تجاوزات النواب تثير جدل الحصانة في تونس

دعوات متصاعدة لرفع الحصانة البرلمانية عن نواب ائتلاف الكرامة على خلفية شجار رئيسه مع أمن مطار تونس قرطاج وتجاوزات أخرى.
الجمعة 2021/03/19
تجاوزات علنية

تونس - تعالت الأصوات المطالبة برفع الحصانة عن بعض نواب الأحزاب الحاكمة في تونس مجددا، في ظل تجاوزاتهم المستمرة وإصرارهم على استغلال ما يتمتعون به من صلاحيات في القيام بخروقات في تجاوز علني للسلطة ودولة القانون.

وأثارت تصرفات رئيس حزب ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف المحسوب على اليمين الديني مؤخرا امتعاضا شعبيا واسعا، وذلك بعد شجاره مع أمن مطار تونس قرطاج إثر منع مسافرة من مغادرة البلاد لدواع أمنية.

وبدأ الخلاف كما بيّنته مقاطع فيديو مباشرة من المطار انتشرت بمواقع التواصل الاجتماعي، مع رفض قوات الأمن السماح سفر امرأة إلى تركيا استنادا إلى إجراءات أمنية تفرض قيودا على السفر إلى الخارج.

وفيما طالب نواب ائتلاف الكرامة في البرلمان بإلغاء كامل لتلك القيود وقال النائب في المطار “نحن السلطة الأصلية التي تنبثق منها باقي المؤسسات”. اعتبرت نقابة أمنية “أن ما قام به مخلوف تعد على الدستور وعلى مبدأ فصل السلطات وعلى علوية القانون يستوجب في دولة تحترم نفسها وشعبها سحب الحصانة البرلمانية منه فورا وتتبعه عدليا”.

ويرى متابعون أن الأحزاب خاصة المشاركة في التحالف الحكومي، تستغل الحصانة للتوغل في الحكم وتمرير أجندتها السياسية وتحقيق مصالحها الضيقة، فيما تمنحها الحصانة الفرصة للإفلات من العقاب.

ومع استمرار تجاوزات وممارسات نواب ائتلاف الكرامة المستفزة بشكل خاص تحت قبة البرلمان وتواصل خطابهم التحريضي الذي يثير المخاوف من استشراء مناخ العنف بالبلاد، تتزايد الدعوات لرفع الحصانة البرلمانية ضدهم وضد كل نائب تشوب حوله شبهات.

ويتساءل المتابعون عن سبب عدم رفع الحصانة التي تشترط وقوع حالة “التلبس” حسب القانون التونسي إلى حد الآن. ولاحظ هؤلاء أن هذا الشرط توفر مع أكثر من حادثة مثيرة للجدل آخرها حادثة المطار وسبقها اختراق نواب للحجر الصحي واستخدامهم للعنف اللفظي، إلا أنه لم يقع إيقاف أي نائب من ائتلاف الكرامة، وقد حالت الحصانة البرلمانية دون ذلك.

ويأتي التغاضي عن دعوات رفع الحصانة في ظل استياء شعبي بسبب جلسات البرلمان الصاخبة المثيرة للسخرية والتهكم في أحيان كثيرة على خلفية مشاحنات النواب المستمرة.

وتعكس صفحات فيسبوك التي تحمل عناوين مثل “الشعب يريد رفع الحصانة” أو “حملة شعبية لإلغاء الحصانة البرلمانية” والتي تلاقي تجاوبا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تأييد الشارع التونسي بشكل واسع لخضوع النائب للمساءلة حتى لا يحتمي بالحصانة للإفلات من العقاب.

كما سبق أن أطلقت دعوات على مواقع التواصل لإلغاء الحصانة عن النخب السياسية التي تلاحقها شبهات فساد، وذلك كمحاولة لفرض المحاسبة القضائية.

مع ذلك لا تلاقي دعوات رفع الحصانة صدى لدى الطبقة الحاكمة التي تتوجس من خسارة نفوذها في المشهد، وتأثير فتح ملف المحاسبة والمساءلة على شعبيتها وخزانها الانتخابي.

ويشير عبدالرزاق عويدات نائب رئيس الكتلة الديمقراطية في حديثه لـ”العرب” أن “الدستور يتمسك بالحصانة حماية لعمل النائب”.

وأكد أنّ “المسألة محكومة بالدستور وبالنظام الداخلي للبرلمان والأمر مقنن ومضبوط”. وشرح بالقول “هناك فهم خاطئ للحصانة البرلمانية، أولا من ضبط متلبسا بجريمة لا حصانة له، ويمكن القبض عليه ويمكن إيداعه الإيقاف والسجن وإحالته على القضاء بمجرد وجوده متلبسا”.

وتابع “بعد أن يقع ضبط النائب متلبسا بالجريمة، يقع إعلام رئيس البرلمان لتداول هذا الموضوع في مكتب المجلس، وعلى إثرها يقرر إما رفع الحصانة عنه أو التمسك بها”.

وتعليقا على حادثة المطار، أوضح عويدات أنه كان “بإمكان النيابة العمومية أن تأمر بإيقاف النائب متلبسا بجريمته لكن لم تفعل”.

وينص الفصل 68 من الدستور التونسي على أنه “لا يمكن إجراء تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب أو إيقافه أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها أو أعمال يقوم بها في ارتباط بمهامه النيابيّة”.

كما ينص الفصل 69 على أنه “إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة، أما في حالة التلبّس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه ويُعْلم رئيس المجلس حالا على أن ينتهي الإيقاف إذا طلب مكتب المجلس ذلك”.

ويلفت مصطفى بن أحمد رئيس كتلة حزب تحيا تونس في حديثه لـ”العرب” إلى أن “الحصانة تشمل ممارسة النائب لمهامه الرقابية والتشريعية فقط”. مستدركا “لكن إذا ارتكب جرائم وتجاوز مهامه، يستوجب حينئذ المحاسبة وتطبيق القانون عليه كبقية المواطنين”.

ولم تتوقف استفزازات التيار المحافظ عند التدخل في مهام الأجهزة الأمنية، وطالت أيضا قطاع الإعلام بعد رفض النائب عن حزب الرحمة سعيد الجزيري حجز الهيئة العليا المستقلة للإعلام (الهايكا) معدات إذاعة القرآن الكريم باعتبارها غير قانونية ودون رخصة بث.

وأكدت الهيئة في بيان نشرته على صفحتها بموقع فيسبوك الأربعاء أن “صاحب القناة غير القانونية النائب سعيد الجزيري تصدى لعملية الحجز بمقر الإذاعة بحجة أنه محل سكناه”.

وأضافت أنه “تعذر بذلك استكمال إجراءات الحجز باعتبار أن للشخص المعني صفة نائب شعب وأنه يتمتع بالحصانة البرلمانية”.

وأشارت إلى أنه “تترتب عن التلبس بجريمة البث دون إجازة من خلال استعمال ترددات دون الحصول على موافقة السلط المعنية، عقوبات سالبة للحرية حسب الفصل 82 من مجلة الاتصالات”.

ورفضت الهيئة منح رخصة البث لإذاعة القرآن الكريم تطبيقا لبنود كراس الشروط الذي يمنع منح إجازات دينية للإعلام الخاص وتركها حصريا للإعلام العمومي، كما أن صاحب الإذاعة هو رئيس حزب الرحمة، وهو ما يتنافى أيضا مع كراس الشروط الذي يمنع إسناد الإجازات للأحزاب السياسية أو إدارتها من قبل قيادات حزبية.

وأوضح عمر الوسلاتي نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للإعلام في حديثه لـ”العرب” أن “الهيئة بعد الاستجابة لقرار المحكمة الإدارية، أعادت النظر في ملف إذاعة القرآن الكريم، واتخذت قرارا برفض منحها رخصة بث”.

وشرح بالقول “القانون يمنع أن يكون لدى الجزيري إذاعة قرآن التي هي في الأصل ليست تحت ملكه، وإنما تحت ملكية شقيقه حسب الوثائق المقدمة”. وتابع “هو من يقوم بتسييرها وتمويلها”.

وأكد أنه وقع اتخاذ قرار بتطبيق القانون وحجز معدات الإذاعة التي تبث بمعدات مهربة، و”استعنا بالقوة العامة وأعلمنا الجهات الأمنية بهذه الخطوة”. مستدركا “لكن للأسف وجدنا أنفسنا إزاء حصانة برلمانية، وهي ما أعاقت عملنا”.

وأضاف “من المؤسف أن جرائم تلبسية تعترضها الحصانة البرلمانية وتضع دولة القانون في مشكل”. محذرا من استغلال تردد الإذاعة الذي يتبع الدولة، في بث خطابات خطيرة تحرض ضدها.

وأوضح الوسلاتي أن “ما ارتكبه الجزيري جريمة، لمنعه سلطة عمومية من القيام بمهامها وممارسة ووظيفتها”.

وأبدى أسفه لوجود حالة من الانفلات العام في المشهد الإعلامي والسياسي، الأمر الذي يؤثر على تطبيق القرارات والقوانين.

وأردف بالقول “أصبحت وسائل الإعلام بروباغندا للوصول إلى البرلمان”. مستحضرا تقرير دائرة الحسابات الذي كشف أن كل من يملك وسيلة إعلام يخول له فعلا الوصول إلى البرلمان، وذلك استنادا لتجربة مالك قناة نسمة قطب الإعلام نبيل القروي، وتجربة الجزيري الذي تحوّل من إمام مسجد إلى نائب بالبرلمان من خلال حشده الناخبين عبر إذاعة القرآن الكريم.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يمنع موسي من حضور أشغال البرلمان

4