بوسترات وتترات رمضان: اقتباسات عربية بالجملة

تعتبر المقدمة الغنائية “التتر” أو الملصق الدعائي “البوستر”، بوابة الأعمال الرمضانية للوصول إلى المشاهدين، ومن خلالهما يحسم الجمهور مبدئيا قائمة الأعمال التي ينوي مشاهدتها في خضم المنافسة الشرسة بين المسلسلات، ليصبح مصير كل منها مرتبطا بمدى قدرته على إثارة الغموض والشغف والتحريض على المشاهدة طوال شهر كامل.
القاهرة - يعتمد منتجو الدراما العربية على المقدمات الموسيقية والبوسترات كوسيلة دعائية لأعمالهم في رمضان، باعتبارها تلائم الجيل الجديد من المشاهدين النشطين الذين لا يكتفون بالمشاهدة، وإنما يشاركون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن عدم الاهتمام بالجودة والتركيز على إنتاج المزيد منها فقط يجعلها عرضة لأزمات الاقتباس والاتهام بسرقة الأفكار.
وقعت صناعة الملصق الدعائي “البوستر” لبعض أعمال رمضان المُرتقب في فخ النحت من الأعمال الأجنبية الشهيرة دون معالجة، باستثناء استبدال الأبطال فقط مع الإبقاء على خلفيات وألوان العمل الأصلي، دون اهتمام بخصوصية كل قصة درامية، وطبيعة البيئة التي تخاطبها.
ودخل منتجو مسلسل “الهيبة الحصاد”، بطولة الفنّان السوري تيم حسن وسيرين عبدالنور، في أزمة بعد تصميم البوستر الدعائي للعمل بطريقة مشابهة تماما لأفيش المسلسل البريطاني الشهير “الأقنعة الهزلية” الذي يدور موضوعه حول رجال العصابات بمدينة بيرمنغهام بعد الحرب العالمية الأولى.
وتكرّر الأمر مع المسلسل الكويتي “أمنيات بعيدة”، لهدى حسين وجمال الردهان، الذي يظهر الأبطال متجمعين خلف أريكة عليها البطلة بنفس طريقة المسلسل التركي “حلقة” الذي يحكي خطة شرطيّ للقبض على عصابة إجرامية تُدعى “الحلقة الثلاثية” واصلت نشاطها 40 عاما.
وأصبحت مشكلة النقل من السينما والدراما العالمية أكثر وضوحا مع استحداث المنتجين فكرة طرح عدة بوسترات للعمل الواحد كسلوك ترويجي يلبي تداول الصور الكبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح المصمّمون في مأزق استخراج خمس أفكار جديدة للدعاية لعمل واحد دون حرق قصته، فوجدوا ضالتهم في التجارب الغربية.
وطرح منتجو مسلسل “هوجان” لمحمد عادل إمام عدة بوسترات دعائية مؤخرا تشي طريقة صناعتها ومعالجة صورها باقتباس كبير للأفكار من أفلام الحركة الهندية، خصوصا أفيش فيلم “عودة سنغهام”.
وتكرّر الأمر ذاته مع الملصق الدعائي لمسلسل “لمس أكتاف” لياسر جلال الذي يظهر تأثرا كبيرا بنجم الحركة البريطاني سكوت أدكنز، و“سوبر ميرو” الذي يبدو دمجا بين عدة أفيشات لأفلام الأبطال الخارقين العالميين، مثل “سوبر مان” و“سبايدر مان” و“المرأة القطة”.
ظاهرة جديدة
تقول الناقدة الفنية المصرية ماجدة خيرالله، إن فكرة الاقتباس والسرقة من الأعمال الأجنبية ظاهرة جديدة تفشت بكثرة داخل الوسط الفني، وتحجب جمعية الفيلم المصري منذ سبع سنوات جائزة أحسن أفيش سينمائي لغياب الأعمال الجيدة التي تتضمن قدرا كبيرا من الإبداع، حتى وصلت نسبة النقل إلى 95 بالمئة من إجمالي الأعمال.
ومالت معظم الأعمال الرمضانية إلى البوسترات المجمعة لجميع المشاركين بما يضمن كمًّا أكبر من المشاهدة ولكل منهم جمهوره الخاص، باستثناء من يعتمدون دائما على شعبيتهم المنفردة كمحرك أساسي للمشاهدة مثل محمد رمضان في “زلزال” وياسر جلال في “لمس أكتاف”.
وأكدت خيرالله، لـ“العرب”، أن هناك نوعا من الاستسهال في ما يتعلق بصناعة البوستر في الدراما العربية، فالمصمّمون حصروا دورهم فقط في متابعة إنتاج السينما العالمية والاقتباس منها، دون تقديم معالجة للألوان أو محاولة إدخال تعديلات على الأفيش الأصلي في ظل غياب الرقابة.
وتعدى مسلسل “أرض جو” لغادة عبدالرازق، منذ عامين، حاجز اقتباس الأفيش بعدما تبين نحت مشاهد “التتر الغنائي” الخاص به، من إعلان لشركة “فيرغن أتلانتيك” البريطانية دون معالجته ليحافظ المخرج على نفس طريقة التصوير وترتيب اللقطات ولون ملابس المضيفات وتصميمها في الإعلان الأصلي.
وطاردت تهمة اقتباس أفيشات الأفلام من السينما الأميركية الإنتاج السينمائي المصري خلال الأعوام الماضية مثل فيلم “الديزل” لمحمد رمضان و“حلاوة روح” لهيفاء وهبي و“بوبوس” لعادل إمام، و“الحرب العالمية الثالثة” لأحمد فهمي، ووصل الأمر إلى اقتباس “إكس لارج” لأحمد حلمي بحذافيره من البوستر الدعائي للفيلم الكوري “200 رطل من الجمال”.
وأضافت خيرالله أن الاقتباس في الأعمال العربية وصل إلى الجمل الموسيقية “الثيمات” الكاملة دون الإشارة إلى المصدر، ما يعتبر ضياعا لمجهود المؤلف الأصلي وحقوقه المالية والمعنوية، وفي مؤشر كبير على تقلص أعداد المبدعين الشباب، وسطوة اتجاه الإعداد الموسيقي على التأليف.
عودة الكبار
قبل ثلاثة أعوام استلهم المسلسل السوري “خاتون” لباسم ياخور مقدمته الموسيقية من المسلسل المصري “المال والبنون”، واعترف صناعه بوجود تشابه كبير بين العملين، ليس على مستوى التتر فحسب إنما على مستوى القصة بأسرها باعتبارهما يدوران حول مشكلة واحدة هي “عقوق الأبناء”.
وأشار موسيقيون إلى أن الأسماء الكبيرة في التلحين، مثل ياسر عبدالرحمن وراجح داوود، تضع اشتراطات على الأعمال التي تشارك فيها، بدءا من جودة القصة والحصول على تلخيص كامل لها قبل إنتاجها بوقت كاف إلى إنتاج تتر جيد يتماشى معها.
وتشهد دراما رمضان انزواء موجة الأغنيات الشعبية في المقدمات الغنائية التي كانت لها السطوة خلال السنوات الخمس الماضية لصالح المطربين الكبار، أمثال محمد منير وعمرو دياب ومحمد فؤاد، وأصوات الأوبرا مثل وائل الفشني الذي انتهى من تتر مسلسل “ياسمينا” من ألحانه وكلمات خالد البيه، بعد نجاحه في غناء تتر مسلسل “واحة الغروب” قبل عامين.
ويغني محمد منير تتر مسلسل “ولد الغلابة” باللهجة الصعيدية، من كلمات تامر حسين وألحان تامر علي، وتغني اللبنانية نوال الزغبي تتر مسلسل “بروفا” من بطولة أحمد فهمي، بينما تشارك شيرين عبدالوهاب في المسلسل اللبناني “خمسة ونص” من كلمات علي المولى وألحان صلاح كردي.
ومقرر أن يتولى الفنان عمرو دياب غناء تتر مسلسل زوجته دينا الشربيني “زي الشمس” والذي اعتذرت مخرجته كاملة أبوذكري عن استكماله بسبب تدخلات دياب في وضع الموسيقى التصويرية للعمل، ما أثار غضب المخرجة التي استعانت من قبل بالملحن تامر كروان، وتم الدفع أخيرا بالمخرج سامح عبدالعزيز لاستكمال باقي الحلقات.
وتمثل عودة الكبار إلى غناء تترات المسلسلات اعترافا بتزايد أهميتها في صناعة الدراما، فأصبحت عنصرا رئيسيا في استفتاءات المشاهدات وتحظى بإقبال كبير على موقع المقاطع المصوّرة “يوتيوب”، وبات المنتجون يخصّصون لها ميزانية خاصة لاستقدام الأفضل على مستوى الغناء والتأليف والتلحين. وربما كانت تلك الأهمية المتزايدة محركا لبعض الممثلين لتجريب حظهم في عالم الغناء، مثل عمرو سعد الذي قرّر أن يتولى بنفسه غناء تتر مسلسله “بركة” وعدم الاستعانة بخدمات شقيقه المطرب أحمد سعد، وأن تغني دنيا سمير غانم تتر مسلسلها الجديد “بدل الحدوتة 3”.
وأكد أحمد رمضان، سكرتير نقابة الموسيقيين المصريين، أن نجاح تتر المسلسل في البداية أو النهاية مرهون في المقام الأول بمدى ارتباطه بمضمون القصة، وقدرة المؤلف الموسيقي على اختيار “ثيمة” خاصة تصبح سمة مميزة للعمل مهما طال عمره، لكن الكثير من الأعمال الرمضانية في السنوات الأخيرة تعاني من التباين التام بين اللحن والقصة.
ويوجد خلاف بين الموسيقيين ومؤلفي الأغاني حول أيهما الأفضل التتر المعتمد على الموسيقى أم التتر المُغنى، ويبدو الأمر مرهونا بمدى جودة الأغنية واللحن، فالكلمات التي كتبها شعراء كبار مثل الراحل سيد حجاب نجحت ولاقت قبولا من الجمهور، وكذلك الموسيقى المنفردة التي وضعها موسيقي مثل ياسر عبدالرحمن أو عمر خيرت حققت انتشارا واسعا.