بيت العراق واهٍ.. أوهن من بيت العنكبوت

صدام حسين أخطأ عندما ظن أنه يستطيع أن يجمع هذه الفسيفساء البشرية في دولة واحدة بقيادة حزب واحد وأخطأ المالكي عندما ظن أنه يستطيع أن يجمع الخليط البشري المتنافر في بوتقة طائفية.
الثلاثاء 2021/12/28
العراقيون ليسوا أمة واحدة

عند تحليل واقع العراق السياسي والثقافي والاجتماعي يجب أن تؤخذ عملية الاندماج القسري للشعوب والمكونات العراقية داخل دولة العراق إبان تأسيسها عام 1921 بنظر الاعتبار، لأن هذه العملية كانت من أقسى العمليات “الاستعمارية” التي غيرت ملامح المنطقة وحولتها إلى أشبه ما تكون بالمحميات العسكرية أو القاعدة العسكرية الكبيرة التي تستطيع الدول الغربية من خلالها أن تهيمن على العالم الإسلامي والعربي وتحقق أطماعها السياسية والعسكرية والتجارية.

لم يكن سهلا أبدا على الشعب الكردي أن يساق كالأغنام إلى دولة غريبة لا يمت إليها بأي صلة ليقال له بكل بساطة هذا هو وطنكم “البديل”. عيشوا فيه وإن لم يعجبكم اشربوا من البحر!

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المكونين الشيعي والسُّني اللذين يحتفظان بذاكرة تاريخية مليئة بالصراعات والعداوات الدامية لا يمكن محوها أبدا، فهل يمكن أن يعيش هؤلاء الأضداد تحت سقف واحد ويبنوا وطنا واحدا تحت أي مسمى من المسميات الخادعة؛ العروبة والديمقراطية والوطنية والوحدة الوطنية والأخوة الإسلامية؟

◄ يخطئ كل من يريد أن يفرض إرادته على العراقيين بالقوة، لأنهم ببساطة ليسوا أمة واحدة، كما يحلو لبعض المحللين العراقيين أن يطلقوا عليهم هذه التسمية الجديدة، بل هم أمم

لذلك نرى أن العراقيين يتميزون عن غيرهم من شعوب المنطقة بسمات أساسية خاصة، ومن أهم هذه السمات أنهم أرغموا على العيش مع بعضهم البعض من غير أن تراعى حالة التنافر القائمة بينهم في مكان أشبه ما يكون بـ”المعتقل”.

هذا العداء المستحكم ظهر بوجوه عدة نستطيع أن نشير إليها في سلسلة من الأحداث التاريخية القديمة والمعاصرة، ففي عام 2006 سنحت الفرصة للمكونين السني والشيعي ليعيدا المشهد الدامي المتكرر عبر التاريخ، خاضا أكبر حرب طائفية ضد بعضهما البعض استمرت لثلاث سنوات ذهب فيها المئات من الآلاف من الجانبين (على الهوية)! وكذلك عندما قام النظام العروبي البعثي بأكبر عملية إبادة جماعية “عنصرية” ضد الكرد في مدينة حلبجة وعمليات الأنفال سيئة الصيت حيث أبيد أكثر من 180 ألف إنسان بريء.

 كيف يمكن لـ”تكتلات بشرية خالية من أي فكرة وطنية متشعبة بتقاليد وأباطيل دينية لا تجمع بينها جامعة” كما قال الملك فيصل الأول أول ملك توج على العراق أن تشكل دولة واحدة تقودها فكرة وطنية واحدة؟

أخطأ صدام حسين عندما ظن أنه يستطيع أن يجمع هذه “الفسيفساء البشرية” في دولة واحدة بقيادة حزب واحد وعقيدة عروبية واحدة، وأخطأ نوري المالكي عندما ظن أنه يستطيع أن يجمع هذا الخليط البشري المتنافر في بوتقة طائفية!

وكذلك يخطئ كل من يريد أن يفرض إرادته على العراقيين بالقوة، لأنهم ببساطة ليسوا أمة واحدة، كما يحلو لبعض المحللين العراقيين أن يطلقوا عليهم هذه التسمية الجديدة، بل هم أمم، وبلدهم “من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية” بحسب الملك فيصل الأول.

◄ العراقيون يتميزون عن غيرهم من شعوب المنطقة بسمات أساسية خاصة، ومن أهم هذه السمات أنهم أرغموا على العيش مع بعضهم البعض من غير أن تراعى حالة التنافر القائمة بينهم

إن التغيير السياسي والاجتماعي والفكري الكبير الذي طرأ على العراقيين عقب عام 2003 جعل حالة التنافر والتصارع تمتد إلى داخل المكون الواحد بعد أن كانت بين عدة مكونات. وأصبحنا نرى انقسامات داخل المكون الكردي؛ قسم مع إيران والثاني مع تركيا والثالث مع بغداد والآخر مع الاستقلال والانفصال عن العراق وهكذا..

وانقسم الشيعة بدورهم إلى عدة أقسام؛ قسم يوالي إيران ويعمل لها ويحاول تطبيق نموذجها في العراق نصا وروحا ولو بالقوة. وقسم يدعو إلى تكريس الهوية الوطنية والديمقراطية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السُّنة، فمنهم من أصبح جزءا من الحكومة ومنهم من رفض العملية السياسية جملة وتفصيلا وحمل السلاح بوجه الدولة وأصبح داعشيا ومنهم من تحول إلى سنة المالكي وسنة الإيراني..

هذه هي حال العراقيين كمكونات وأعراق وأديان وشعوب متباينة لا شيء يجمعها سوى خيط واهٍ، أوهن من بيت العنكبوت!

8