوقيفات القضائية لعدد من رجال المال والأعمال في خضم موجة احتجاجات شعبية دخلت شهرها الرابع ضد رموز ومؤسسات نظام عبدالعزيز بوتفليقة، في خطوة لإرضاء مطالب الشارع المنتفض وتهدئة الوضع السياسي والاجتماعي القريب من الانفلات.
ووفق المعطيات الأولية، فإن التهم الموجهة للموقوفين تتعلق بتهريب الأموال للخارج والحصول على مزايا بطرق غير قانونية وتضخيم الفواتير، في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات الإضافية مع المشتبه بهم.
وحاول طحكوت، مالك سيما موتورز، الضغط على الحكومة بورقة عمال الشركة للاحتجاج على ما وصفه بـ”التضييق والخنق” و”الحفاظ على فرص العمل”، إلا أن الحكومة كانت صارمة في التعامل مع الوضع، وشدّدت على أن “الحساب سيطال الجميع ولن يستثني أحدا”.
وكانت مؤسسات مملوكة لعدد من رجال الأعمال، قد أقامت مصانع باستثمارات لا تتجاوز 200 مليون دولار، بالشراكة مع مجمعات آسيوية وأوروبية، على غرار هيونداي وكيا الكوريتين، وفولكسفاغن الألمانية. ولم يصدر أي تعليق منها لحد الآن عن وضع فروعها في الجزائر.
وقررت حكومة تصريف الأعمال بقيادة نورالدين بدوي خفض حجم الأموال المخصصة لاستيراد القطع والأجزاء إلى نحو ملياري دولار، بعدما كان ذلك السقف يبلغ نحو 6 مليارات دولار، وشكّل عبئا ثقيلا على الخزينة العامة.
وتمثل الإيرادات النفطية مصدرا رئيسيا للتمويل الخارجي، للبلد الذي يعاني من تدهور احتياطات النقد الأجنبي، والتي تشير التقديرات إلى أنها أقل من 80 مليار دولار بعد أن كانت في مطلع 2014 عند مستوى 197 مليار دولار.
ويذهب مختصون إلى أن القطاع مرشح للتلاشي في البلاد، تحت ضغط عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وأن شبهات الفساد التي تحوم حول رجال الأعمال الموقوفين، ستدفع بالشركات الأم إلى مراجعة وضع فروعها في البلاد، حماية لسمعة منتوجاتها خاصة من حيث الجودة والأسعار والشفافية.
وأكدت مصادر لـ”العرب” أن السوق المحلية تشهد انكماشا غير مسبوق بعد توقف عدد من المؤسسات عن النشاط.
وأرجعت المصادر ذلك إلى الغموض الذي بات يكتنف وضع ملاكها وإعادة الحكومة النظر في السقف الممنوح من العملة الصعبة لاستيراد القطع والأجزاء من الشركات الأم.
وتسود الأوساط الشعبية حالة من الترقب في انتظار إصدار الحكومة قانونا جديدا يتعلق باستيراد السيارات المستعملة من الخارج.
ويصطدم برنامج توريد السيارات المستعملة بعقبات فنية ومالية لتنفيذه على أرض الواقع رغم أنه خطوة يعتقد البعض من المختصين أنها ستساعد الدولة على كبح استنزاف الاحتياطات النقدية التي يحتاجها قطاع تصنيع المركبات لتوريد المواد الأولية.
ويرى رئيس جمعية وكلاء السيارات السابق يوسف نباش، أن العودة إلى نظام استيراد السيارات والمركبات المستعملة، مع دفتر شروط منظم، هو الآلية الوحيدة لرفع احتكار اللوبيات عن السوق ووقف تهريب العملة الصعبة تحت يافطة الاستيراد.
ولفت إلى أن نشاط التجميع والتركيب انطلق بصفة عشوائية ومشبوهة لشرعنة وتقنين الاحتكار والفساد ورهن السوق المحلية، إذ صار المستهلكون مجبرين على المنتوج المحلي، رغم العيوب والغش والافتقاد للمعايير اللازمة، وأن العودة إلى الاستيراد الفردي تضع صاحبها أمام حرية الاختيار بالأسعار المناسبة.
وكانت الحكومات السابقة قد أقرّت إجراءات تحفيزية كبيرة لفائدة الناشطين في القطاع، حيث تم إعفاؤهم من دفع الرسوم الضريبية والقيمة المضافة والرسوم الجمركية، لكن رغم ذلك عرفت السوق غليانا في الأسعار بشكل غير معقول.
وأثبت توازي توقيف حسان عرباوي مالك غلوبال غروب، شريكة كيا الكورية، واستدعاء القضاء لوزيري صناعة سابقين هما يوسف يوسفي ومحجوب بدة، للتحقيق معهما في شبهات فساد، أن لوبيات إدارية ومالية حوّلت القطاع إلى بؤرة للاحتكار والنهب والتهريب، بدل أن يكون رافدا اقتصاديا.