تايغر

منذ فترة غير قصيرة ورد في بعض الصحف الأجنبية خبر منح جائزة عالمية للمصورة سارة سيمونز بعد دخولها في مباراة عن أجمل صورة لحديثي الولادة، إذ اعتبرت صورة “كاملة تقنيا” وتعبر عن “تمجيد الحياة”.
لا تُعد ولا تحصى أجمل اللوحات العالمية والعربية التي جسدت هذا الكائن الغريب في متعة حضوره مع والدته أو في بلاغة وحدته في الفراغ، وربما تكون أجمل لوحة جسدت توأمين مع والدتهما وهما في الآن ذاته يغطان في وحدة نائمة لم تستيقظ بعد على هول العالم المحيط خارج حضن الأم، اللوحة للفنان كليمت، كما حفل عالم الفوتوغرافيا بصور مؤثرة لهؤلاء ومنها صور استطاعت أن تكون “تجارية” وفنية في آن واحد كما معظم صور آن غيدس التي تتميز بقدرة على تظهير اختلاف “شخصية” كل رضيع عن غيره.
أما الصورة التي حصلت على جائزة، فهي لا تنتمي إلى تلك المجموعات من الأعمال الفنية، إنها تنتمي إلى نوع آخر يدخل في باب التأويل والتأمل العميق في “زمن ما بعد الكارثة”.
الصورة تجسد مولودا حديث الولادة وموضوعا في وعاء خشبيّ يذكر بالتابوت وشبه ملفوف بقطعة قماش بيضاء رقيقة تذكر بالكفن، عينا الطفل سوداوان ككوكبين يختزنان ضوءا داخليا لم يتمرس بعد بـ”حرفة” التماس والتفاعل مع العالم الخارجي، لا يحدق في مصوّرته ولا فينا نحن المُشاهدين الحياديين، فمن المعروف علميا أن الطفل في هذا العمر لا يستطيع أن يميز الأشياء والوجوه ولا يتعرف حتى على والدته إلاّ من خلال رائحتها ودقات قلبها.
يلتف هذا الرداء الأبيض ليشبه حبل الخلاص إلى خارج الوعاء نحو وعاء آخر يضم توأمه، أما توأمه فهو كناية عن لافتة معدنية صغيرة تشير إلى اسمه “جوني” وإلى ما وراءها، وما وراءها هو رماده/ رفاته.
أما الخلفية التاريخية لهذه الصورة التي “تعبر عن زخم الحياة”، كما وصفها رئيس لجنة التحكيم، فهي أن أحد التوأمين توفي في أحشاء والدته في الشهر الخامس وكان على أمه أن تحتفظ به إلى نهاية فترة الحمل فالولادة، حتى ينجو توأمه “تايغر” من الموت، وقرّرت الوالدة أن تكمل مشروع التقاط الصورة للتوأمين بعد “الولادة” فكانت هذه الصورة الشائكة المعاني.
لا أحد على هذه الأرض يمكنه المزايدة على مشاعر أو أفكار الوالدة التي كان عليها أن تمر بهذه التجربة الفظيعة وصولا إلى احتضان الطفل الناجي من رحلة الموت/ الحياة حتى التقاط هذه الصورة، ولكن الكل قادر على أن يرى في هذه الصورة تغيرا لمفهومي الحياة والموت في هذا الزمن، والأهمية القصوى لفعل “المشاركة” مع ملايين الناس بهذه الصورة أو بغيرها التي قد تكون شبيهة بها.
قالت الوالدة إنه من الجميل أن تكون لديها هذه الصورة وهي تفتخر بها وسعيدة بنجاح المصوّرة، أما المصوّرة فقالت “إن الفكرة البسيطة من وراء هذه الصورة كانت لإظهار أن هاذين التوأمين لا يزالان على اتصال وكانا في نفس الرحم”.
ربما يود بعضنا أن يعرف رأي تايغر ذي العينين المكوكبين بعد أن يكبر بهذه الصورة، أم أنه خارج الصورة والحسبان؟
وأي سؤال موجه له يجب أن يكون مدعوما بخلفية علمية تقول بأن التوأمين المُتشابهين يتعرفان على بعضهما البعض في أحشاء الأم بعد مرور 14 شهرا، ويلعبان سويا ويحبان ملامسة بعضهما البعض أكثر من ملامسة ذاتهما، ويحاولان أن لا “يفقأ” عيني بعضهما البعض أثناء اللعب، كما أن معظم التوائم المتشابهين تطلق على كل توأم منهم تسمية “التوأم المرآة”، فإن وجدت شامة على يمين جبين الأول، فهي موجودة على شمال جبين الآخر.
لو نسأل تايغر عن هذه الصورة، هل سيرى فيها يا ترى “تمجيدا للحياة”؟ أم تمجيدا للصورة الفوتوغرافية وفعل تعميمها، وهي تنكأ ظلمات الموت وأنوار الحياة الأرضية المشبوهة؟