تجاهل الحكومة لاحتجاجات العمال يزيد من تشدّد النقابات في الجزائر

رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد يعتبر أن بعض الممارسات النقابية ترمي إلى تعكير مناخ التغيير الذي شرعت فيه السلطات العمومية.
الجمعة 2021/04/30
سوء تقدير من الدولة

الجزائر- دخلت الجبهة الاجتماعية في الجزائر منعرجا مفاجئا في ظل تصاعد السجال بين الشركاء الاجتماعيين وبين الحكومة والدوائر المقربة منها، فالحوار المرتقب فتحه بين ممثلي العمال وبين السلطات الوصية، حل محله اتهامات وجهها رئيس الوزراء ورئيس الغرفة الثانية للبرلمان لهؤلاء، باستغلال الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد لخدمة أجندات مشبوهة.

ووجه مكتب الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري (مجلس الأمة)، تحذيرا شديد اللهجة لمن وصفهم بـ”المندسين” الذين يخترقون الحركات الاحتجاجية العمالية من أجل جر البلاد نحو الفوضى، وذلك في تلميح لتنظيمات نقابية تقود حركات احتجاجية وإضرابات عمالية في الآونة الأخيرة.

وأكد في بيان الخميس، أنه “يتابع باهتمام الحركية التي تعرفها الساحة الوطنية من مطالب اجتماعية، وأن السلطات العمومية وعلى رأسها رئيس الجمهورية قامت باتخاذ خطوات جريئة لصالح الجبهة الاجتماعية، والمحافظة على الطابع الاجتماعي للدولة، رغم التداعيات التي خلّفتها جائحة كورونا”.

وأضاف “الحكومة تنتهج أسلوب اليد الممدودة إلى الشركاء الاجتماعيين، في إطار منظم وفق ما تُمليه قوانين الجمهورية وبالاعتماد على برنامج أولويات يراعى فيه الوضع الداخلي وعدم المساس بما تحقق ويتحقق لعموم المواطنين”.

ويعتبر رئيس الغرفة النيابية الرجل الثاني في الدولة الجزائرية، بمقتضى الترتيب الدستوري لسلم المسؤوليات في البلاد، الأمر الذي يعتبر موقفا صريحا من السلطة للاحتجاجات العمالية المتصاعدة مؤخرا، ودخولها لأول مرة في خانة الشكوك والاتهامات المبطنة بخدمة أغراض أخرى غير معلن عنها.

الحكومة تسير في اتجاه تجاهل الحملة الاحتجاجية التي شلت العديد من القطاعات في البلاد، الأمر الذي يفتح البلاد على سيناريوهات أكثر راديكالية

وحمل البيان لغة تحذيرية تجاه من ذكرهم بالقول “بعض الـمُندسين ممن يخترق هذه الحركات يصدر أحكامه الهدامة الجاهزة مستخدما عبارات التقزيم والإنقاص والاستنكار متعمدا إدخال الشك والبلبلة في صفوف الطبقة العمالية بل وكافة المواطنين”.

ودعا المكتب إلى “تغليب المصلحة العليا على أي مصلحة أخرى، والنأي بها عن إكراهات اللحظة، وعدم الانصياع إلى الأطراف التي تريد جر البلاد نحو الفوضى عبر نشر الإشاعات والأخبار الزائفة والأكاذيب بصفة مستمرة في مختلف المنصات والوسائط”.

ويبدو أن الجبهة الاجتماعية التي دخلت هذا الأسبوع في مرحلة تصعيدية غير مسبوقة منذ عامين، حيث تزامنت عدة احتجاجات وإضرابات شنها عمال وموظفون تابعون لقطاعات مختلفة على غرار التربية والتعليم، الجمارك، المالية، الحماية المدنية ( الدفاع المدني)، وقبلهم الصحة، الأمر الذي اعتبر رسالة قوية تريد السلطة إخراجها عن سياقها والترويج لها في قالب “الاستغلال والتوظيف المريب للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد”.

واعتبر رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، بعض التنظيمات النقابية الناشطة في الجبهة الاجتماعية، “نقابات غير معتمدة ترفع مطالب غير قابلة للتحقيق، وأن بعض الممارسات النقابية تخدم أهدافا واضحة وإن كانت غير معلنة، ترمي إلى تعكير مناخ التغيير الذي شرعت فيه السلطات العمومية”.

وحمل تصريح الرجل في الحكومة، تلميحا إلى “استغلال الطبقة النقابية للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، من أجل ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة، ليس خدمة لمطالب الفئات العمالية وإنما لعرقلة المسار السياسي الذي تنتهجه السلطة الجديدة في البلاد”.

التحركات الاحتجاجية رسالة قوية تريد السلطة إخراجها عن سياقها والترويج لها في قالب "الاستغلال والتوظيف المريب للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد"

وأكد رئيس الوزراء في ختام اجتماع الحكومة الأربعاء، أن “السلطات العمومية تولي حرصا بالغا لتحسين الظروف الـمهنية، الـمادية والاجتماعية للعمال في مختلف القطاعات رغم الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد خاصة بسبب تداعيات الأزمة الصحية”.

وأضاف “هذا الظرف الصعب الذي مس بلادنا على غرار باقي دول العالم، لم يمنع رئيس الجمهورية من المضي قدما في تنفيذ التزاماته وتعهداته تجاه هذه الفئة لاسيما عبر القرار الذي اتخذه برفع الأجر الوطني الأدنى المضمون إلى 120 أورو، وإعفاء الأجور التي تقل عن 200 أورو من الضرائب وهي الإجراءات التي استفاد منها أكثر من ستة ملايين عامل”.

ولم يتوان المتحدث بشأن تصاعد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في الآونة الأخيرة، في توجيه اتهامات وصفت بـ”الخطيرة”، كونه وصف ممثلي العمال بـ”النقابات غير المعتمدة”، و”رفع مطالب يدرك أصحابها يقينا أنها غير قابلة للتحقيق”.

ولفت إلى أن “البعض يستغل ممارسة الحريات النقابية للإفراط والتعسف، وأن الإصرار على اتباع هذا النهج المبالغ فيه لا يفهم منه إلا أنه يخدم أهدافا واضحة وإن كانت غير معلنة، ترمي إلى تعكير مناخ التغيير الذي شرعت فيه السلطات العمومية”.

ويبدو أن الحكومة تسير في اتجاه تجاهل الحملة الاحتجاجية التي شلت العديد من القطاعات في البلاد، الأمر الذي يفتح البلاد على سيناريوهات أكثر راديكالية لدى الطبقة العمالية والشركاء الاجتماعيين، خاصة في ظل التدهور الشامل للأوضاع المعيشية في البلاد منذ العام 2019.

4