تآكل الاحتياطات النقدية ينذر بأزمة خبز خانقة في لبنان

تصاعد المخاوف من حدوث كارثة بتكرار سيناريو استيراد الوقود مع استيراد القمح.
الخميس 2021/06/17
المسّ بقوت الشعب خط أحمر

اتسعت تداعيات تآكل الاحتياطات النقدية لدى مصرف لبنان المركزي، والتي ترخي بظلال قاتمة على توفير الدولار، بشكل أكبر لتمس إحدى أهم المواد الغذائية الأساسية للمواطنين؛ حيث وصلت الأزمة إلى تهديد دورة إنتاج الخبز وسط تصاعد المخاوف من عدم فتح اعتمادات لاستيراد مادة الطحين.

بيروت - يتهدد الأسواق المحلية في لبنان شح سلعة الطحين المستورد من الخارج، وسط تراجع في وفرة النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي الداعم الأساسي لهذه المادة من خلال تحمله جزءا من فروقات أسعار صرف قيمة وارداته.

وربط مسؤولون وخبراء توافر الطحين باستمرار المركزي في دعم استيراد القمح، في وقت تشهد فيه البلاد شحاً غير مسبوق في سلع أساسية أخرى كالوقود والأدوية.

ويأتي هذا القلق في ظل استمرار أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد، وانعدام أيّ بوادر لحلها، وتواصل الفراغ الحكومي منذ 10 أشهر نتيجة تعثر تشكيل حكومة جديدة بسبب الخلافات السياسية.

ولفت مصدر مقرب من راؤول نعمة وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال إلى أن استيراد القمح حالياً مرتبط بمصرف لبنان الذي يؤمّن الدعم المالي لاستيراد كمياته للمطاحن.

واستبعد المصدر في حديث للأناضول، لم تكشف عن هويته، أن يتوقف دعم استيراد القمح حالياً، نظراً إلى أنه لا يشكل عبئاً مالياً كبيراً مقارنة باستيراد الوقود والأدوية.

بشارة الأسمر: قلقون من إمكانية رفع الدعم عن جزء من القمح المستورد
بشارة الأسمر: قلقون من إمكانية رفع الدعم عن جزء من القمح المستورد

وتبلغ كلفة دعم المركزي لاستيراد القمح سنويا 135 مليون دولار، في حين أن كلفة استيراد الوقود (بنزين وديزل) تتجاوز الملياري دولار سنويا، أما كلفة دعم استيراد الأدوية سنوياً فتبلغ نحو مليار و105 ملايين دولار.

ويدعم المركزي استيراد تلك المواد من خلال تأمين الدولار إلى مستورديها، وفق سعر الصرف الرسمي الذي يبلغ 1510 ليرات، في حين أن سعر صرف الدولار في السوق الموازية تخطى 15.25 ألف ليرة.

وتشير أرقام الزراعة إلى أن حجم إنتاج لبنان من القمح سنويا يتراوح ما بين 100 و140 ألف طن، بينما تبلغ احتياجات البلد من هذه المادة ما بين 450 و550 ألف طن سنويا.

ومنذ أواخر 2019 اهتزت العملة اللبنانية بعدما كانت ثابتة عند سعر صرف 1510 ليرات مقابل الدولار الواحد طيلة نحو عقدين من الزمن، قبل أن تبدأ بالانهيار تدريجيا.

وحذر نقيب أصحاب الأفران والمخابز علي إبراهيم من وقوع كارثة في حال تم التعامل مع استيراد القمح، كما يحصل حالياً مع استيراد الوقود.

ونتيجة عدم توفر النقد الأجنبي المخصص للاستيراد يعاني لبنان منذ أسابيع شحاً في الوقود، ما أدى إلى إقفال معظم محطات البنزين، في حين تصطف طوابير انتظار طويلة أمام المحطات القليلة التي تتوفر لديها المشتقات.

لكن إبراهيم بث تطمينات بأنه لا بوادر حاليًّا لحدوث أزمة طحين “لأن الأمور تسير بالشكل المطلوب، من خلال تأمين الأموال اللازمة لدعم استيراد القمح من قبل مصرف لبنان المركزي”.

وأضاف “طالما أن المركزي يوفر أموال الدعم في الوقت المناسب، لاستيراد القمح ومن دون تأخير، فهذا يعني أن الطحين مؤمّن وكذلك الصناعات الغذائية الأخرى المتعلقة به”.

ويدعم المركزي 85 في المئة من قيمة استيراد القمح وفق سعر صرف 1510 ليرات للدولار، إلا أن بعض المطاحن تواجه أحياناً صعوبة في تأمين الوقود لتشغيل مولدات الطاقة خلال ساعات انقطاع الكهرباء.

ويقول إبراهيم إنه في حال توقف أو تراجع دعم استيراد القمح “فقد نشهد أزمة في تأمين رغيف الخبز وغيره من صناعات الأفران للمواطنين، فضلاً عن ارتفاع أسعار تلك المنتجات بشكل تلقائي”.

وعلى وقع أزمة اقتصادية ومالية مستمرة تراجعت احتياطات لبنان من النقد الأجنبي من متوسط 30 مليار دولار مطلع 2020 إلى قرابة 16 مليار دولار حاليا، ما انعكس صعوبة في توفير الأموال اللازمة لدعم الاستيراد.

وأبدى رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر تخوفه من أن يُقدم مصرف لبنان المركزي ووزارة الاقتصاد والتجارة على رفع الدعم عن جزء من القمح المستورد.

دورة إنتاج الخبز

  • 140 ألف طن متوسط إنتاج القمح في لبنان سنويا
  • 550 ألف طن الحجم التقديري لاحتياجات البلاد من القمح سنويا
  • 135 مليون دولار قيمة دعم مصرف لبنان المركزي لاستيراد القمح
  • 2 دولار سعر ربطة الخبز، وهو مبلغ مرتفع قياسا بالوضع المعيشي

وقال الأسمر “ما كان مطروحاً هو رفع الدعم عن استيراد القمح الذي يستخدم ‘للطحين الإكسترا’ أي الذي لا يستخدم في صناعة رغيف الخبز، إنما في الصناعات الأخرى كالمناقيش والحلويات والخبز الإفرنجي ومعجنات البيتزا وغيرها”.

وأعطى مثال أنه في حال رفع الدعم جزئياً سيصبح سعر المنقوشة التي تعد وجبة الفقراء 16 ألف ليرة (10.5 دولار وفق السعر الرسمي) بينما سعرها الحالي 4 آلاف ليرة (2.65 دولار)، وكذلك الحال بالنسبة إلى كل الصناعات الأخرى المشتقة من الطحين.

وأضاف الأسمر أنه لم يصدر بعد أي قرار بهذا الخصوص. وقال “نحن نترقب إلى أين ستتجه الأمور في الأيام المقبلة، لاسيما وأن لبنان يشهد تغيرات يومياً على الصعيد الاقتصادي، نظراً للانهيار المالي والمعيشي المتسارع”.

ويعاني لبنان منذ أسابيع قليلة نقصا حاداً في الوقود المخصص لتوليد الطاقة، ما يتسبب بانقطاع الكهرباء لساعات طويلة تصل أحيانا إلى نحو 20 ساعة يومياً.

واستبعد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن يُرفع الدعم ولو جزئياً عن استيراد القمح لسببين، الأول هو أنه لا أحد يجرؤ على المس بمادة الطحين في البلاد لأنها مسألة حساسة وتمس الأمن الغذائي والاجتماعي، والثاني هو أن كلفة دعمه منخفضة مقارنة بالوقود والأدوية.

إلا أنه لم يستبعد ارتفاع سعر “ربطة الخبز” بسبب المكونات الأخرى التي تدخل في صناعتها مثل السكر والخميرة وغيرهما، والتي يؤمّن دعم استيرادها مصرف لبنان حالياً على سعر صرف 3900 ليرة مقابل الدولار.

وتحدد وزارة الاقتصاد اللبنانية أسبوعيا سعر الخبز بناء على كلفة التصنيع والتوزيع، واستنادا إلى سعر القمح عالميا، وارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار الوقود.

وبحسب جدول أسعار الأسبوع الأخير الصادر عن الوزارة يبلغ سعر “ربطة الخبز” بوزن 975 غراماً ثلاثة آلاف ليرة (نحو دولارين وفق سعر الصرف الرسمي) وهو مبلغ مرتفع للغاية بالنظر إلى الوضع المعيشي وخاصة للطبقتين المتوسطة والفقيرة.

11