تبون يورط الأحزاب والجمعيات في ملف مراجعة الدعم

الجزائر - اختارت السلطات الجزائرية إشراك أحزاب وجمعيات في رسم مخطط رفع الدعم الاجتماعي في خطوة ينظر إليها على أنها محاولة للتخفيف من وطأة المسؤوليات والتداعيات التي قد تنجر عن مراجعة المخطط، خاصة في ظل المخاوف من ردود الفعل، لاسيما وأن الجبهة الاجتماعية تعيش حالة إنهاك نتيجة ارتفاع الأسعار وندرة بعض المواد وتراجع القدرة الشرائية.
وتأجل الأربعاء تنصيب اللجنة الوطنية لمراجعة سياسة الدعم الاجتماعي لأسباب غير معلنة، قد تكون على صلة بأجندة الرئيس عبدالمجيد تبون كونه كان من المنتظر أن يشرف على العملية، حيث تزامن التأجيل مع عودته من تركيا، لكن ذلك لا يبعد فرضيات أخرى تتعلق بمواقف رافضة من الأحزاب والجمعيات والنقابات والبرلمان التي وجهت إليها الدعوة لتعيين ممثلين عنها في اللجنة.
وكانت الرئاسة الجزائرية قد وجهت الدعوة إلى الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة وجمعيات وطنية ونقابات عمالية لتعيين ممثلين عنها في لجنة مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي تماشيا مع مخطط عمل الحكومة للعام الجاري، حيث تنوي الانتقال مما كان يعرف بالدعم الشامل إلى الدعم الموجه، إذ من المنتظر أن ترفع يدها عن دعم المواد الاستهلاكية وتحرير أسعارها، مقابل تخصيص مساعدات مالية للعائلات المعنية لتعويضها عن فارق تحرير الأسعار.
الدعم الواسع خلق ريعا اجتماعيا وفسادا اشتركت فيهما الطبقات الهشة واللوبيات المتربصة بموارد الدولة
وفي حين ينظر إلى الخطوة على أنها مغامرة، يرى مراقبون أن القرار وجيه، فدعم المواد الاستهلاكية عند المصدر كلف خزينة الدولة مبالغ مالية ضخمة تناهز سقف 18 مليار دولار سنويا، في حين أن الاستفادة منه لا تعمم على الطبقات الاجتماعية الهشة، لكن غياب خارطة اجتماعية دقيقة بالإضافة إلى البيروقراطية الشائعة في مفاصل الدولة جعلا هؤلاء يتخوفون من الفشل في عملية الانتقال.
وقال الخبير الاقتصادي نبيل جمعة إن إعادة توجيه الدعم الاجتماعي إلى مستحقيه من شأنها توفير مبالغ كبيرة للخزينة العمومية، موضحا أن الدعم الاجتماعي بصيغته الحالية يكلّف الخزينة العمومية ما مقداره 18 مليار دولار إلا أنه لا يوجه إلى مستحقيه الفعليين، فغالبية المستفيدين منه هم من أصحاب الثروة أو لوبيات التهريب التي تنشط مع دول الجوار مستفيدة من فارق الفائدة بين أسعار المواد المدعمة بالجزائر ونظيرتها على الحدود.
ويرى جمعة أن “آليات توجيه الدعم إلى مستحقيه تمر من خلال تعميم الرقمنة بشكل كلي واستغلال بيانات وزارة العمل والضمان الاجتماعي والوظيفة العمومية إلى جانب وزارة الداخلية التي تحوز ملفات وهويات كل الجزائريين، ويتم تأسيس قاعدة تعتمد على مرتبات المواطنين وتوجيه الدعم للرواتب مباشرة إذا تعلق الأمر بالمواد الأساسية أو عن طريق منح بطاقة لاستغلال الوقود أو إدراجه مع الرواتب أيضا”.
وأعلن حزب العمال اليساري في بيان له عن “المشاركة في اللجنة الوطنية للإصلاح”، وبرر ذلك بكون المشاركة في اللجنة ستكون من أجل التعبير عن موقف الحزب الذي يصب في خانة الإبقاء على دعم الدولة للمنتوجات والخدمات العمومية ذات الاستهلاك الواسع والتحويلات الاجتماعية.
واعتبر أن سياسة الدعم “إحدى الركائز الأساسية للدولة الاجتماعية، التي هي نتاج ثورة التحرير نوفمبر 1954، وتضحيات مليون ونصف مليون شهيد، وأن مشاركة حزب العمال غايتها الدفاع عن الإبقاء على دعم الدولة في وضع يتميز بانهيار اجتماعي معمم وغير مسبوق، والذي يعرض التماسك الاجتماعي للمخاطر الكبرى ويهدد استقرار البلاد”.
أما القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف فقد صرح لوسائل إعلام محلية أن “خطوة مراجعة التحويلات الاجتماعية تكتسيها أهمية بالغة، وهو ما يستوجب الحذر في وضع الآليات التي من شأنها إحداث انتقال فعلي من الدعم المعمم إلى الدعم الموجه”.
وأضاف أن “الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية مستمد من بيان الأول من نوفمبر، وهو ما يستوجب الحفاظ عليه بل إعادة توجيهه، حيث تمثل التحويلات الاجتماعية خمس ميزانية الدولة بقيمة 18 مليار دولار، مقسمة على التحويلات الاجتماعية بالنسبة إلى المواد واسعة الاستهلاك والتربية والصحة والسكن”.
وأكد على أن ما يجب مراجعته هو التحويلات الاجتماعية المخصصة للمواد واسعة الاستهلاك، والتي تمثل خمسة مليارات دولار، حيث لا يستفيد منها مستحقوها بل يتساوى فيها الغني والفقير، فصاحب مصنع المشروبات يستفيد من نفس الدعم الموجه إلى المواطن البسيط في مادة السكر، وهو ما يقتضي إصلاحا حقيقيا.
ويرى بن خلاف أن “عملية المراجعة ستصطدم بعدة عراقيل على رأسها غياب بطاقة وطنية للفقراء، فاعتبار الفقير هو من لا يملك راتبا وغير مسجل في الضمان الاجتماعي هو خطأ فادح، لأن الكثير من الفئات تجني مداخيل خيالية وفقا للسوق الموازية، وبناء عليه يجب إعداد بطاقة وطنية تحدد من هم مستحقو الدعم فعلا وتفادي أي تلاعبات”.
ويبدو أن القضية مرشحة لجدل صاخب في ظل التضارب في الآراء والحلول، وأن عمل اللجنة سيكون صعبا ومعقدا، رغم قدرة الحكومة على فرض مقاربتها تحت طائلة الولاء الذي يطبع المشهدين السياسي والمدني، لأن قطاعا عريضا من الجزائريين غير ممثل في المجالس المنتخبة وسبق له مقاطعة الأحزاب والجمعيات والنقابات في مختلف الاستحقاقات.
ويشمل الدعم الاجتماعي في الجزائر المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع كزيت الطبخ والسكر والوقود والخبز، إضافة إلى السكن والصحة والتعليم والماء والكهرباء، وهو ما خلق ريعا اجتماعيا وفسادا ماليا اشتركت فيهما الطبقات الهشة واللوبيات المتربصة بموارد الدولة.