بوادر صفقة إقليمية تثبت حكم العسكر في مالي

المجلس العسكري يقترح تولي إدارة البلاد لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات.
الثلاثاء 2020/08/25
تراجع زخم التنديد بالانقلاب

عادة ما تبدأ معظم الاستيلاءات العسكرية على السلطة في أفريقيا من قبل بعض الضباط المتمردين داخل الجيش، حيث يقومون بالاستيلاء على السلطة عن طريق احتجاز القادة أو إجبارهم على التنحي ثم يلقون لاحقا دعما دوليا بناء على مصالح الدول النافذة في المنطقة، وهو ما يمكن سحبه على تطورات الأوضاع في مالي التي شهدت مؤخرا انقلابا عسكريا.

باماكو – تراجع زخم التنديد الإقليمي بالانقلاب العسكري في مالي، كما لم تكن الضغوط الدولية خاصة من فرنسا والولايات المتحدة كبيرة لاستعادة نظام الحكم المدني في البلد الأفريقي الذي يتهدده الجهاديون، ما يؤشر على بوادر صفقة تثبت الانقلابيين في الحكم لقاء تقديمهم لضمانات يتخوف الفاعلون الإقليميون والدوليون من تجاوزها.

واقترح المجلس العسكري الحاكم في مالي الاثنين تشكيل هيئة انتقاليّة برئاسة عسكريّ تتولّى إدارة البلاد لمدّة ثلاث سنوات، كما وافق على عودة الرئيس المخلوع إبراهيم أبوبكر كيتا إلى منزله أو سفره إلى الخارج لتلقّي العلاج.

ويرى مراقبون أنه ربما لم يعد يسعى قادة غرب أفريقيا من أجل عودة رئيس مالي أبوبكر كيتا المستقيل إلى منصبه، وذلك بعد المرحلة الأولى من المحادثات مع المجلس العسكري الذي سيطر على البلاد قبل أيام.

ويأتي هذا الموقف المخفف بعد أن قالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) الخميس الماضي إنها ستسعى لإعادة كيتا إلى منصبه.

وأفاد مصدر في وفد المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا بأنّ “المجلس العسكري أكد أنه يريد عملية انتقالية مدتها ثلاث سنوات لمراجعة أسس الدولة المالية. هذه العملية الانتقالية تتولى إدارتها هيئة يرأسها عسكريّ يكون في الوقت نفسه رئيسا للدولة”.

غودلاك جوناثان: النقاشات مع العسكريين تجري على ما يرام
غودلاك جوناثان: النقاشات مع العسكريين تجري على ما يرام

وكانت النقاشات بين وفد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والعسكريين الانقلابيين تواصلت الأحد في باماكو لليوم الثاني، وتناولت مصير الرئيس المخلوع.

وأكد صباح الأحد الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان الذي يتقدم الوفد المكلف بـ“ضمان العودة الفورية للنظام الدستوري”، أن “الأمور تجري على ما يرام”. ووفق المتحدث باسم العسكريين إسماعيل واغي، فإن “النقاشات مع إيكواس تجري بشكل جيد”، مضيفا “نأمل في إيجاد أرضية مشتركة”.

وشدد رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا جان كلود كاسي برو على “الرغبة في المضي قدما” لدى العسكريين وحرص دول غرب أفريقيا على إيجاد “حلّ يرضي الماليين في المقام الأول ويصب في صالح كل دول المنطقة”.

واعتبر عضو في الوفد أنه يجب الإسراع في إحراز تقدّم. وقال “يجب الوصول إلى نتائج، لأن رؤساء دول إيكواس سيجتمعون في 26 أغسطس للنظر في تشديد العقوبات على اللجنة العسكرية أو تخفيفها”.

ويتوقع متابعون تخفيف العقوبات التي فرضتها مجموعة دول غرب أفريقيا على مالي بناء على تفاهمات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتراف بالانقلاب العسكري والتعامل مع قيادته الجديدة.

ويشير هؤلاء إلى أن موقف القوى الدولية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة لم يكن ضاغطا بشكل كبير لتقويض الانقلاب العسكري حيث اكتفيا بالمراقبة مع بعض التصريحات والبيانات المنددة.

ويستدل هؤلاء بتصريحات المبعوث الأميركي لدول الساحل يتر فام التي أعلن فيها تعليق الدعم العسكري لمالي، لكنه أكد في ذات الوقت أن “الحكومة الأميركية تتواصل مع اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب المكونة من العسكريين الذين أطاحوا بالرئيس وحكومته”.

تراجع زخم التنديد الإقليمي بالانقلاب العسكري
الانقلاب لم يلق معارضة تذكر في باماكو

وانتخب أبوبكر كيتا عام 2013، ثم أعيد انتخابه عام 2018، لكنه واجه تظاهرات واسعة نظمتها المعارضة التي طالبته بالاستقالة.

ورغم إدانته من طرف المجتمع الدولي، لم يلق الانقلاب معارضة تذكر في باماكو. واستأنف الماليون أنشطتهم غداة الانقلاب وواصل التلفزيون الرسمي “أو.إر.تي.إم” بثّ برامجه العادية.

ووعد العسكريون الذين استولوا على الحكم بإجراء “انتقال سياسي”، واستقبلهم الآلاف الجمعة بحفاوة في وسط باماكو.

ومع تواصل النقاشات السياسية والدبلوماسية في باماكو، قتل أربعة جنود وأصيب خامس بجروح خطرة السبت في انفجار عبوة ناسفة وسط البلد. وفي مارس 2012، مع إطلاق المتمردين الطوارق هجوما كبيرا على شمال مالي، تمرد عسكريون على ما اعتبروه تقاعسا للحكومة في التعامل مع الوضع، وأطاحوا بالرئيس توماني توريه.

لكنّ الانقلاب عجّل بسقوط شمال البلاد في أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة، قبل أن يتم دحرها خصوصا بعد تدخل عسكري فرنسي في يناير 2013 لا يزال مستمرا. وتوسعت هجمات الجماعات الجهادية إلى وسط البلاد عام 2015، ما أدى إلى خسائر مدنية وعسكرية.

وهذه الهجمات المتداخلة مع نزاعات محليّة، امتدت أيضا إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين. ونددت المعارضة في الأشهر الماضية بعجز السلطات المالية عن السيطرة على مناطق مترامية من شمال البلاد ووسطها.

5