تاريخ الإنسانية ملطخ بجوائح الأرض

ترجيح منظمة الصحة العالمية بأن كورونا من أصل حيواني لا يحجب مسؤولية الإنسان عن نقل عدواه.
الأربعاء 2020/04/22
60 في المئة من الأمراض البشرية المعدية مصدرها الحيوانات

باريس - رجّحت منظمة الصحة العالمية أن يكون فايروس كورونا المستجد حيواني الأصل وأنه ليس صنيعة مختبرات مثل ما يقول الرئيس الأميركي إن إدارته تحاول تحديد ما إذا كان الفايروس خرج من معمل في مدينة ووهان بوسط الصين.

وقالت المنظمة الثلاثاء إن جميع الأدلة المتوفرة تشير إلى أن كورونا نشأ في خفافيش في الصين في أواخر العام الماضي ولم يتم تخليقه أو إنشاؤه في معمل. وعلى الرغم من هذا التأكيد الأولي لما توصلت إليه أبحاث المنظمة والذي يتنافى مع اتهامات ترامب، فإن الكثير من الباحثين والخبراء يجمعون على وجود مسؤولية للإنسان ليس في ظهور هذا الوباء ويستند الكثير منهم على تجارب مقاربة سابقة كانت فيها يد للإنسان ساهمت في انتشار أوبئة أخرى.

وحتى إن تأكد المصدر الحيواني لفايروس كورونا الذي قلب حياة العالم رأسا على عقب وحصد أكثر من 167 ألف ضحية، إلا أن نشاط الإنسان هو الذي سهل انتقال العدوى إلى البشر فيما يحذر خبراء من أن فايروسات أخرى ستتبع المسار نفسه في حال عدم اعتماد تغييرات.

والأمراض الحيوانية المنشأ التي تنتقل إلى الإنسان ليست بجديدة ومنها السل والكلب والملاريا وداء المقوسات. ويفيد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن 60 في المئة من الأمراض البشرية المعدية مصدرها الحيوانات. وترتفع هذه النسبة إلى 75 في المئة في حالة الأمراض المعدية “الناشئة” مثل إيبولا وفايروس إتش.أي.في المسبب لمرض الإيدز وإنفلونزا الطيور وزيكا والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس).

وأفاد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2016 أن “بروز الأمراض الحيوانية المنشأ مرتبط في غالب الأحيان بالتغيرات البيئية الناجمة عادة عن النشاط البشري من تعديل في استخدام الأراضي إلى التغير المناخي”.

وتؤكد غيانيل فورتش المديرة المساعدة لقسم علم الأوبئة البيطرية في المركز الوطني للبحث الزراعي والبيئي وهو هيئة رسمية فرنسية، “نظرا إلى نموّ عدد السكان واستخدامهم المكثف لموارد الأرض، يؤدي تدمير الأنظمة البيئية بأعداد متزايدة إلى ارتفاع كبير في التماس” بين الأجناس.

ومن العوامل المسؤولة عن ذلك، قطع أشجار الغابات لأغراض الزراعة وتربية الحيوانات بشكل مكثف، التي قد تشكل بدورها “جسرا” مع الإنسان (ولاسيما من خلال تطوير مقاومة على المضادات الحيوية المستخدمة كثيرا في الزراعة الصناعية) وتوسع المدن وتشرذم المواطن الطبيعية ما يؤثر على التوازن بين الأنواع. يضاف إلى ذلك الاحترار المناخي الذي قد يدفع بعض الحيوانات الناقلة للمرض إلى الانتشار في أماكن لم تكن تقيم فيها.

وتوضح آن لاريغودري الأمينة العامة التنفيذية للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، وهو هيئة تابعة للأمم المتحدة تعنى بالتنوع الحيوي، أنّ “المسار الذي يدفع جرثومة مثل فايروس من الانتقال من مجموعة من الفقريات، كالوطايط على سبيل المثال إلى البشر، معقد لكنه من فعل البشر والنشاطات البشرية توفر الفرصة للجراثيم للاقتراب من الإنسان”.

وتضيف “سرعة التغيرات الحاصلة في المواطن الطبيعية في السنوات الخمسين الأخيرة لا سابق لها في تاريخ البشر. ويشكل التبدل في استخدامات الأراضي العامل المباشر الأهم في هذا التغيير”.

ويفيد المنبر بأن الأمراض الحيوانية المنشأ تحصد نحو 700 ألف ضحية سنويا، بغض النظر عن الجائحة الحالية.

الأمراض الحيوانية المنشأ تحصد نحو 700 ألف ضحية سنويا
الأمراض الحيوانية المنشأ تحصد نحو 700 ألف ضحية سنويا

وتحدد دراسة أجراها باحثون أميركيون قبل ظهور الوباء الحالي، القوارض والرئيسات والوطاويط على أنها “حاملة” لغالبية الفايروسات المنقولة إلى الإنسان (75.8 في المئة). إلا أن الحيوانات المنزلية تحمل أيضا 50 في المئة من الأمراض الحيوانية المنشأ.

ومع التركيز على الحيوانات البرية المهددة، تظهر الدراسة أن تلك التي تنقل أكبر عدد من الفايروسات إلى البشر هي تحديدا “تلك التي تراجعت أعدادها بسبب الاستغلال وفقدانها لمواطنها”.

وتقول كريستين جونسون من كلية الطب البيطري في جامعة كاليفورنيا التي أشرفت على الدراسة “نحن نعدل استخدام الأراضي (..) الأمر الذي يزيد من الاتصالات بين البشر والحيوانات البرية ما يوفر الظروف المثالية لانتقال الفايروسات”.

وتحذر لاريغودري من أن هذا الميل لن يتراجع لأن التعديلات في استخدام الأراضي “فضلا عن الزيادة في المبادلات التجارية والسفر” ستزيد من عدد الجوائح في المستقبل. لذا ينبغي أن يكون الرد على مستوى النٌظم المعتمدة على ما تؤكد غينايل فورتش موضحة “إلى جانب الاستجابة الضرورية لكل وباء يجب أن نفكر بالنموذج الذي نعتمده” و”لاسيما إعادة النظر في علاقتنا بالأنظمة البيئية الطبيعية والخدمات التي توفرها لنا”.

وتذهب لاريغودري في الاتجاه نفسه وتدعو إلى “تحول كامل لحل هذه المأساة العالمية مع العمل على تثبيت البيئة” في مجالات اقتصادية مختلفة من المال إلى الصيد مرورا بالنقل أو الطاقة.

وجاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2016 أيضا أن “الاستراتيجيات الفعالة متوافرة للسيطرة على غالبية الأمراض الحيوانية المنشأ المهملة لكن يبدو أن العائق الرئيسي هو نقص في الاستثمارات” مشددا على أن “سلامة الأنظمة البيئية تشمل الصحة والتطور البشري”.

وتحذر خبيرة الرئيسات البريطانية جاين عودال التي أمضت الجزء الأكبر من حياتها في دراسة الحيوانات والدفاع عنها لاسيما الشمبانزي في أفريقيا وتحديدا في تنزانيا، من أنه “كان متوقعا حصول ذلك وسيتكرر الأمر إلى حين نستخلص العبر منها”.

وترى أن أسباب الجائحة واضحة وهي “انتهاكنا للطبيعة وللحيوانات التي ينبغي أن نتشارك معها كوكب الأرض”.

6