تباطؤ الاقتصاد الصيني يربك الاقتصاد العالمي

اتسع القلق في الأوساط الاقتصادية العالمية بعد بيانات مخيبة عن الاقتصاد الصيني، الذي يعد أكبر محرك للاقتصاد العالمي في ظل زيادة تأثير الحرب التجارية المتصاعدة بين واشنطن وبكين على الشركات والمستهلكين، التي امتدت آثارها لتصل إلى انكماش الاقتصاد الألماني.
بكين - أظهرت بيانات حكومية أمس أن أداء الاقتصاد الصيني تراجع في الشهر الماضي بوتيرة مقلقة تفوق التوقعات، وأكدت أن نمو الإنتاج الصناعي تباطأ إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من 17 عاما.
وجاء الفتور المقلق في نشاط الاقتصاد الصيني، رغم اتخاذ بكين مجموعة من الخطوات لتحفيز النمو منذ العام الماضي، ما يثير تساؤلات بشأن الحاجة لحوافز أكثر سرعة وقوة حتى لو خاطرت بكين بتراكم المزيد من الدين.
وبعد تحسن متذبذب في يونيو، قال محللون إن أحدث بيانات تدل على فتور الطلب بشكل عام في الشهر الماضي وامتداد آثاره إلى الإنتاج الصناعي والاستثمارات ومبيعات التجزئة. وتزامن التباطؤ الاقتصادي مع إقراض مصرفي أقل من المتوقع ومسوح جاءت نتائجها قاتمة للمصانع، مع عودة الانكماش لأسعار المنتجين، مما يعزز توقعات بالحاجة لمزيد من الدعم على مستوى السياسات قريبا.
وكشفت بيانات من مصلحة الدولة للإحصاء أن نمو الإنتاج الصناعي تباطأ على نحو ملحوظ إلى 4.8 بالمئة في يوليو على أساس سنوي وهو ما يقل عن أكثر التوقعات تشاؤما في استطلاع أجرته رويترز ويمثل أقل وتيرة للنمو منذ فبراير عام 2002.
وزادت واشنطن بقوة بعض الرسوم الجمركية في مايو الماضي لتفتح أبوابا لحرب تجارية متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، انعكست آثارها على أداء الشركات وطلب المستهلكين.
للمرة الثانية على مدار الأشهر الإثني عشر الماضية التي يسجل فيها الاقتصاد الألماني انكماشا متأثرا بتداعيات الحرب التجارية
وقالت وزارة الصناعة في الشهر الماضي إن الصين سوف تحتاج إلى “جهود شاقة” لتحقيق هدف النمو الصناعي لعام 2019 بنسبة بين 5.5 إلى 6 بالمئة.
وتباطأ نمو الاقتصاد الصيني في الربع الثاني من العام الحالي إلى ما يقارب أدنى مستوياته خلال ثلاثين عاما عند 6.2 بالمئة وظلت الثقة في مجال الأعمال متزعزعة مما أثر سلبا على الاستثمارات.
وارتفعت مبيعات التجزئة 7.6 بالمئة في يوليو وهو ما يقل بكثير عن متوسط التوقعات بزيادتها 8.6 بالمئة في وقت تحاول بكين دون جدوى إقناع الصينيين بزيادة الاستهلاك لتنشيط الاقتصاد.
وفي خضم هذه الصورة القائمة تلقت الصين بصيص أمل من الإدارة الأميركية عن تأجيل فرض رسوم جمركية على بعض الواردات الصينية ومنها الهواتف المحمولة وسلع استهلاكية أخرى في محاولة واضحة لتفادي تأثير الرسوم على مبيعات فترة ما قبل عطلة عيد الميلاد في الولايات المتحدة.
لكن الرسوم الجديدة ستُطبق في الشهر المقبل على حوالي نصف قائمة مستهدفة من السلع الصينية قيمتها 300 مليار دولار. ويقول محللون إن فرصة إبرام اتفاق تجاري دائم بعد التصعيدات في الآونة الأخيرة تضاءلت بشدة.
ونشرت البيانات الصينية حالة من التشاؤم في الأوساط الاقتصادية العالمية، حيث امتدت آثارها إلى جميع أنحاء العالم، وخاصة الدول المتقدمة، وقد ظهرت آثارها أمس على الاقتصاد الألماني، الذي يعتمد بشكل أساسي على الصادرات.
وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني أن اقتصاد البلاد انكمش في الربع الثاني من العام الجاري وسط تزايد حدة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتهديد بريطانيا بخروج غير منظم من الاتحاد الأوروبي.
وأُعلن أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش في الربع الثاني بنسبة 0.1 بالمئة بمقارنة سنوية، وهو ما كانت تشير إليه التوقعات، بعد أن كان قد سجل نموا بنسبة 0.4 بالمئة في الربع الأول من العام.
وقال ماركوس جوتشوف الخبير الاقتصادي في مؤسسة مورغن ستانلي المالية إن “قطاع التصنيع الذي تحركه الصادرات لا يزال يتضرر بشدة من التباطؤ العالمي، ومن حالة الغموض التي تحيط بالعلاقات التجارية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
وهذه هي المرة الثانية على مدار الأشهر الاثني عشر الماضية التي يسجل فيها الاقتصاد الألماني انكماشا، حيث كان قد سجل انكماشا في الربع الثالث من العام الماضي ودخل في ركود في الربع اللاحق.
وتثير تلك البيانات قلقا واسعا في أوروبا، بعد أن ساعد الأداء القوي للاقتصاد الألماني في التقليل من آثار التوترات الاقتصادية العالمية.
لكن البيانات تضمنت بعض أوجه التفاؤل، حين أظهرت أن الاستهلاك الخاص في الربع الثاني سجل نموا بوتيرة أسرع من الربع الأول، إضافة إلى نمو الاستثمار خلال الربع الثاني.