تأهيل المنقطعين عن الدراسة يعالج ظاهرة التسرّب المدرسي في تونس

مدرسة الفرصة الثانية تؤمن للعائدين تدريبا يمكنهم من الالتحاق بسوق العمل.
الخميس 2021/06/10
الفرصة الثانية فرصة للتدارك

يؤكد المتابعون للشأن التربوي في تونس أن مدرسة الفرصة الثانية خيار من شأنه معالجة ظاهرة التسرب المدرسي من خلال انتشال المنقطعين عن الدراسة وإعادة تدريبهم بهدف إعادة إلحاقهم بالمؤسسات التربوية التابعة لوزارة التربية أو لمنظومة التدريب المهني أو لإدماجهم في سوق الشغل. وتسعى وزارة التربية إلى تعميم مدارس الفرصة الثانية على كافة محافظات البلاد بما يضمن مبدأ تكافؤ الفرص أمام كافة المنقطعين عن الدراسة.

تونس - دفعت ظاهرة الانقطاع المدرسي بالمشرفين على قطاع التربية في تونس إلى التفكير في إنشاء مدرسة “الفرصة الثانية” لمعالجة ظاهرة التسرب وتمكين المنقطعين من فرصة تدارك تؤهلهم للاندماج في سوق الشغل أو مواصلة الدراسة بالمؤسسات التربوية التابعة لوزارة التربية أو الالتحاق بمنظومة التدريب المهني.

وتتولى مدرسة الفرصة الثانية مهام الاستقبال والتوجيه والتأهيل والمرافقة والإحاطة بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة والذين انقطعوا عن الدراسة دون الحصول على شهادة مدرسية تختم مرحلة تعليمية.

وقالت هدى شقير مديرة مدرسة الفرصة الثانية إن برنامج الـتأهيل يهتم بالمنقطعين عن الدراسة لمدة لا تزيد عن السنتين، والمتراوحة أعمارهم بين 12 و18 سنة.

وأضافت لـ”العرب” أن المعنيين بهذا التأهيل يمكنهم التسجيل على منظومة خاصة بهم ليتم الاتصال بهم من أجل إجراء مقابلات فردية معهم ومع أولياء أمورهم.

وأشارت شقير إلى أن الطلاب الذين يتم قبولهم يقع تقسيمهم على أفواج تضم ما بين 12 و15 طالبا ويتم تدريبهم على مهارات ومكتسبات في اللغات والرياضيات والإعلامية، ومهارات تتعلق بكيفية التواصل وحل المشكلات.

وأكدت على أن نهاية فترة الإدماج تتوج بتوجيه الطالب إما إلى التدريب المهني أو إلى الالتحاق بمقاعد الدراسة إذا كان منقطعا لأسباب صحية، أو إلى سوق الشغل إذا كان قد تجاوز عمر الـ18 عاما.

ويرى المتابعون للشأن التربوي أن لمدرسة الفرصة الثانية دورا هامّا في مسار المشاريع المتعلقة بالمنظومة التربوية والتكوينية، والتي تجسّد استراتيجية الحكومة في التصدّي لظاهرة الانقطاع المدرسي وتوحّد السياسة العمومية المتصلة بمعالجة هذه الآفة.

مدرسة الفرصة الثانية تتميز عن باقي المدارس بأنها توفّر التوجيه للمنقطعين وترافقتهم في تحديد حاجياتهم التعليمية

وأشار هشام المشيشي رئيس الحكومة التونسية إلى أن منح فرصة ثانية لهذه الفئة من الشباب لاستدراك خروجهم من المدرسة واستئناف مستقبلهم التكويني يترجم انخراط الدولة في استراتيجية الأمم المتحدة لدعم الشباب وتحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة.

وأبرز المشيشي أن مدرسة الفرصة الثانية تواكب التحوّل الرقمي والتقدّم التكنولوجي، إضافة إلى اعتمادها نظاما تأهيليا مرنا يضمن تكافؤ الفرص ويتوافق مع احتياجات كل المنقطعين عن الدراسة من خلال تطوير المكتسبات الضرورية وتعزيز مهارات التكوين المهني التي تساعد على اكتشاف مجالات التكوين المهني وسوق الشغل، إضافة إلى الدور النفسي الذي تقدّمه هذه النوعية من المدارس خصوصا على مستوى استعادة الشباب لثقتهم بأنفسهم.

وأوضح رئيس الحكومة أن هذه التجربة ستشمل عديد المحافظات كالقيروان (وسط) وقابس (جنوب) مع الالتزام بتعميمها على كافّة البلاد.

كما أكد وزير التربية فتحي السلاوتي، أن الوزارة تطمح إلى تعميم مدرسة الفرصة الثانية من أجل احتضان عشرات الآلاف من المنقطعين سنويا عن الدراسة، لتمكينهم إما من مواصلة الدراسة وإما الالتحاق بمنظومة التدريب المهني وإما إعدادهم للاندماج بسوق الشغل وبالحياة النشيطة.

وأفاد بأن الوزارة تسعى إلى إيجاد التمويلات الضرورية من أجل إنجاز هذه المؤسسة التربوية في كل محافظة، حتى تتمكن من استيعاب أكبر عدد من المنقطعين سنويا عن الدراسة.

وكشف السلاوتي أن عدد المنقطعين عن الدراسة الذين لا يتوفقون في الحصول على فرصة عمل ولا ينخرطون في التدريب المهني يصل إلى 30 ألف طالب من مجموع 100 ألف منقطع سنويا عن التعليم، مشيرا إلى أن 70 ألف طالب متسرّب يدخلون غمار الحياة المهنية أو يتلقون برامج التدريب المهني عقب مغادرتهم لمقاعد الدراسة.

وتتكون مدرسة الفرصة الثانية من فضاءين، يحمل الفضاء الأول اسم “معاك” (معك) ويتولى فيه 20 مختصا نفسيا واجتماعيا ومؤطرون عملية استقبال الطلاب والإنصات إليهم وتحديد حاجياتهم التعليمية أو التكوينية أو المهنية ومن ثمة توجيههم حسب ملامح تكوينهم وميولاتهم، إما للتدريب المهني وإما للاندماج في سوق الشغل، بالنسبة للبالغين 18 سنة، أو لاستئناف الدراسة بالفضاء الثاني الموجود في مدرسة الفرصة الثانية والذي أطلق عليه اسم “انطلق”.

Thumbnail

ويؤمن فضاء “انطلق” المتكون من 10 أقسام مجهزة بالكمبيوتر وبشبكة الإنترنت، وبطاقة استيعاب تبلغ 25 طالبا بكل قسم، للتلاميذ المعنيين تكوينا تعليميا يمتد على 9 أشهر ويعتمد على برامج إفرادية تتميز بالبساطة والليونة وتحترم خصوصياتهم، وذلك في مجالات اللغات والرياضيات والفيزياء وغيرها من المواد.

وأشار محرز الحبيبي منسق مشروع مدرسة الفرصة الثانية ومقاومة الانقطاع والتسرب المدرسي بوزارة التربية، إلى أن توزيع التلاميذ على هذه الأقسام يستند إلى إجراء اختبارات تقييمية تحدد مستواهم التعليمي.

وكشف الحبيبي أن مدرستين مماثلتين للفرصة الثانية ستفتحان أبوابهما في شهر سبتمبر القادم بكل من ولايتي القيروان وقابس لاستقبال التلاميذ المنقطعين عن التعليم، مبرزا أن الحكومة تتجه نحو إقرار برنامج الفرصة الثانية كخيار وطني حيث من المنتظر أن تتولى بنفسها الإشراف على تعميم هذه التجربة، خلال الأشهر القادمة ببقية محافظات الجمهورية.

وذكر الحبيبي بأن وزارة التربية قامت بإطلاق مشروع مدرسة الفرصة الثانية، تبعا لصدور الأمر الحكومي عدد 57 لسنة 2021 المؤرخ في 13 يناير 2021، وذلك بالشراكة مع وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة الشؤون الاجتماعية وبمساعدة فنية من مكتب تونس لصندوق الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” وبتمويل من المملكة البريطانية المتحدة.

وأكد جيمس كليفرلي وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تصريح إعلامي عقب زيارته لمدرسة الفرصة الثانية، أن المملكة المتحدة مستعدة لتعزيز التعاون مع تونس في قطاع التربية والتعليم.

ولفت كليفرلي إلى أن هذه الزيارة مكنته من التعرف على التجربة الممتازة لمدرسة الفرصة الثانية التي تمكن من استقطاب وتأهيل المنقطعين عن الدراسة، مشيرا إلى أنه يؤدي لأول مرة زيارة إلى تونس.

وتضم مدرسة الفرصة الثانية إطارا تربويا وتكوينيا، يتوزع بين مختصين اجتماعيين ونفسانيين ومؤطرين وتتميز عن باقي المدارس بأنها توفر التوجيه للتلاميذ المنقطعين مع مرافقتهم في تحديد حاجياتهم التعليمية عقب الإنصات إليهم.

وتؤمّن هذه المؤسسة، العودة إلى مقاعد الدراسة بأقسامها في إطار برنامج تدريبي وتدريسي يمتد على 9 أشهر ويعتمد المرونة، وذلك في اختصاصات تشمل اللغات والرياضيات والفيزياء واختصاصات أخرى.

21