تحديات اقتصادية معقدة تنتظر سلطة ما بعد الحراك الجزائري

الخبراء يؤكدون خطورة الوضع والحاجة الماسة لتحول اقتصادي، والشرعية الجديدة آخر آمال إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي.
الجمعة 2019/03/22
تحديات شلل الاقتصاد والبطالة تنتظر المخلص

تصاعدت تحذيرات خبراء الاقتصاد من خطورة التركة الاقتصادية الثقيلة التي ستتسلمها أي سلطة جديدة في الجزائر. وأكدت أن الأوضاع الاقتصادية المتردية هي محور الأزمة وستمثل أكبر التحديات في الأشهر المقبلة.

الجزائر - دعا الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس، في مداخلات وتصريحات صحافية، ناشطي الحراك الشعبي إلى أخذ الرهانات الاقتصادية بعين الاعتبار، في حملة الضغط الشعبي على السلطة، باعتبارها ستكون السند الحقيقي لأي حكومة مستقبلية.

وأكد أنه يتوجّب على الحراك الشعبي عدم استهلاك الكثير من الوقت في تحقيق مطالبه المرفوعة، لأن البلاد تنتظرها تحديات اقتصادية كبيرة ومعقدة، في ظل الاختلالات المتفاقمة في الاقتصاد المحلي.

وأضاف “مهما كان شكل وشرعية الحكومة المقبلة، فإنها ستستلم قنبلة موقوتة، قياسا بالتركة التي ترثها عن السلطة الحالية في الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، وأن القرار الاقتصادي القادم يتوجب أن يكون حكيما ورزينا، وإلا كان مصيرها الانهيار”.

إسماعيل لالماس: مهما كان شكل الحكومة المقبلة، فإنها ستستلم قنبلة اقتصادية موقوتة
إسماعيل لالماس: مهما كان شكل الحكومة المقبلة، فإنها ستستلم قنبلة اقتصادية موقوتة

واستدل بتوقعات وطموحات الشارع الجزائري لتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، مقابل تداعيات خطيرة للمغامرات التي أقدمت عليها الحكومة المستقيلة، والمتمثلة في اللجوء إلى التمويل غير التقليدي، الذي سيكون وبالا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل القريب.

وذكرت إحصائيات صادرة عن وزارة المالية، بأن البنك الجزائري طبع ما يعادل الـ60 مليار دولار من العملة المحلية، في غضون العامين الأخيرين، ولم يبد الوزير عبدالرحمن راوية، نية لدى الحكومة في التوقف عن العملية ولا إلى التبعات الخطيرة التي ستنجم عنها.

وحذر خبراء اقتصاديون، من خيار حكومة أحمد أويحيى المستقيلة، من تجاوز سقف التوقعات في طبع الأوراق المالية دون مقابل اقتصادي، وعدم تفعيل اللجنة التي استحدثت في العام 2017 من أجل متابعة التمويل غير التقليدي.

ويشدد إسماعيل لالماس، على أن “أكبر تحديات السلطة التي سيفرزها الحراك الشعبي، هي التوازنات الكبرى للاقتصاد الوطني، في ظل تقلص مخزون النقد الأجنبي إلى ما دون الـ80 مليار دولار، وارتفاع مؤشرات التضخم، والعجز المستفحل في مختلف الحسابات”.

وتضاربت القراءات بشأن شن إضرابات في قطاع النفط، بين مؤيد لما يشكله من ضغط على السلطة الحاكمة، وبين معارض بسبب ما يراه مساسا بالمصدر الرئيسي لاقتصاد البلاد، وإضرارا بالقطاع الذي يمثل نحو 98 بالمئة من مداخيل الخزينة العمومية بالعملة الصعبة.

وذهب الخبير المالي فرحات آيت علي، إلى أن “خروج الشعب الجزائري إلى الشارع، لم يحدث إلا بعد أن يئس من مخططات المنظومة الحاكمة في جميع المجالات، بما فيها الاقتصاد”.

وقال “المتعامل الأجنبي أو رأسمال المال لا يمكن أن يجازف باستثماراته إلا في مناخ الاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو ما يحتم ضرورة عدم تضييع وقت طويل في الوصول إلى شرعية سياسية شعبية، تسمح للحكومة القادمة بوضع آليات الإقلاع الاقتصادي”.

وفي هذا الشأن كان خبراء شركة أكسون موبيل الأميركية، قد أعلنت في بحر هذا الأسبوع، عن تجميد مشاوراتها مع نظرائها في شركة سوناطراك الجزائرية، بسبب تطورات الحراك الشعبي، وامتداد عدوى الاحتجاجات إلى بعض القواعد النفطية في جنوب البلاد.

فرحات آيت علي: المستثمر الأجنبي لا يمكن أن يجازف بأمواله في ظل وضع الجزائر الحالي
فرحات آيت علي: المستثمر الأجنبي لا يمكن أن يجازف بأمواله في ظل وضع الجزائر الحالي

كما أقرت إحصائيات دولية صدرت مؤخرا، بأن “صادرات الغاز الجزائري تراجعت بنحو 40 بالمئة”، وهو ما يعكس تحديا مسكوتا عنه، حول تقلص الاحتياطات النفطية والغازية في الجزائر، لاسيما في ظل ارتفاع الاستهلاك الداخلي.

وهو الدافع الذي ضغط على إدارة سوناطراك ووزارة الطاقة إلى تفعيل وتيرة التنقيب والتوجه نحو المناطق الشمالية للبلاد والبحر، ووضع قانون محروقات جديد قيد الإعداد لتمريره في شهر جوان القادم، إلا أن اندلاع الحراك الشعبي أخلط جميع الأوراق.

وأكد المتحدث في تصريح للتلفزيون الحكومي، بأنه “يتعين على الحراك الشعبي اختصار كل الوقت لفرض مطالبه السياسية، وعدم الذهاب إلى أي نوع من المراحل الانتقالية، لأن الوقت يضغط باتجاه إغراق البلاد في متاهات اقتصادية خطيرة، وكلما تأخرت البلاد في العودة إلى الشرعية الحقيقية، كلما ضاعت فرص النجاة لديها”.

واستدل على ذلك بالقول “تقلص مخزون النقد الأجنبي، مقابل الكتلة المطبوعة من الورق النقدي، سيهوي بالعملة المحلية إلى الحضيض، وعندها ستكون البلاد أمام انعدام الحلول والاستسلام للانهيار الكلي”.

واستبعد مختصون، أن يلحق الحراك الشعبي أضرارا بالاقتصاد المحلي في الظرف الراهن، في ظل عدم اللجوء إلى الإضرابات أو شل القطاعات الحيوية، لكن حالة الاستقطاب بينه وبين السلطة، يدفع باتجاه القبضة الحديدية التي قد تجر الشارع إلى عصيان مدني، يلحق خسائر بشركات المياه والكهرباء على وجه التحديد، بسبب عدم دفع مستحقات فواتير الاستهلاك.

وهو ما أكده رئيس منظمة حماية المستهلك مصطفى زبدي، بأن أسعار المواد الاستهلاكية لم تشهد أي اختلال في فترة الحراك الشعبي الممتد من الـ22 فبراير الماضي إلى غاية اليوم، إلا خلال يومي الإضراب الوطني.

11