تبادل الاتهامات بين الجزائر والأمم المتحدة بشأن ترحيل المهاجرين

الأمم المتحدة تصف عملية تهجير الجزائر الرعايا الأفارقة منافية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، والجزائر تتذرع بحماية مصالحها وأمنها.
الأحد 2018/05/27
اضطهاد متعدد الأبعاد

الجزائر - تصاعدت وتيرة السجال الجزائري الأممي حول وضعية المهاجرين الأفارقة في الآونة الأخيرة، حيث تبادل الطرفان التصريحات والبيانات بشأن الظروف المثيرة للجدل للتهجير الجماعي للنازحين الأفارقة. وتتمسك الأمم المتحدة باتهام الجزائر بعدم احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة بالهجرة، بينما تذرعت السلطات الجزائرية بحماية مصالحها وأمنها.

وطالبت الخارجية الجزائرية من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة توضيحات حول ما أسمته “أسباب محاكمة النوايا بمثل هذا الاستخفاف المتهور”، في إشارة إلى تصريحات المتحدثة باسم المفوضية السامية رافينا شامداساني حول ما وصفته الثلاثاء الماضي بـ”الظروف المهينة التي يجري فيها تهجير الرعايا الأفارقة المنافية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة بالهجرة”.

وذكر بيان أصدرته الدبلوماسية الجزائرية، الجمعة، بأن “التصريحات المستندة إلى مجرد ادعاءات جزئية غير دقيقة تشكل خرقا خطيرا للحقيقة وإخلالا جسيما بواجب الدقة والحذر والموضوعية الذي يجب أن يتقيد به مكتب حقوق الإنسان خاصة لمّا يتعلق الأمر بقضايا حساسة ومعقدة”.

وأضاف البيان “تؤكد الجزائر من جديد أنه وأمام التحديات الخطيرة التي تحملها ظاهرة الهجرة غير الشرعية من حقها، على غرار جميع دول العالم، اتخاذ كل الإجراءات التي تراها ملائمة لضمان الأمن لمواطنيها وللأجانب المقيمين بطريقة شرعية على أراضيها”.

 ولفت إلى أن “عمليات إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود تجري طبقا للقانون الجزائري والالتزامات الدولية للجزائر، وفي ظل الاحترام الصارم لحقوق الإنسان وكرامة الأشخاص المعنيين”.

وأكد البيان أن الجزائر ما زالت وستظل أرضا “مضيافة”، لأنه لا يمكنها التراجع عن قيمها الإنسانية ولا عن سياستها لاستقبال وإيواء كل من يتعرض للاضطهاد أو من تدفعه الأزمات والنزاعات في بلده إلى المنفى عبر الطرق القانونية.

وكانت المتحدثة باسم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان قد انتقدت، الثلاثاء الماضي في ندوة صحافية، ظروف احتجاز المهاجرين الأفارقة في الجزائر وقالت إنها ظروف “لا إنسانية ومهينة داخل مخيمات عسكرية في مدينتي زرالدة والبليدة (وسط البلاد)”. كما استنكرت المتحدثة غياب تقييمات فردية للمهاجرين.

وذكرت بأن “السلطات الجزائرية تقوم بتنظيم طرد جماعي للمهاجرين المنحدرين من الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى”، استنادا إلى تصريحات خبراء وشهادات مهاجرين مرحّلين.

الجزائر تربط ترحيل المهاجرين بالمخاطر الأمنية التي تهدد استقرارها واستغلال المتطرفين لأمواج الهجرة غير الشرعية بهدف إعادة الانتشار
 

وتوالت ردود الفعل الجزائرية، في الفترة الأخيرة، بشكل يعكس انزعاج السلطات من التقارير الحقوقية والدبلوماسية حول ظروف إقامة وتهجير الأفارقة إلى ما وراء الشريط الحدودي الجنوبي.

 وسارع مسؤولون من وزارة الخارجية ومدير دائرة الهجرة في وزارة الداخلية إلى الظهور في وسائل الإعلام لشرح موقف بلادهم بشأن المهاجرين غير الشرعيين من دول الساحل.

وأفادت مصادر أمنية بأن السلطات المختصة تعتزم تهجير أكثر من 100 مالي بدعوى انتمائهم إلى تنظيم أنصار الدين المسلح. وتربط الجزائر ترحيل المهاجرين من أراضيها بالمخاطر الأمنية التي تهدد استقرارها والتي تشكلها التنظيمات المتطرفة التي قد تستغل أمواج الهجرة غير الشرعية بهدف إعادة الانتشار وتنامي حركة المتشددين بما يعرقل الحرب الجزائرية المفتوحة ضد الإرهاب.

وكان مدير دائرة الهجرة في وزارة الداخلية حسان قاسيمي قد كشف لأول مرة في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية عن “تدفق حوالي 90 ألف مهاجر غير شرعي سنويا على بلاده، وأن الجزائر استقبلت أكثر من 400 ألف مهاجر في الخمس سنوات الأخيرة منذ بداية أمواج الهجرة غير الشرعية”.

وعبر قاسيمي عن قلق بلاده من تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية ومن المخاطر البشرية والأمنية التي تنطوي عليها هذه التدفقات البشرية. وشدد على أن الأمر “لم يعد مجرد هجرة بل نزوح وأعداد القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء تشكل مصدر انشغال حقيقي للسلطات”. وقال قاسيمي “ليس هناك بلد يقبل مثل هذا التدفق للمهاجرين غير الشرعيين على ترابه”.

وقال إن الجزائر طلبت مساعدة المجتمع الدولي “لكن الأمم المتحدة لم تفعل شيئا يذكر لإنقاذ المهاجرين”. وباتت الظاهرة تشكل عبئا حقيقا على الحكومة الجزائرية، التي رصدت 20 مليون دولار للتكفل بهؤلاء المهاجرين.

وتبقى أرقام المهاجرين السريين تتضارب بين السلطات الرسمية والمنظمات الحقوقية. وصرح وزير الداخلية والجماعات المحلية نورالدين بدوي بأن “الجزائر رحلت منذ العام 2014، نحو 27 ألف مهاجر أفريقي إلى بلدانهم، على مراحل، وأن عددهم حاليا يبلغ نحو 25 ألف مهاجر ينحدرون من عشر جنسيات أفريقية. لكن المنظمة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ذكرت بأن أعداد المهاجرين تبلغ 50 ألفا، وهو رقم غير مستقر بسبب التدفق المتواصل وعمليات الترحيل بالمقابل.

وكان المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة جويل ميلمان قد صرح بأن “المنظمة أنقذت نحو ثلاثة آلاف مهاجر في المنطقة خلال الأشهر الأربعة الماضية، البعض منهم كانوا يحاولون دخول الجزائر بينما جرى طرد آخرين”.

 وقال إن “هؤلاء تائهون في الصحراء رفقة أطفالهم ومن دون ماء أو غذاء، وأن شهادات تذكر رؤية جثث مهاجرين  بين الكثبان الرملية دون تحديد هوياتهم”.

واتهمت شامداسينا الجزائر بتنظيم عمليات لجمع المهاجرين الأفارقة. كما قالت إنه دون معالجة فردية يجري إجبار المهاجرين على التوقيع (عن طريق البصمة) على وثائق لا يعرفون فحواها لأنها مكتوبة بالعربية.