تحرير احتكار الإعلام السوداني لا يكفي لتشكيل صناعة قابلة للحياة

لم تتخطّ المؤسسات الصحافية السودانية الظروف التي عاشتها في ظل النظام السابق، الأمر الذي أثر عليها سلبا في مرحلة التحول الديمقراطي، ولم يتغير الأداء، وتحاول الحكومة بإعلان التوجه نحو فسح المجال للإعلام الخاص وإزالة القيود التشريعية أمام وسائل الإعلام، إعطاء دفعة للصحافة لتطوير أدائها.
الخرطوم - أعلن وزير الثقافة والإعلام السوداني، فيصل محمد صالح، أن الوزارة تتجه إلى “تحرير احتكار الإعلام بإعطاء مجال للإعلام الخاص وإزالة القيود التشريعية حتى تتعدد وسائل الإعلام”، وذلك في ظل حديث عن بقاء الصحافة السودانية أسيرة المنظومة السابقة وعدم مواكبة التحول الديمقراطي.
وقال صالح خلال الاحتفالية الختامية حول تطوير خارطة طريق لإصلاح الإعلام في السودان “نريد إعطاء أجهزة الإعلام قدرا كبيرا من الاستقلالية لتكون مملوكة للدولة والمجتمع” وأكد على أهمية وضع خطة وطنية للتدريب.
ويشير حديث صالح إلى رغبة الحكومة في إنهاء احتكار الدولة لوسائل الإعلام والصحف، إذ ما زالت بشكلها الحالي تعاني من نقاط ضعف عديدة على صعيد المحتوى والتأثير لدى الرأي العام، ومن أزمات مالية أنهكت الناشرين الذين اضطروا إلى رفع أسعار الصحف والإعلانات فيها في يوليو الماضي، والذي لم يكن حلا ناجعا للأزمة.

شيورد سميث: هنالك رقابة ذاتية تفرضها الصحف والصحافيون على أنفسهم رغم زوال الخطوط الحمراء
ولم يتغير أداء الصحافة السودانية، فهي عبارة عن تكرار للأخبار التي يتم تداولها في المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا تناقش أفكارا جديدة ولا تهتم بقضايا حساسة تشغل اهتمام المواطن.ويقول متابعون لأوضاع الصحافة والإعلام في السودان، إن المؤسسات الصحافية ضعيفة ولم تتخطّ بعد الظروف التي عاشتها الصحف الورقية في ظل الأنظمة الشمولية، الأمر الذي منعها من التطور مع التحول الديمقراطي.
ويربط البعض مشكلة التمويل بضعف أداء الصحافيين، فعوامل تراجع الإعلان المستمر وتدني نسبة مبيعات النسخ تتسبب في عجز الصحف عن توفير تكاليف الطباعة والنشر والتوزيع والورق والحبر، وهي أيضا لا تساعد الصحافيين على الابتكار والإنتاج الصحافي الجيد.
ويقول معظم الصحافيين إنهم يعملون بأجور زهيدة تحرمهم من العمل الميداني المُبتكر والتدريب ومن الآفاق المهنية المفتوحة والمجزية. كما أن سوء الإدارة والتخطيط في المؤسسات الإعلامية جعلها غير قادرة على تشكيل صناعة قابلة للحياة عبر خدمات متكاملة من صحيفة ورقية، وموقع إخباري وراديو وتلفزيون.
ويضيفون أن الصحافة الورقية بشكلها التقليدي تتراجع في العالم كله وكبريات الصحف في البلدان الغربية قلصت الجانب الورقي في نسخ ورقية محدودة وانتقلت إلى النشر الإلكتروني، لكن الصحافة السودانية لم تواكب هذه الطفرة العالمية، كما أنها لم تغير قوالبها التحريرية لجذب المتلقي.
وتطفو على السطح مسألة ارتباط المؤسسات الصحافية بالحكومة من خلال توزيع الإعلانات، إذ ظلت طيلة 30 عاما أداة ترغيب وترهيب لإخضاع الصحف، فباتت الرقابة الذاتية أشبه ببرتوكول صحافي التزم به الصحافيون وساروا على نفس النهج حتى بعد ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بنظام عمر حسن البشير.
وقال شيورد سميث، نائب رئيس البعثة الهولندية بالخرطوم على هامش المؤتمر العالمي لحرية الصحافة 2020، إن الصحافة السودانية لم تستمتع بالحرية المتاحة بعد، حيث لا تزال هنالك رقابة ذاتية تفرضها الصحف والصحافيون على أنفسهم رغم زوال الخطوط الحمراء. وأشار إلى وجود صعوبات عديدة تواجه الصحافيين.
ونوه إلى أن هناك دورًا مهمًا للغاية لوسائل الإعلام، على وجه الخصوص خارج الخرطوم، مما يستوجب اللجوء إلى الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، وأضاف “ليس بالضرورة وسائط التواصل الاجتماعي ولكن الصحف البارزة والشهيرة التي يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت”.
ويعتبر إصلاح القوانين من أهم عوامل تحرير الصحافة السودانية ودفعها نحو التطوير، إذ كانت الصحف محاصرة بجملة من القوانين التي تقيد حرية الصحافة والتعبير، أبرزها قانون العام 2009 الذي تضمن مواد عقابية تجيز حظر الصحف لعدة أيام، وهو ما كان يجري دائما، فلا يكاد يمر يوم دون حظر إحدى الصحف السودانية، أما قانون العام 2013 فنصّ على إمكان إغلاق دور الطباعة وفرض غرامات على الناشرين، وكانت تتم مصادرة الصحف من دون سابق إنذار ومن دون إعلام الناشرين بالأسباب، كما كان يتم استدعاء الصحافيين أمام النيابة العامة بلا إجراءات قانونية محددة، ومن غير علم بتُهمتِهم، لكن الأسباب الشائعة بين الصحافيين هي انتقاد سياسات الحكومة أو الإشارة إلى بعض مواطن الفساد الحكومي وغيرها.
وفرضت قيود قانونية على الصحافيين استنادا إلى مواد من القانون الجنائي لعام 1991، مثل “تقويض النظام الدستوري” و”نشر الأخبار الكاذبة”، كذلك بعض المواد من قانون جرائم المعلوماتية للعام 2007، وقانون الصحافة والمطبوعات 2009، وقانون الأمن الوطني 2010. وأشار وزير الإعلام في تصريحاته، الأحد، إلى هذا الجانب، قائلا إن الوزارة شرعت في مراجعة التشريعات الخاصة بالإعلام مع كلية القانون بجامعة الخرطوم.
وتشمل تلك التشريعات قانون الصحافة والمطبوعات وقانون الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وقانون حق الحصول على المعلومات وقانون البث الإذاعي بجانب قانون جرائم المعلوماتية.
وكشف صالح عن وجود مشروع مشترك مع المعونة الأميركية لمسح المؤسسات الإعلامية وتحديد الاحتياجات التدريبية لوضع خطة وطنية للتدريب في 18 ولاية.